بذار قطن محسنة ومحصول يتم تقويضه تباعاً!
سُلالة مُبشرة من القطن طويل التيلة المُقاوم للأمراض، وبفترة إنتاجية قصيرة لا تتجاوز الـ150 يوماً وبجهود محلية، هي أحدث إنجازات وزارة الزراعة في سياق دعم الفلاح وتشجيعه للعودة إلى زراعة محصول استراتيجي هام، سبق أن عزف عنه بعد تكبده الكثير من الخسائر!
لا شك أنه إنجاز مهم؛ فقد صدعت الجهات المعنية آذاننا به الأسبوع الماضي!
لكن ماذا عن توقيت الإعلان المتزامن مع نهاية موسم زراعة القطن الحالي، والمعروف أنه يبدأ من أول شهر نيسان إلى نهايته؟!
والسؤال الأكثر أهمية هل اعتماد نوعيات بذار جديدة محلية سيحول دون تكبد الفلاح المزيد من الخسارات المتلاحقة؟
مزايا «قطن1» بحسب الرسميين!
اعتمدت لجنة تحديد الأصناف، خلال الاجتماع الذي عقد بتاريخ 13/5/2024 في وزارة الزراعة، سلالة مبشرة من القطن طويل التيلة باسم «قطن1»!
وأوضح وزير الزراعة خلال الاجتماع أن هذا الصنف يعتمد لأول مرة في سورية كقطن طويل التيلة، لأن كل أصناف القطن الحالية متوسطة التيلة، وهو من الأصناف الجيدة المبشرة التي يمكن زراعتها حالياً في محافظتي حماة وحلب، وتم تسميته «قطن1» لأنه أول سلالة طويلة التيلة، لافتاً إلى أن الأصناف السورية جيدة ومتميزة بمواصفاتها التكنولوجية والقياسية، وملائمة للبيئات السورية، ويأتي هذا الصنف داعماً للمساحات التي سيتم زراعتها بالقطن، مبيناً أن إدخاله إلى الحقول أمر في غاية الأهمية، كخطوة في طريق العودة إلى ماكنا عليه من إنتاج احتياجاتنا من القطن وتأمين مستلزمات الصناعة والتوقف عن الاستيراد!
هذا ولفت المدير العام للهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية الدكتور موفق جبور أن هذا الصنف يعادل الأقطان المصرية، وهو الصنف الأول على مستوى سورية حالياً الذي يعتمد مواصفات نوعية ممتازة، وهذه ميزة إيجابية حيث تم التركيز على الصفات النوعية، إضافة إلى موضوع الإنتاجية.
وبينت الدكتورة جميلة درباس من إدارة بحوث القطن أن هذه السلالة تتميز بعمرها القصير 150 يوماً، إضافة إلى صفاتها التكنولوجية المميزة التي تكسبها ميزة سعرية عالية.
لا شك أن الحديث الرسمي أعلاه مبشر! لكن هل فعلاً هناك نوايا رسمية جدية لإعادة زراعة وإنتاج محصول القطن لتأمين احتياجاتنا المحلية والتوقف عن الاستيراد؟!
وهل الفلاح، الذي لا يزال يُعاني ارتفاع التكلفة، ينتظر مزايا تبديل نوعية البذار وجودة المحصول، رغم أهمية ذلك طبعاً، أم هو متلهّف للدعم الحقيقي، الذي يبدأ بتأمين مستلزمات الزراعة، وينتهي بسعر مناسب يكفيه شرور العوز!
صحوة متأخرة أم فخّ!
غدت الخسارة الرفيق الملازم للفلاح المفقر موسماً تلو الآخر، حتى امتنع معظم الفلاحين عن زراعة القطن، وخسرت سورية محصولها الاستراتيجي وذهبها الأبيض!
ولعل الحديث عن الأسباب معروف، فلطالما تطرّقنا في قاسيون لها، ولطالما قرعنا ناقوس الخطر حيالها، وكذلك كان حال أحاديث الفلاحين المكتوين بالخسارات المتراكمة طيلة السنين الماضية، إلا أن الحكومة لم تعر ذلك انتباهاً، واستمرت بسياساتها المقوّضة للإنتاج الزراعي، والمفقرة للفلاح!
لتأتي اليوم الجهات ذاتها وترفع شعار تشجيع الفلاحين على زراعة هذا المحصول والتوسع به، آملةً ضخ الدماء في شرايين هذه الزراعة التي كانت على قائمة الزراعات الاستراتيجية يوماً ما!
لكن بالنسبة إلى الفلاح الذي فقد ثقته بالحكومة وبصدق نواياها، يخشى أن يغدو الضحية من جديد، كما هو حال مزارعي القمح!
فبعد المُغامرة بالزراعة والتعب وتحمل التكاليف، وبالتالي تفويت فرصة زراعة محاصيل أخرى أكثر جدوى اقتصادية، تقوم اللجنة الاقتصادية بوضع أسعار زهيدة وغير مجزية!
فما فائدة الإنتاجية العالية للقطن، إذا كانت الأسعار قريبة من تكاليف الإنتاج، أو دونها؟
وما فائدة البذار المحسنة دون وجود دعم لمستلزمات الزراعة والري والأسمدة؟
حسابات الحقل البحثي والبيدر الفعلي!
من المفروغ منه أن المصلحة تقتضي تطوير البذار وتحسينها محلياً، كي يكون الحصاد أفضل كمّاً ومواصفة، لكن ينبغي تسليط الضوء على أنه مهما كان نوع البذار المستخدم فلن ينجح دون دعم، ودون أرض غنية محروثة ومسمدة، ودون برنامج ري وفير، وأجواء مناخية مناسبة!
فكما هو معروف فقد تم تطوير «قطن1» في حقول الاختبارات البحثية، المجهزة بكل المقومات الضرورية لنجاح الاختبار، بكل مستلزماته وضروراته!
فهل هذه المقومات والمستلزمات والشروط المخبرية في الحقل البحثي متوفرة للفلاح في أرضه؟!
فالواقع في الحقل مختلف تماماً عمّا هو عليه في المختبر الحقلي، والمهمة لا تقف عند تأمين بذار جيدة دون أدنى شك، بل ينبغي العمل الجدّي لتأمين مستلزمات العملية الزراعية كافة مع دعمها، وختامها بوضع سعر عادل ومجزٍ للمحصول، وهو مالم تفعله الحكومة على مدار سنوات وأعوام طويلة!
فهل هي صحوة حكومية متأخرة، أم إنها فخ من فخاخها المعتادة، بغية توريط الفلاحين بزراعة البذار الجديدة وتحميلهم أعباء خسارة محصولهم مجدداً؟
وهذا ليس نوعاً من التجنّي على الحكومة، فقد سبق أن حدث ذلك مع محصول الشوندر في أحد المواسم، وفي غالبية مواسم القمح خلال السنوات الماضية وحتى الآن!
محصول متراجع بشكل مطرد ومقصود!
فيما يلي جدول توضيحي مكثّف، سبق أن تم نشره عبر قاسيون، يبين خلاله تراجع محصول القطن بالمساحة وبحجم الإنتاج:
الأرقام توضح أن التراجع في المحصول كان قد بدأ وبشكل كبير في عام 2015 مع تبني سياسات الانفتاح وتحرير الأسواق وتخفيض الدعم، والمستمرة حتى الآن بشكلها الأكثر تشوّهاً وظلماً!
فإهمال القطاع الزراعي الاستراتيجي بدأ مبكراً وليس وليد الأزمة كما تتذرع الجهات الرسمية، مع عدم نفي ما تسببت به سنوات الأزمة والحرب من أضرار على قطاع الزراعة وغيره من القطاعات الأخرى، والتي باتت كارثية مع الاستمرار بالنهج الرسمي المتبع نفسه!
وتأكيداً على ذلك ننقل ما صرح به مدير الزراعة في محافظة الحسكة، علي خلوف الجاسم، لصحيفة تشرين بتاريخ 14/5/2024 حيث قال: «إن المساحة المزروعة بالقطن في محافظة الحسكة تراجعت منذ العام 2011 وحتى الآن بنسبة 9% تقريباً، فقد كان هناك نحو 53 ألف هكتار تُزرَع سنوياً بهذا المحصول، في حين لا تصل المساحات المزروعة الآن إلى 5000 هكتار... كان متوسط إنتاج المحافظة من القطن قبل عام 2011 يصل إلى أكثر من 237 ألف طن سنوياً، لكن في موسم 2014 لم تتجاوز المساحة المزروعة بهذا المحصول 20 ألف هكتار. وكان عدد مزارعي القطن في محافظة الحسكة قرابة ألفي مزارع، أما الآن فلا يتجاوز عددهم 15 مزارعاً».
الأكثر سوءاً هو تصدير القطن الخام دون أية قيمة مضافة، مقابل استيراد الأقطان المحلوجة، بالتوازي مع استمرار توقف بعض المحالج عن العمل!
وكمثال إضافي يؤكد الإهمال الحكومي الرسمي، هو ما كشف عنه رئيس الاتحاد المهني لعمال الغزل والنسيج محمد عزوز الموسم الماضي بتاريخ 16/10/2023 حول رفض وزارة المالية تحويل ثمن أقطان الفلاحين، برفضها لقرض بقيمة 562 مليار ليرة طلبته المؤسّسة العامة للأقطان لتسديد ثمن كميات الأقطان المستلمة من الفلاحين عن ذاك الموسم، والتي تقدّر بـ56 ألف طن فقط، والذي بدأت عمليات توريد إنتاجه إلى مراكز الاستلام ومحالج الأقطان في المحافظات بدءاً من 1/10/ 2023!
فهل مع هذا النهج الرسمي المتبع يمكن الاستبشار بمواسم واعدة للمحاصيل الاستراتيجية، أو بمزيا إنتاجية إضافية تنعكس إيجاباً على حجم الإنتاج وعلى الفلاح وعلى الاقتصاد الوطني؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1175