الاستغلال في موسم رمضان يقضي على الرمق الأخير للمواطن!
بدأت موجة جديدة من ارتفاعات الأسعار، وخاصة للمواد الغذائية الأساسية، متزامنةً مع شهر رمضان المبارك، لتسقط كل ادعاءات ضبط الأسواق ومساعي تخفيض الأسعار، التي تم الحديث عنها على المستوى الرسمي وغير الرسمي!
فرغم انخفاض معدلات الاستهلاك لدى الغالبية المفقرة من السوريين، نتيجة انعدام القدرة الشرائية والفقر المدقع، ارتفعت الأسعار وما زالت تسجل المزيد من الارتفاعات، بسبب الجرعات المتزايدة من الاستغلال!
الأسواق قبل وخلال رمضان!
سجلت الأسواق تباينات نسبية في أسعار السلع، حسب الجودة والمواصفات والمنطقة، والزيادة السعرية كانت ظاهرة بأسعار الورقيات والخضار، أما أسعار اللحوم (الحمراء والبيضاء) وأسعار بعض النواشف الأساسية فقد كانت متقاربة نسبياً، رغم الزيادات السعرية التي طرأت عليها!
فيما يأتي رصد لوسطي أسعار الورقيات قبل رمضان وخلال نصفه الأول:
هذه النسبة الكبيرة من الزيادة السعرية المبينة في الجدول السابق لا تبررها ذرائع الموسم وزيادة الطلب بقدر ما هي زيادة في الاستغلال في موسم رمضان على اعتبار أن أية وجبة طعام تحتاج إلى الورقيات، خاصة السلطات!
الجدول التالي يبين وسطي أسعار بعض الخضار ونسبة الزيادة السعرية عليها:
يبين الجدول أعلاه أيضاً معدلات زيادة كبيرة على أسعار الخضار، لا تدخل ضمن إطار الموسم وزيادة الطلب، بل هو استغلال مفرط ومتحكم به من قبل تجار سوق الهال وبائعي المفرق على السواء!
الجدول التالي يبين نسبة الزيادة على أسعار اللحوم:
تبدو نسب الزيادة السعرية أعلاه منخفضة بالمقارنة مع نسب الزيادة على الخضار والورقيات، لكنها غير مبررة، وكبيرة دون أدنى شك على جيوب المفقرين!
وفيما يلي جدول يبين نسبة الزيادة على أسعار بعض الأساسيات من النواشف:
كذلك يبين الجدول السابق نسب الزيادة السعرية الكبيرة على النواشف استغلالاً لموسم رمضان!
طقوس رمضانية طيّ النسيان!
بدأ التجار بطرح التمر المخزَّن لديهم بالبرادات بأسعار خيالية مستغلين شهر الصيام، وبالرغم من منح أكثر من 700 إجازة لاستيراد التمور، بحسب بعض التسريبات الرسمية، فإن الأسعار ارتفعت بين 80-100٪!
فتبدأ أسعار التمر في الأسواق المحلية من 20000 ليرة لأقل الأنواع جودة، وتصل إلى 250000 ليرة للصنف الأول!
أما عن أسعار المشروبات الرمضانية (كالجلاب - التمر هندي - الليمونادة والعرقسوس) فقد تضاعفت إلى أضعاف كثيرة!
فمثلاً سعر الجلاب تراوح بين 25000-40000 ليرة، العرقسوس ما بين 25000-30000 ليرة، أما التمر هندي فقد وصل إلى 40000 ليرة!
مع التنويه أن الأسعار أعلاه لسعة ليتر و600 ميلي، في حين تراوحت أسعار المشروبات الرمضانية العام الفائت بين 5000 إلى 7000 ليرة لليتر الواحد!
أما المعروك والناعم، هذه الأطعمة التي تلقى إقبالاً كبيراً، خاصة الناعم الذي يرتبط بيعه حصرياً بشهر رمضان، فقد تراوح سعر الرغيف الواحد بين 2000 إلى 10000، أي يبلغ سعر الكيس الذي يحوي على 3 أرغفة بين 12000-30000 ليرة، وعن المعروك فالحجم الصغير 7500 ليرة والكبير 15000 ليرة!
فحتى هذه الغذائيات التي كانت من ضمن الطقوس الرمضانية في أي وجبة إفطار أو سحور، أصبحت طي النسيان بالنسبة للغالبية المفقرة، التي تراها معروضة في الأسواق لكنها حرمت منها، تماماً كما جرى مع مختلف أصناف الحلويات، والتي سبق أن تم إنهاء وجودها في بيوت المفقرين وعلى موائدهم!
مزيد من تخفيض معدلات الاستهلاك!
الجداول والأسعار أعلاه تبين بوضوح عوامل الاستغلال السعري التي تزايدت مع قدوم رمضان وخلال النصف الأول منه!
فبالتوازي مع محدودية وانخفاض الدخل لدى الغالبية الساحقة والمسحوقة من السوريين الذين استنزفت إمكانياتهم، وصولاً إلى حدود الفقر المدقع، سيضطر هؤلاء إلى اختصار سلة غذائهم اليومي أكثر مما هي مختصرة، قبل شهر الصيام وخلاله، على حساب صحتهم!
فاللحوم سبق أن تم إنهاؤها من الوجبات الغذائية للأسرة، وتبعتها مشتقات الحليب بالتقنين، ثم الآن تم فرض تقليص الخضار والورقيات من سلة الغذاء اليومي، وربما لم يبق إلا رغيف الخبز، الذي سبق أن وضع سقف استهلاك لكل فرد منه رسمياً!
فعلى سبيل المثال فإن طبق الفتوش أو التبولة قاربت تكلفته 50000 - وسلطة اللبن مع الخيار قاربت تكلفتها 12000 ليرة، وإعداد طبق شوربة مهما كان نوعها لن تقل تكلفته عن 30000 ليرة، وبالتالي فإن أي وجبة رئيسية شبه مكتملة لأسرة مكونة من 5 أفراد لن تقل تكاليفها عن أجر الموظف البالغ 300 ألف ليرة مع الاختصار الشديد!
فماذا بقي للفقير كي يقيت نفسه مع أسرته؟!
رمضان «الخير» يرهق جيوب السوريين!
وفق عرض الأسعار السابق نلمس واقع حال المواطنين الذين لم يعد بإمكانهم تحمل أعباء أبسط أنواع الأطعمة التي كانت عوناً لموائدهم الفقيرة!
فمع تفاقم العجز الذي طال تأمين القوت اليومي، وتصاعد منحنى أسعار «السلة الغذائية» يوماً بعد آخر وانفلاتها في عموم المحافظات بلا رادع ولا رقيب، نستطيع الجزم أن شهر «الخير» جرى استنزاف خيره من قبل كبار حيتان المال والفاسدين والمستغلين، ومن خلفهم الحكومة وجهاتها العامة!
فالمتتبع لحركة السوق والبضائع والأسعار، لا يرصد فقط الارتفاعات السعرية غير المنطقية، بل يلاحظ كذلك الغياب شبه التام لأشكال وآليات الرقابة والمتابعة، التي من المفترض أنها بعهدة أجهزة الدولة (وزارة التموين والرقابة التموينية - المحافظة والبلديات - الجمارك... وغيرها) بالإضافة إلى جمعيات حماية المستهلك!
فبرغم كثرة تعداد هذه الأجهزة والعاملين فيها، إلّا أن أثرها ودورها غائب عن الأسواق، وإن حضر فحضوره خجول تغلب عليه المحسوبية والفساد، غياب غير مبرر يدفعنا إلى التساؤل أين الدولة وأين دورها ومسؤوليتها في حماية المواطن من الاستغلال وضمان حقوقه؟
ولعل الجواب عن ذلك واضح ومعروف، فكل ما جرى ويجري هو نتاج للسياسات المنحازة للأغنياء الناهبين على حساب الفقراء المنهوبين!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1167