بعد ما ضرب وهرب!

بعد ما ضرب وهرب!

نقلت صحيفة الثورة بتاريخ 15/3/2024 عن وزير الكهرباء قوله: إن الوزارة ستعمل في القريب العاجل على إعداد مشروع صك تشريعي يتضمن عقوبات قانونية مشددة ورادعة بحق من يقوم بالتعدي على مكونات البنى التحتية في قطاعي الاتصالات والكهرباء، وكل من يتعامل في بيع أو شراء أو تصنيع المواد المسروقة!

وقد حار المواطنون في أمرهم من حديث الوزير أعلاه عن مشروع القانون المزمع!
فهل تنطبق هنا مقولة: «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً»؟!
أم المثل القائل: «اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب»؟!

تفاصيل المشروع!

أكد الوزير في حديثه أن «حماية المال العام من التعديات والسرقة كان وما زال وسيبقى مسؤولية الجميع دون استثناء»!
وبحسب الوزير فإن «مشروع القانون تعمل عليه الوزارة بالتعاون والتنسيق مع وزارات العدل والداخلية والاتصالات والتقانة، وذلك بناء على طلب مجلس الوزراء خلال جلسته الأسبوعية ما قبل الأخيرة، وعلى مذكرة وزارة الكهرباء الخاصة بالتعديات على مكونات الشبكة الكهربائية بما فيها العدادات والأمراس والكابلات والمحولات والأبراج».
وبغض النظر عن تتمة حديث الوزير بخصوص التشريع المزمع وعقوباته المتشددة، يبدو أن التوجيه الحكومي، ومذكرة وزارة الكهرباء بما يخص التعدّيات على مكونات الشبكة الكهربائية، أتت متأخرة جداً!
والسؤال الذي يفرض نفسه، طالما أن حماية المال العام مسؤولية الجميع دون استثناء، أين كانت الجهات المعنية والمسؤولة عندما انتشرت وتوسعت سرقة مكونات الشبكة الكهربائية، لتنتقل من كونها حالات فردية إلى أن أصبحت وبسرعة شبكات عمل جماعي باسم «التنحيس» مدارة بدقة متناهية، وخاصة على مستوى تجميع هذه المسروقات وصهرها، وإعادة تصنيعها أو تهريبها؟!

السرقة والتعدي منذ سنوات!

فالتعدي على الشبكة ومكوناتها ليس جديداً، بل أصبح عمره الزمني سنوات طويلة، كسب خلالها كبار القائمين على هذه السرقات المليارات منها سنوياً!
وحتى عندما كان يتم الإعلان عن ضبط سرقة ما خلال السنوات الماضية، فقد كانت تقتصر غالباً على الفاعل المباشر (الصغير)، دون السعي إلى الوصول إلى الشبكة التي يرتبط بها لتسويق وتجميع مسروقاته مع غيره من الصغار بغاية «التنحيس» ثم التهريب!
وبحسب الوزير فإن القيمة التقديرية لجميع أعمال السرقة والتعديات على خطوط التوتر العالي فقط (400- 230 ك.ف) بلغت خلال أعوام 2021 و2022 و2023 أكثر من 94 ملياراً و692 مليون ليرة سورية، بعدد إجمالي للسرقات وصل إلى 3391 سرقة (أبراج + أمراس + متممات)!
الأكثر من ذلك أن وزارة الكهرباء، وبسبب كثرة التعدي والسرقة، اتخذت إجراء تمديد وتركيب كابلات من الألمنيوم بدلاً من الكابلات النحاسية المسروقة، مما قلص عملياً عدد السرقات نوعاً ما وبشكل نسبي، حيث أصبح التركيز لاحقاً على مكونات المحولات من النحاس، مع العلم أن الألمنيوم أيضاً قد تكون له شبكته الخاصة بالسرقة وإعادة التدوير، لكنه أقل جدوى بالنسبة للشبكات العاملة على ما يبدو، وخاصة التي تعمل على صهر المعادن لتهربها خارج البلاد!

سورية مُصدّرة للنحاس والمعادن!

سبق لقاسيون أن أشارت إلى صادرات سورية من النحاس والمعادن في عام 2017 في مادة تحت عنوان: «ماذا صدّرت سورية في 2017 وإلى أين؟» وذلك بتاريخ 10/9/2018 استناداً إلى بيانات منظمة التجارة ITC، البيانات التجارية السنوية عبر العالم، ومن بينها تسجل سنوياً بيانات التجارة الخارجية السورية، وقد ورد فيها الآتي: «صادرات النحاس السورية بلغت 14 مليون دولار، يتوجه نصفها إلى تركيا، ويتوزع الباقي بين السعودية، ولبنان، والكويت، وهي مكونة بالدرجة الأولى من النحاس غير المشغول، وسبائك النحاس المكرر. كما يصدر الألمنيوم غير المشغول بمقدار 6 ملايين دولار إلى تركيا بالدرجة الأولى. أما الرصاص غير المشغول فيصدر بمقدار 9 ملايين دولار إلى لبنان بالدرجة الأولى، تليها تركي»!
وعلى اعتبار أن سورية بلد غير منتج للمعادن المذكورة أعلاه، فلا مناجم ولا تعدين فيها، فإن حجم الصادرات المبوبة «تهريباً طبعاً» من المعادن غير المشغولة، وبمبلغ إجمالي يقارب 29 مليون دولار في عام 2017 فقط، ككتلة دولارية كبيرة وضعت خارج البلاد بحسابات البعض، لها مصدر وحيد هي عمليات السرقة والتعدي، التي لم تقف عند حدود مكونات الشبكة الكهربائية العامة، بل تعدتها إلى «تعفيش» وسرقة الملكيات الفردية، وبيوت ومنازل المواطنين!
فهل يحق لنا التساؤل عن مقولة «أن تأتي متأخراً»، أو عن المثل القائل «اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب»؟!
فمن القادر على تهريب معادن مسروقة غير مشغولة بهذه المبالغ الكبيرة سنوياً، لتحول إلى أرصدة دولارية في الخارج، إلّا بعض كبار الحيتان المحسوبين والمحظيين؟!

الفساد وشراء الذمم!

مع التأكيد على أهمية وضرورة استكمال إصدار مشروع القانون المزمع والتشدد بالعقوبات فيه، على الرغم من التأخر فيه، إلا أنه بالمقابل تجدر الإشارة إلى أن ملايين الدولارات المتأتية من عمليات السرقة والتنحيس والتهريب قادرة على شراء الذمم بكل سهولة عند اللزوم، خاصة مع تفشي الفساد وتغوّله!
فمن استطاع التفلت من المحاسبة والرقابة طيلة السنوات الماضية قادر على التفلت من القانون الجديد بكل سهولة، والمقصود هنا كبار المتحكمين بشبكات السرقة والتنحيس، وتهريب مسكوكاتها كسبائك غير مشغولة!
وبالحساب وللمقارنة فإن مبلغ 29 مليون دولار أعلاه قيمة مهربات مصدرة للخارج (نحاس وألمنيوم ورصاص) في عام 2017 فقط، وعلى سعر المصرف المركزي اليوم البالغ (13400 ليرة)، فإنها تعادل ما قيمته أكثر من 388 مليار ليرة سورية الآن، أي أكبر بأضعاف مضاعفة من حجم السرقات التي بوبها وذكرها الوزير أعلاه خلال ثلاثة أعوام مجتمعة!
فلو أن حماية المال العام من التعديات والسرقة فعلاً من مسؤولية الجميع دون استثناء بحسب حديث الوزير أعلاه لما وصلنا إلى ما نحن عليه من سوء وتردٍّ، ولا إلى هذه الفجاجة والوقاحة بحجم المبالغ المنهوبة والمسروقة والمهربة؟!
لنختم مع تهكم مكرر على ألسنة المواطنين بخصوص التعدي على مكونات الشبكة الكهربائية، أنه لو كانت هناك طاقة كهربائية مستمرة بالشبكة لتعذر على السارقين القيام بعملهم أصلاً، إلا إن كان «دود الخل منو وفيه»!
فجزء هام من حل المشكلة، بالإضافة إلى أهمية العقوبات بموجب التشريعات والقوانين، هو غياب الكهرباء واستمرار التقنين المجحف فيها!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1166
آخر تعديل على الجمعة, 26 نيسان/أبريل 2024 23:03