عصفوران بحجر... مزيد من الإفقار وتقويض الإنتاج!

عصفوران بحجر... مزيد من الإفقار وتقويض الإنتاج!

تستمر الحكومة بسياسات تخفيض الدعم، وهذه المرة تطال قطاع الإنتاج الحيواني، غير آبهة بحال المربي والمواطن المفقر!

فسياسات الإفقار الممنهجة تطال دائماً لقمة العيش، وآخرها كان إعلان المدير العام لمؤسسة الأعلاف عبد الكريم شباط بتاريخ 6/2/2024 عن رفع أسعار المواد العلفية، مشيراً إلى أن نسبة الارتفاع تقدّر وسطياً بحدود 15٪، زاعماً أن مؤسسة الأعلاف هي مؤسسة اقتصادية يحسب عليها ارتفاع البنزين والمازوت والأجور وأسعار الشراء!
التسعيرة الجديدة طالت مختلف الأنواع العلفية، حيث أصبح سعر كيلو الذرة الصفراء 5200 ليرة، وكيلو كسبة الصويا 11900 ليرة، وكيلو الجاهز حلوب كبسول 3600 ليرة، والجاهز حلوب جريش 3425 ليرة، وكيلو النخالة 1750 ليرة، وكيلو كسبة القطن 7800 ليرة!

المربون في جهة والحكومة في الجهة الأخرى!

في الوقت الذي لا تسمن ولا تغني فيه مخصّصات المقنن العلفي الموزع من قبل المؤسسة العامة للأعلاف - التي تتباهى بها تحت مسمى الدعم - على المربين، فإن حاجة كل رأس من الأغنام أو الأبقار هي أكبر بكثير - في حال تم تسليمها كاملة طبعاً - فالكمية الموزعة لا تتجاوز نسبة 20٪ من الكمية المطلوبة، ليلجأ المربون مجبورين إلى السوق السوداء بأسعارها الفلكية، فيقعون لقمة سائغة للتجار المستغِلّين، وخاصة في ظلّ حاجة المربين الماسة في إطعام ماشيتهم خاصة في فصل الشتاء.
وقد رفع مربو الماشية أصواتهم مطالبين الجهاتِ المعنية بزيادة كمية المخصصات، إلا أن أصواتهم لم تسمع، لتأتي القرارات الحكومية وتفاجئهم برفع أسعار الأعلاف رسمياً!
على سبيل المثال: في العام الماضي تم توزيع 6 أو 8 كيلوغرامات من مادة النخالة للرأس الواحد من الأغنام والماعز، و100 كيلوغرام جاهز حلوب للرأس الواحد من الأبقار، في وقت تحتاج هذه الماشية إلى أضعاف مضاعفة من العلف، وهذه المخصصات المسلّمة من المؤسسة تُستَهلَك في فترة قصيرة، تمتد إلى بضعة أيام فقط فتغطي نسبة 20٪ فقط من الحاجة الفعلية!
هذا القرار الكارثي لن يقع ضحيته المربي فقط، بل المواطن عموماً، خاصة وأن ارتفاع أسعار الأعلاف يعتبر السبب الرئيس لارتفاع أسعار اللحوم والحليب ومشتقاته. وهذا أكده رئيس الجمعية الحرفية لصناعة الألبان والأجبان في دمشق محي الدين الشعار مشيراً إلى صدور نشرة أسعار جديدة للألبان والأجبان قريباً.
كما كشف رئيس جمعية لحامي دمشق محمد الخن لصحيفة الوطن الأسبوع الماضي، عن وجود دراسة لرفع أسعار اللحوم، تم رفعها لمجلس الوزراء من أجل الموافقة عليها حيث قال «إن سعر الكيلوغرام من الخروف القائم وصل إلى 85 ألفاً وأن سعر كيلوغرام الهبرة الخالية من الدهن وصل إلى 250 ألف ليرة في حين أن سعر الكيلوغرام مع 25% من الدهن وصل إلى 200 ألف ليرة «والمسوفة» 150 ألفاً، سعر الكيلوغرام من لحم العجل الهبرة حالياً عند 160 ألف ليرة في حين أن سعر كيلوغرام الحي منه يتراوح بين 60 و65 ألف ليرة ويبلغ سعر كيلوغرام البقر الحي بين 50 و55 ألفاً!»
وأرجع الخن سبب ارتفاع أسعار الخراف والعجول الحية، إلى ارتفاع تكاليف التربية!
والآن وبعد قرار رفع أسعار الأعلاف فنحن أمام كارثة كبيرة ستطال مربي قطعان المواشي، وربما تدفع بعضهم إلى بيع جزء من قطعانهم بأسعار بخسة في سبيل إنقاذ ما تبقى منها، وستمتد الكارثة لتشمل المواطن في لقمة عيشه، فلا بيض ولا ألبان ولا أجبان بعد الآن على موائدهم، ربما عليهم نسيانها كما طوى النسيان اللحوم بأنواعها خلال السنوات الماضية تباعاً!

الأسمدة الزراعية هي التالي في سناريوهات الحكومة!

رغم أن الأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد في هذه الأيام مبشرة بالخير، إلا أن المزارعين يعتريهم القلق من أسعار الأسمدة المرتفعة جداً، والتي شكلت عاملاً من عوامل الخسارة خلال الأعوام الماضية، خاصة بعد ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي على نحو مخيف تزامناً مع سياسات تخفيض الدعم التي تنتهجها الحكومة، والتي باتت واضحة بعد قرارات اللجنة الاقتصادية مع نهاية شهر تشرين الثاني من العام الماضي، حيث ارتفعت بموجبها أسعار الأسمدة 3 أضعاف ليصبح مبيع طن سماد اليوريا 8 ملايين ليرة بدلاً من 3 ملايين للطن بواقع زيادة 266٪ عمّا كان عليه سعر المبيع في العام الماضي، ورفعت أسعار السوبر فوسفات وسماد كالينترو إلى حدود ثلاثة أضعاف مبيعه في العام الماضي، ولتصبح الأسعار 6 ملايين ليرة لطن السوبر فوسفات بدلاً من مليوني ليرة، وسعر مبيع سماد كالينترو بـ5 ملايين ليرة بدلاً من 1,650 مليون ليرة، وبعد مضي أقل من شهر أعلن المصرف الزراعي التعاوني في تعميم صادر عنه لكل فروعه في المحافظات عن استئناف عملية بيع الأسمدة للفلاحين لمحصول القمح حصراً عقب إيقاف عمليات البيع في تعميم سابق، وأنه من خلال التعميم الجديد تم تحديد سعر مبيع طن سماد اليوريا بـ8,9 ملايين ليرة بدلاً من 8 ملايين ليرة!
وكل ذلك سيشكل أعباء إضافية على المواطن المفقر، وعلى الفلاح بصفته منتجاً ومستهلكاً في آن معاً!
وقد أوضح رئيس مكتب الشؤون الزراعية في الاتحاد العام للفلاحين محمد الخليف في تصريح لـ«الوطن» بتاريخ 25/1/2024 «إن الفلاح غير راض عن رفع أسعار الأسمدة المدعومة... لافتاً إلى أنه بناء على الكتب التي وردت إلى الاتحاد العام للفلاحين من الاتحادات الفرعية في المحافظات، والتي تضمنت المطالبة بتخفيض أسعار الأسمدة المدعومة وخاصة سماد اليوريا 46 باعتبار أن الأسعار المعتمدة من الحكومة غير مناسبة وتكلف الفلاح أسعاراً باهظة قام الاتحاد العام برفع كتاب إلى رئاسة مجلس الوزراء منذ نحو عشرة أيام، مطالباً عبره بإعادة النظر بالأسعار التي تم تحديدها مع نهاية العام الماضي للأسمدة المدعومة!».
وتجدر الإشارة هنا إلى أن نسبة زيادة أسعار الأسمدة في سورية منذ عام 2011 حتى نهاية 2023 تجاوزت 600 ضعف، مع ما يعنيه ذلك من نتائج كارثية على القطاع الزراعي المتدهور منذ عقود، ابتداء من ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي، وليس انتهاء بعزوف الكثير من الفلاحين عن زراعة أراضيهم، وبالتالي التراجع الحاد في المحاصيل الضرورية، مع الانعكاسات السلبية لذلك على المواطنين، أي إن النتائج ستكون مزيداً من تراجع الإنتاج الزراعي بشكل حتمي!
كل هذا لم يوقف مساعي الحكومة المستمرة في انتهاج سياسات الإفقار وتقويض الإنتاج، حيث تشير التسريبات والإشاعات إلى نية رفع جديد لأسعار الأسمدة، خاصة بعد تسعيرة الأعلاف الأخيرة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1162
آخر تعديل على الإثنين, 19 شباط/فبراير 2024 13:24