الأمبيرات.. استكمال للشرعنة والتحلل من المسؤوليات!
يستمر تكريس تجاهل حال المواطن وحاجاته، باعتبار الكهرباء خدمة كمالية وليست واجباً من واجبات الدولة، مقابل ذلك، تواصل الأمبيرات تمددها في جميع المحافظات السورية بسبب الغياب شبه التام للكهرباء، وتردي واقعها من سيِّئ إلى أسوأ، حيث تجاوزت ساعات القطع التسع ساعات مقابل ساعة أو نصف ساعة وصل في الكثير من المحافظات، ما فرض على المواطن الاضطرار للجوء إليها مرغماً، مع تركه عرضة للاستغلال من قبل مستثمريها!
وقد جاءت تصريحات وزير الكهرباء الأخيرة بتاريخ 7/1/2024 بشأن الاستثمار بالأمبيرات بمثابة شرعنة مبطنة لها، فعلى الرغم من قوله: إن «بيعها بشكلها الحالي اليوم ممنوع»، إلا أنه عطف على ذلك بقوله: «لكن الوزارة تغض النظر عنها»، مع التنويه من قبله بأن للاستثمار بالأمبيرات ناحية إيجابيّة وهي «تعريف المواطن بسعر الكيلو واط الساعي»!
على ذلك، فإن المشكلة بالنسبة لوزارة الكهرباء هي الشكل الحالي لنظام الاستثمار بالأمبيرات فقط، ما يعني أن بعض التعديلات على هذا الشكل ستكون كفيلة بشرعنتها وقوننتها لاحقاً، كجزء مضاف على مستوى مسيرة خصخصة قطاع الطاقة الكهربائية، ولتكريس تحلل الحكومة من واجباتها، واستمراراً لسياسات تخفيض الدعم، ولقضم المزيد من أدوار الدولة، وكل ذلك تجييراً لمصلحة بعض كبار الحيتان على حساب المواطن وخدماته!
البديل المؤقت والشرعنة!
صرح رئيس مجلس محافظة دمشق إبراهيم جمعة عبر موقع «أثر برس»، في شهر كانون الأول نهاية العام الماضي، عن مقترح جديد لإصدار صك تشريعي ينظم عمل نظام «الأمبيرات» بشكل قانوني، في ظل الانقطاع شبه التام للتيار الكهربائي حيث قال: «إنه انطلاقاً من ذلك وتحت ضغط الحاجة إلى الكهرباء، جرى طرح الموضوع على المكتب التنفيذي، مع إحالته إلى مجلس المحافظة، وشكلت لجنة من الجهات كافة، واعتمد أمر إداري لوضع القواعد والضوابط الناظمة لعمل «الأمبيرات» التي يقدمها مستثمرو المولدات الكهربائية، الأمر الذي سهّل انتشارها كحل بديل ومؤقت لحين تحسّن الظروف».
ففي دمشق، فاق عدد مستثمري الأمبيرات العشرين، حيث صرح مدير الإنارة في محافظة دمشق وسام محمد بتاريخ 18 كانون الثاني لموقع» أثر برس»: «أن هناك إقبالاً كبيراً على تركيب الأمبيرات في المحال التجارية»، لافتاً إلى أن أكثر من 20 مستثمراً حصلوا على ترخيص لتركيب الأمبيرات في عدة أسواق، منها: (القصاع وشارع الحمراء والشعلان وأبو رمانة) وغيرها الكثير.
سبحة بدأت حباتها بالسقوط بذريعة الفعاليات الاقتصادية والمحال التجارية، لكن الحبل على الجرار كما يقال!
فهذا النمط من الحلول البديلة المؤقتة والمعممة سبق أن أغرق مواطني محافظة حلب بالتكاليف والهموم، وزاد الأعباء على الأسر في محافظة درعا، أما عن المواطنين في محافظة ريف دمشق فحدث بلا حرج، وكذلك الحال بالنسبة للمواطنين في بقية المحافظات!
واستناداً لهذا النمط من الاتساع والانتشار لنظام الاستثمار بالأمبيرات تحت ضغط الحاجة الاضطرارية للمواطنين بسبب التردي الكهربائي، وبحسب تصريحات وزير الكهرباء ورئيس مجلس محافظة دمشق، فإن موضوع قوننة هذا الاستثمار لن يطول عليه الزمن على ما يبدو!
المواطن بين فكي التقصير الحكومي واستغلال المستثمرين!
تتفاوت أسعار الأمبيرات بين منطقة وأخرى، ومن مستثمر لآخر في المنطقة ذاتها، بل وحسب الفصل، فأسعار الصيف تختلف عن الشتاء، إضافة لوجود أمبير نهاري وأمبير ليلي!
والفروقات بين المناطق والمستثمرين ليست فقط على مستوى الأسعار الاستغلالية، بل امتدت لتشمل ساعات الخدمة وجودتها، في استغلال كبير لحاجة المواطن الملحة، فقد تجاوز سعر الكيلو واط الساعي 12 ألف ليرة سورية في بعض المناطق!
فحيتان الاستثمار بالأمبيرات يتعاملون مع حاجة المواطن على أنها فرصة لمزيد من الاستغلال والنهب، وكل هذا على مرأى ومسمع الحكومة والرسميين، بل مع دعم مباشر!
فالتصريحات أعلاه التي جاءت بمثابة إعلان عن شرعنة الاستثمار بالأمبيرات، هي في الوقت نفسه تعبير صريح ومباشر عن تخلي الحكومة عن دورها وواجبها بتقديم خدمة الكهرباء، والتي تعتبر من الخدمات الأساسية بعهدة الدولة افتراضاً!
قرارات تسعير لا يتم الالتزام بها برغم التسهيلات!
عكفت محافظة حلب خلال السنين الماضية إثر انتشار الاستثمار بالأمبيرات على وضع تسعيرة مسقوفة للأمبير كي يلتزم بها المستثمر، مع تعديلات على هذا السعر بين الحين والآخر، ومع ذلك لم يتم الالتزام بتسعيرة المحافظة من قبل المستثمرين، مع الكثير من أوجه الالتفاف عليها من قبلهم!
وقد دخلت محافظة ريف دمشق مؤخراً على خط تحديد سقف سعر للكيلو واط الساعي، فقد صدر قرار محافظة ريف دمشق الذي حدد أسعار مبيع الكيلو واط الساعي لمولدات الأمبيرات المرخصة في المحافظة بمبلغ 5200 ليرة، حسب كتاب صادر عن المحافظة نشرته جريدة الوطن، وأشار الكتاب أيضاً إلى أن المحافظة تركت للمكاتب التنفيذية في الوحدات الإدارية إضافة نسبة من 1- 5٪ على التسعيرة حسب وضع كل وحدة إدارية!
في حين صرح رئيس بلدية عربين في ريف دمشق «راتب شحرور»، مؤخراً: «أن تسعيرة مولدات الأمبيرات تتم من لجنة مشكلة من مجلس المدينة، تحدد التسعيرة كل أسبوع وفق التكاليف. وأضاف أن سعر الكيلو واط من الكهرباء حالياً هو 10500 ليرة، وإن البلدية زودت المحافظة بكشوف تقديرية للتكاليف بانتظار صدور القرار بالتسعير من المحافظة، وبالتالي تزويد منتجي الأمبيرات بمادة المازوت».
على ذلك فإن قرارات التسعير التي تصدر عن المحافظات، لم ولن تكون ملزمة للمستثمرين، والأكثر من ذلك، إن مبررات زيادة الأسعار الاستغلالية بذريعة عدم توفر كميات المازوت التشغيلية للمولدات وتأمينها عبر السوق السوداء، تهاوت لكون المحافظة ستزود مستثمري الأمبيرات بمادة المازوت!
والنتيجة، أنه على الرغم من كل التسهيلات المقدمة لمصلحة مستثمري الأمبيرات، سواء من خلال غض النظر، أو من خلال السير نحو استكمال شرعنة هذا النمط المستجد من الاستثمار، وصولاً إلى تأمين المازوت التشغيلي، ومع ذلك فإن عوامل الاستغلال من قبل هؤلاء المستثمرين تتزايد!
شاهد من أهله!
نشرت صحيفة «البعث» بتاريخ 16 كانون الثاني من العام الحالي حول ما أسمته «مؤشرات نحو خصخصة قطاع الكهرباء في سورية»!
فأحد المؤشرات الذي أوردته الصحيفة هو: «ما يدعى بـ الأمبيرات التي لم يعد يقتصر مستثمرها على مولدته الخاصة في إنتاج الكهرباء من الديزل، لا بل غزا مؤخراً محطات التوليد عبر بوابات محطات التحويل الحكومية لاستجرار الكهرباء المولدة حكومياً، وبيعها للمشتركين بنظام الأمبيرات الخاص»، وقد تساءلت الصحيفة: «ما دام باستطاعة الحكومة أن تؤمن المازوت للمستثمر الخاص ليبيع الأمبيرات، فلماذا لا تقوم هي بذلك وتحقق ما تصبو إليه دون هذه الحلقة الوسيطة؟!».
أما المؤشر الآخر بحسب الصحيفة، فيتمثل «بعقود التشغيل الحصرية لمحطتي توليد كهرباء دير علي وتشرين، التي وقعتها الحكومة مع إحدى الشركات الخاصة»، متسائلة أيضاً: «هل يعني ذلك خصخصة للإدارة؟».
وربما لا مفاجأة بالمؤشرات الواردة أعلاه، فمسيرة الخصخصة في قطاع الطاقة الكهربائية تسير على قدم وساق بكل سلاسة، لمصلحة البعض من كبار حيتان الاستثمار على حساب الدولة، وعلى حساب المواطنين ومن جيوبهم!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1159