زيادة بتعرفة الطاقة الكهربائية للفعاليات الاقتصادية بنسبة تراوحت بين 137- 216%!
صدر قرار التعرفة الجديدة لاستهلاك الطاقة الكهربائية الخاصة بالمشتركين (عام وخاص) من المعفيين من التقنين الكلي والجزئي للأغراض الصناعية والحرفية والتجارية والسياحية، ومنشآت وغرف الخزن والتبريد المرخصة لخزن المنتجات الحيوانية والنباتية والأغراض الأخرى، والمؤرخ في 4/1/2024، والمعلن بتاريخ 15/1/2024، على أن يبدأ العمل بها اعتباراً من بداية شهر شباط 2024!
قرار التعرفة الجديد، هو حلقة مضافة تنفيذاً للسيناريو الرسمي المرسوم بغاية استكمال التحرير الكلي لأسعار الطاقة الكهربائية، فقد أصبحت التعرفة بواقع 1900 ليرة للكيلو واط الساعي، ولكامل الكمية المستهلكة، علماً أنها كانت بمبلغ 950 ليرة/كيلو واط وسطياً، أي بنسبة زيادة 100%، علماً أن بعض الفعاليات كانت تعرفتها 600 ليرة/كيلو واط، وبالتالي، فإن نسبة الزيادة عليها تجاوزت 216%، وبعضها الآخر كانت تعرفتها 800 ليرة/كيلو واط، ما يعني أن نسبة الزيادة عليها تجاوزت 137%!
ربما لا داعي لتكرار الحديث عن النتائج والتداعيات الكارثية لذلك على الفعاليات الاقتصادية في البلاد، وعلى الواقع المعيشي والخدمي للعباد، فقد سبق أن جرى الحديث عن نتائج استمرار زيادة أسعار حوامل الطاقة مراراً وتكراراً، عبر صفحات قاسيون، والقاصي والداني يلمس الآثار والنتائج الكارثية لذلك بشكل يومي ولحظي!
التعرفة تجاوزت الدراسة المعدة نهاية العام الماضي «استسهالاً»!
تجدر الإشارة إلى أن التعرفة الجديدة أعلاه تجاوزت ما رشح نهاية العام الماضي عن الدراسة المعدة لتوحيد أسعار الكهرباء لمختلف القطاعات، والتي قيل بوقتها، نقلاً عن «مصدر في وزارة الكهرباء»، إنها ستصبح 1500 ليرة/كيلو واط، وبواقع زيادة 400 ليرة على كل كيلو واط، استناداً للتعرفة الجديدة الصادرة!
فما هي تلك المتغيرات الطارئة والمستجدة خلال أقل من 15 يوم، الفترة الفاصلة بين الإعلان عن الدراسة بنهاية العام الماضي، وتاريخ صدور القرار بداية العام الحالي، لتبرر زيادة 400 ليرة على كل كيلو واط؟!
وهل كانت الدراسة المعدة والمعلن عنها غير صحيحة، أم أن استسهال فرض مبالغ إضافية على التعرفة طغى، متجاوزاً حيثيات الدراسة؟!
أم أن الأمر عبارة عن فرصة سانحة يجب استثمارها لسرعة استكمال سيناريو التحرير السعري للطاقة الكهربائية، وبما يتجاوز التعرفة بحسب الدراسة، لتحقيق وفر مالي على حساب الفعاليات الاقتصادية، ومن جيوب المواطنين بالنتيجة، أي على حساب خدماتهم ومعيشتهم؟!
ولعل ما يؤكد ذلك، هو ما نقل عن «مصادر مطلعة في وزارة الكهرباء» عبر وسائل الإعلام قبل الإعلان عن قرار التعرفة الجديد بأن: «تسعيرة الكهرباء الجديدة باتت جاهزة، وهي قيد الإعلان قريباً بعد تهيئة الرأي العام»!
فمن جملة ممارسات «تهيئة الرأي العام»، بالإضافة لما رشح عن لسان «مصادر» في وزارة الكهرباء بما يخص التعرفة الجديدة والدراسة المعدة حولها، هو اللقاء الإعلامي لوزير الكهرباء، الذي جرى بتاريخ 7/1/2024، أي بعد توقيع القرار، وقبل الإعلان الرسمي عنه!
الوزير يؤكد والواقع ينفي!
أكد وزير الكهرباء في حديث إذاعي للمدينة إف إم، عبر «برنامج المختار» (قبل الإعلان عن التعرفة الجديدة، لكن بعد صدور قرارها) أن: حقنا كمواطنين مؤكد بـ24 ساعة كهرباء، وبأن حل مشكلة الكهرباء يحل 70% من مشاكل المواطنين والصناعيين والتجار وعموم السوريين!
بالمقابل، فقد كشف الوزير أن: «الفواتير المدفوعة لا تشكل سوى جزء بسيط من تكاليف التشغيل، وليس الإنتاج، ولا بد من إعادة تصحيح التعرفة، وهذا قيد الدراسة حالياً، مشيراً إلى أن الدولة قادرة على تحمل الدعم للشريحة الأولى حتى 600 كيلو، وما بعد ذلك يجب أن تذهب نحو تعرفة تتناسب مع شرائح الاستهلاك الأعلى، بما يخفف جزءاً من العجز، مع بقاء التسعيرة اجتماعية أولاً، وتتناسب مع دخل المواطن».
حديث الوزير أعلاه عن الدراسة الخاصة بتصحيح التعرفة ركز على الاستهلاك المنزلي، ما يعني أن السيناريو الرسمي سيستكمل حلقاته بصدور قرارات جديدة خاصة بتعرفة الاستهلاك المنزلي في الفترة القريبة القادمة، بغض النظر عن توفر الطاقة الكهربائية طبعاً!
فحق المواطن بـ24 ساعة كهرباء منتهك تماماً منذ زمن طويل، ولم ولن يختلف الأمر بذلك، على الرغم من زيادة التعرفة بين الحين والآخر، خاصة وأن الحديث الرسمي عن لسان وزير الكهرباء يقول: إن «هناك إمكانية لتوليد ما بين 5 آلاف و5500 ميغا، كافية لتحسين الواقع الكهربائي بشكل كبير، لكن المشكلة في حوامل الطاقة، وغير قادرين اليوم على تأمين حتى 50% من ساعات التغذية»!
على ذلك، فإن الحديث عن حل مشكلة الكهرباء خلبيٌّ، فذرائع توفر المشتقات النفطية وتوريداتها مستمرة، وذرائع التكلفة ومدى تحمل الدولة للدعم أصبحت ممجوجة، والنتيجة هي استكمال مسيرة إنهاء الدعم، مع عدم ضمان توفر الطاقة الكهربائية!
أما الملفت، فهو الحديث عن «الفواتير المدفوعة» ارتباطاً بتكاليف التشغيل وليس الإنتاج، والتي «لا تشكل سوى جزء بسيط منها» بحسب تصريح الوزير!
حيث لم يبين الوزير في حديثه حجم وقيمة ونسبة الاستجرار غير المدفوع، أو حجم وقيمة ونسبة الفاقد الفني، علماً أن هذه وتلك لا شك محسوبة ضمن حسابات تكاليف التشغيل والإنتاج، وكذلك طبعاً تم تغييب الحديث عن هوامش النهب والفساد التي ترفع التكاليف أيضاً!
أما الأكثر شذوذاً في حديث الوزير، فقد كان عن الأمبيرات، حيث قال: إن «بيع الأمبيرات بشكلها الحالي اليوم ممنوع في قانون الكهرباء 32، لكن الوزارة تغض النظر عنه، وبيع الأمبيرات عبر الطاقات المتجددة مسموح به، والإيجابية الوحيدة للوزارة في موضوع الأمبيرات هو تعريف المواطن بسعر الكيلو واط الساعي الفعلي».
حديث الوزير أعلاه لا يعني غض النظر عن الأمبيرات فقط، بل مع منح المشروعية لمستثمريها في فرض أسعارهم الاستغلالية على المواطنين، حيث اعتبر الوزير أن سعر الكيلو واط الذي يتقاضاه مستثمرو الأمبيرات هو سعر فعلي، علماً أنه شاذ ومشوه ونهبوي، استناداً لنمط الاستغلال الجائر تحت ضغط الضرورة والاحتياج، والسبب الرئيسي بذلك، هو تكريس التقنين الكهربائي المجحف، ولا نعلم كيف يمكن اعتبار ذلك إيجابي من وجهة النظر الرسمية!
اعتراف بتنفيذ وصفات البنك الدولي السيئة!
خلال حديث إعلامي لوزير الكهرباء قال: «في عام 2006 كان هناك مكتب دراسات تابع للبنك الدولي يدرس الوضع الاقتصادي في البلاد، قال حينها: إن استمرار الدعم الحكومي للكهرباء بشكله آنذاك سيصيب قطاع الكهرباء بالشلل في عام 2015 بدون حرب، فيما أدت الحرب لاستهداف البنية التحتية للدولة السورية»!
الإشارة أعلاه عن لسان وزير الكهرباء، عن دور البنك الدولي بما يخص الدعم الحكومي للكهرباء يوضح جانبين:
الأول: هو الدور التدخلي للبنك الدولي بوصفاته سيئة الصيت!
الثاني: هو الدور الحكومي الذي تبنى تنفيذ هذه الوصفات تباعاً!
والأكثر من ذلك، يظهر من حديث الوزير أعلاه أنه نوع من الندم للتأخر بتنفيذ هذه الوصفات حتى الآن من قبل الحكومة، ولعل ذلك ما يبرر تسارع الإجراءات الحكومية على مستوى إنهاء كل أشكال الدعم!
فسياسات تخفيض الدعم المجحفة وصولاً لإنهائه، مع غيرها من السياسات الظالمة الشبيهة (تخفيض الإنفاق العام- تجميد الأجور وتقليصها- الخصخصة المباشرة وغير المباشرة...) تعتبر جزءاً من وصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي سيئة الصيت، والتي تم تبنيها والبدء بتنفيذها تباعاً بكل رحابة صدر من قبل الحكومات المتعاقبة، اعتباراً من مطلع الألفية الحالية، لتستكمل دورها مع بقية السياسات الليبرالية بنموذجها المشوّه المتوحش، والتي تم تبنيها تحت عنوان اقتصاد السوق الاجتماعي في حينه، والتي كانت أحد أهم أسباب انفجار الأزمة في عام 2011، وما زالت هذه السياسات مستمرة بتفاصيلها ووصفاتها حتى تاريخه، ودون توقف، بالرغم من كل كوارثها الملموسة، وخاصة على المستوى الاقتصادي الاجتماعي!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1158