سوق العقارات... مزيد من التوجهات الرسمية لمركزة النهب والاستغلال!

سوق العقارات... مزيد من التوجهات الرسمية لمركزة النهب والاستغلال!

تشوب سوقَ العقارات الكثيرُ من أوجه التشوُّه وأشكال الاستغلال، كانعكاسٍ لجملة التشوّهات في بنية الاقتصاد السوري بسبب الأزمة الاقتصادية الشاملة، وكنتيجةٍ حتمية لجملة السياسات المتعبة، الظّالمة والمشوَّهة!

فمع كلّ قرارٍ أو توجُّهٍ حكوميّ جديد خاصّ بسوق العقارات تزداد التشوهات فيه، وترتفع وتيرة الظّلم والمعاناة التي يدفع ضريبتها المواطن!
وآخر ما حُرِّر بشأن سوق العقارات أنّ الحكومة ناقشت خلال جلستها بتاريخ 16/1/2024 «مذكّرة وزارة الأشغال العامة والإسكان حول تنظيم مهنة الوساطة العقارية وإحداث شركات وساطة عقارية وإنشاء منصة الكترونية نحو مزيدٍ من تنظيم هذا القطاع وزيادة كفاءته»!
فهل أزمة السكن والإسكان المزمنة سببها عدم تنظيم مهنة الوساطة العقارية؟ أم أنّ هذا التوجه الجديد سيحمل المزيد من الصعوبات والتشوهات، التي ستنعكس سلباً على سوق العقارات، ولمصلحة بعض كبار أصحاب الأرباح؟!

تذكيرٌ لا بدّ منه!

أبدعت الحكومةُ خلال السنوات الماضية في خلق المزيد من الصّعوبات أمام المواطنين بما يخصّ العقارات وسوقها، بيعاً وشراءً وإيجاراً واستئجاراً!
اعتباراً من ضريبة البيوع العقارية بنسبتها المرتفعة وفقاً للقيم التخمينية التي تحدّدها الدوائر المالية، سواء لعمليات البيع والشراء أو لعقود الإيجار، مع ما تحمله هذه القيم من تشوّهات، مروراً بفرض وضع 50% من قيمة العقار في المصارف والبنوك لاستكمال عملية البيع من خلال الإشعار المصرفي كوثيقةٍ لهذا الاستكمال، وليس انتهاءً بسقف السحب اليومي من المصارف، أيْ انتظار فترات زمنية طويلة كي يتمكّن المواطن من سحب كامل رصيده، والذي يعني خسارةً محقَّقة من حساب المواطنين ارتباطاً بواقع استمرار تراجع القيمة الشرائية للّيرة وزيادة عوامل التضخّم، والتي تُضاف إليها هوامشُ الانتظار الزّمني الخاصّ بالموافقات الأمنية لكلٍّ من البائع والشاري والمؤجِّر والمستأجِر!
هذا على المستوى الإجرائي الخاص بالمعاملات الخاصة بسوق العقارات فقط، والتي تُضاف إليها العوامل المؤثّرة على القيم والأسعار السوقية، للبيع والشراء وللإيجار، والمرتبطة بتكاليف الإنشاءات العقارية المستمرة بالارتفاع (الإسمنت والحديد والرمل والبحص والإكساء وأجور اليد العاملة وغيرها) مع ما تحمله هذه التكاليف والأسعار من تشوّهات كبيرة، والتي تضاف إليها عوامل الاستغلال في السوق!
جملة ما سبق من أسباب، والتي تضاف إليها الكثير من الأسباب الأخرى ارتباطاً بالواقع الاقتصادي العام المتردّي، كرّستْ تشوّهاً بنيوياً في سوق العقارات!
فالعرض الكبير والمتزايد في سوق العقارات، مع استمرار الارتفاعات السعرية فيه، مقابل الطّلب القليل والمتراجع، هي من أشكال التشوّه المزمن في سوق العقارات، والسبب الرئيسي في ذلك هو تراجع إمكانات المواطنين واستنزافها، بالإضافة للكثير من الأسباب الأخرى!
فزيادة العرض على الطلب ليست بسبب زيادة الإنشاءات العقارية فقط، بل الأهم هو اضطرار المواطنين لبيع عقاراتهم وممتلكاتهم تباعاً، بسبب الواقع الاقتصادي المعيشي السيّئ، سواءٌ من أجل تصفية هذه الممتلكات للهجرة والهرب خارج البلاد كنتيجةٍ لسياسات التطفيش والتجريف المتّبعة، أو من أجل تغطية مصاريف التكاليف المعيشية، أو لسدّ ضرورةٍ مَرضيّة!

بين الدلالة والسمسرة والاستثمار!

المتحكّمون بسوق العقارات عملياً هم كبار أصحاب الأرباح (مقاولين ومتعهّدين وسماسرة). والقائمون على تنفيذ عمليات البيع والشراء في هذه السوق، «الوسطاء العقاريون»، تحوّلوا خلال السنوات السابقة من مهنة «الدلالة» المتعارف عليها كوسطاء حياديّين بين البائع والشاري لقاءَ عمولة، إلى سماسرة استغلاليّين، خارج حدود الحياد المفترض، للبائع والشاري على السواء، ثمّ تحوّل بعضهم إلى مستثمرين مباشرين بهذه السوق، يشترون من البائع من حسابهم بأسعار متدنّية استغلالية، ثم يبيعون المشتري بأسعارٍ مرتفعة لحسابهم!
والتوجّه بتنظيم هذه المهنة «الوساطة العقارية» من خلال إحداث «شركات وساطة عقارية» يعني فيما يعنيه مَركَزة وتحكم أكبر بهذه السوق لمصلحة بعض كبار الحيتان من أصحاب الأرباح الذين سيُرخَّص العملُ لشركاتهم، ولا ندري إنْ كان ذلك سينهي دور الدلالة والسمسرة والاستثمار في سوق العقارات، أم سيزيدها استغلالاً ونهباً!
أما عن إنشاء منصة إلكترونية لهذا الشأن فقد سبق أنْ انتشرت الكثير من الصفحات والمواقع العامة عبر شبكة الإنترنت المتخصّصة بالشأن العقاري بكلّ منطقة (بيعاً وشراءً وإيجاراً)، ولا ندري ما هي الإضافة المتوخّاة رسمياً بهذا الشأن؟!
فالنتيجة المتوقَّعة من التوجّه الرسمي الجديد لن تكون إلّا لمصلحة كبار الحيتان من أصحاب الأرباح المرخَّص لهم باسم شركات الوساطة العقارية، ليزيد تحكّمهم وسيطرتهم على سوق العقارات لا غير، مع شرعنة ذلك رسمياً!

دور رسمي شكلي يكرّس عوامل النهب والاستغلال!

تخلّت الدولة منذ عقود عن جزءٍ مهمّ من مهامها بما يخصّ سياسات السكن والإسكان، متراجعةً على هذا المستوى لتُخلي الساحة للمتعهّدين والمقاولين والسماسرة، فاسحةً المجال لزيادة المخالفات والعشوائيات، ولزيادة معدّلات النهب والاستغلال في سوق العقارات، وما زاد الطين بلّة في هذا المجال هو واقع المخططات التنظيمية وتغوّل أصحاب الأرباح والسماسرة والناهبين على حساب غياب هذه المخططات أو التأخر فيها، ناهيك عن التدخل بعمقها في بعض الأحيان، ويضاف إلى ذلك واقع التضييق على الجمعيات السكنية، مع عدم إغفال ما عليها من ملاحظات كثيرة طبعاً!
أمّا عن دور المؤسسة العامة للإسكان، كجهة حكومية مسؤولة عن جزء من مهام الدولة بما يخص سياسات السكن والإسكان، فهو محدود على مستوى المشاريع السكنية التي تُقِيمها، ويسجَّل عليها التأخّر في تنفيذ هذه المشاريع لعشرات السنين، مع تحميل المكتتبين لديها الفروقات السعرية بين الحين والآخر ظلماً، ليصبح دورها شكليّاً ومحدوداً ومشوهاً جداً، ولتتحوَّل بالنتيجة الى جهة حكومية تبحث عن الربح من جيوب مكتتبيها وعلى حساب آمالهم بالحصول على «بيت العمر»، وصولاً لاضطرار البعض للتخلّي عن هذا البيت «الحلم» قبل استلامه الموعود، وبيعه للسماسرة المستفيدين من تقاعس المؤسسة عملياً واستغلالاً لظروف هؤلاء المضطرّين!
كذلك أبدعت الحكومة بالترخيص لشركات التطوير العقاري لتكريس تغييب دور الدولة بهذا الشأن، ولفسح المجال أمام كبار حيتان الأرباح ليستفيدوا من الميزات الممنوحة لهم باسم التطوير العقاري، خاصة بعد تشميلهم بقانون الاستثمار، ومع ذلك لم نلمس أيّ دورٍ فعلي للشركات المرخّصة باسم التطوير العقاري على مستوى مشكلة السكن والإسكان ولو جزئياً، فالمشاريع التي تعمل بها بعض هذه الشركات، على محدوديتها، هي مشاريع سكنية باهظة وترفيّة مخصَّصة للنخبة من الأثرياء فقط لا غير!
وبعد كل ما سبق من تشوّه وعوامل استغلال ونهبٍ ممَركزة في سوق العقارات ولمصلحة كبار أصحاب الأرباح فيها، يأتي التوجُّه أعلاه باسم شركات الوساطة العقارية ليزيد من هذه المركزة لمصلحة كبار أصحاب الأرباح، وليرفع بدوره من عوامل الاستغلال والنهب المشرعَن، أيْ المزيد من التشوّه في هذه السوق والذي يدفع ضريبته المواطن بالمحصلة

معلومات إضافية

العدد رقم:
1158