تخبط وارتجال المركزي الشكلي يُجيّر لمصلحة كبار الحيتان!
بعد الاعتراضات المقدمة من مصدري الخضار والفواكه على تعليمات المصرف المركزي بشأن الصادرات، وانعكاساتها السلبية على عمليات التصدير الخاصة بالخضار والفواكه، والخسائر التي تكبدوها بسبب هذه التعليمات، نشر مصرف سورية المركزي يوم الأربعاء 17 كانون الثاني 2024 تعميمياً جديداً بهذا الشأن!
وقد ورد في التعليمات الجديدة ما يلي: «حرصاً على تحقيق أقصى درجات المرونة في تطبيق القرارات الصادرة عن مصرف سورية المركزي، أصدر تعديلات لمجموعة من الإجراءات المتعلقة بتطبيق القرارين 20 و21 لعام 2024، بتمديد المدة المحددة لإخراج الصادرات الزراعية بموجب تعهد تصدير واحد، وتمديد المدة المحددة لتقديم نسخة تعهد التصدير إلى المصرف بعد خروج البضاعة. كما أعفى المصرف المصدرين لدى تقديم الوثائق المتعلقة بإثبات الملاءة من إرفاق ميزانية ختامية لنتائج أعمال العام السابق”.
لن نقلل من أهمية التعليمات الجديدة المتخذة تصويباً للقرارات السابقة الخاطئة، بل سنلفت النظر لمدى التخبط والارتجال بقرارات المركزي الذي عودنا إصداره لتعاميم وتعليمات متلاحقة، بعضها متناقض، وبعضها تصحيح لقرارات سابقة، أما بعضها الآخر فتوضيحي!
والسؤال هنا: هل بات التخبط والارتجال نهجاً رسمياً معتمداً ومستمراً من قبل المركزي؟
وهل تكلفة ارتجال قرار ما وتطبيقه، ومن ثم معالجة النتائج الكارثية له من خلال الإسراع بإصدار تعديل له، أقل من تكلفة دراسته المستفيضة الكافية والوافية درءاً لأي خلل فيها؟؟
وهل هناك مستفيد خلف هذا النمط السائد من التخبط والارتجال الشكلي؟!
ملابسات وتداعيات سلبية!
حسب ما نقلته صحيفة الوطن يوم الخميس 18/1/2024 عن رئيس لجنة تصدير الحمضيات بسام علي عن حال المصدرين، والذي وصفه «بالسيئ وإلى الهاوية» في حال استمر العمل بالقرار رقم 20 الصادر عن مصرف سورية المركزي لعام 2024 والمتضمن تنظيم تعهدات القطع الأجنبي الناجم عن التصدير. موضحاً أنه من تاريخ 5/1/2024 حتى اليوم لم نصدر براداً، وكل عمليات التصدير متوقفة- بشكل كامل، وليس جزئياً- من الحمضيات والخضار والفواكه، وبين أن إعطاء مدة 5 أيام للمصدرين مدة غير كافية!
التصريح أعلاه يدفعنا للتساؤل، وليس التشكيك: هل الجهات المعنية على دراية بهول ما يحدث لبرادات الفواكه والخضار المعدة سلفاً للتصدير، خاصة وأنها سريعة التلف؟
وما الفائدة من دعم المُصدِّر والتصدير عموماً، ومن جهة أخرى وضع العراقيل أمامه؟؟
ومن سيتحمل كل هذه التكاليف والخسائر الناجمة عن قرار ارتجالي آخر بحال الاستمرار بنفس النهج المتسرع في إصدار القرارات دون استكمال دراستها على مستوى النتائج؟؟
فالمتضررون من القرار المتسرع دون دراسة وافية لم تقف حدودهم عند المصدرين فقط، بل انعكست على الفلاحين أيضاً، الذين دفعوا ضريبة على مستوى تخفيض أسعار منتجاتهم ضغطاً واستغلالاً من قبل المصدرين والتجار، والتي وصلت إلى الخسارة لدى بعضهم!
مع العلم أن عوامل الاستغلال للفلاحين والمنتجين على مستوى تخفيض أسعار منتجاتهم لا تنعكس على السوق المحلي، حيث تسجل الأسعار في السوق المزيد من الارتفاعات ليحصد البعض من كبار الحيتان أرباحها!
تعديل للقرار أم قرار جديد!
في تصريح لوزير الزراعة محمد حسان قطنا يوم الخميس 18/1/2024 لصحيفة الوطن، تعقيباً على قرار المركزي بيّن أن: «القرار يحمل آلية جديدة لتصدير المنتج الزراعي، وينظم العلاقة مع المصرف المركزي، ويمثل اهتمام الحكومة بالقطاع بهدف دعم هذا القطاع وتشجيع الصادرات، ويساعد في إعادة الصادرات الزراعية إلى مسارها بعد أن تراجعت خلال الفترة الماضية بما يفيد مصدري المنتجات الزراعية، مشيراً إلى أنه ستظهر مفاعيل القرار خلال الأيام المقبلة”.!
حديث الوزير أعلاه، يمكن اعتباره ترويجي وتسويقي لتغطية الخلل في قرار المركزي السابق، ولتبدو النتيجة بتفاصيل مضمون التعديل وكأنه بمثابة قرار جديد تماماً بحيثياته الخاصة بتصدير المنتجات الزراعية!
ولعله من المفيد التنويه إلى أن التعديل تم بعد صدور القرار بيومين، مما يدفعنا للتساؤل مجدداً: هل لدى المركزي القدرة والمرونة لتعديل قراراته بعد يومين من إصدارها، وليس لديه القدرة لدراستها الكافية بآثارها ونتائجها قبل البدء بوضعها في التنفيذ، ومن سيتحمل النتائج؟
تخبط ولهو ليس بجديد!
يصدر مصرف سورية المركزي قرارات وتعاميم متتالية، فبين القرار والتعميم والآخر أيام قليلة في بعض الأحيان، وكل ذلك ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي والمعاشي في البلاد!
ولعل خير مثال، هو المنصة التي ابتكرها وابتدعها المركزي لتمويل المستوردات، والتعديلات التي جرت على آليات عملها، مع استمرار اعتراض الفعاليات الاقتصادية عليها، إضافة لنشراته السعرية المتعاقبة لليرة مقابل الدولار، والتي ينتقل فيها من عتبة سعرية إلى أخرى أعلى، تبعاً لعتبات السوق الموازي، وليس قيادة لها، مع كل الآثار السلبية الناجمة عن ذلك، على المستوى الاقتصادي والمعيشي والخدمي، ولا يغيب عن أذهاننا تعليماته الخاصة بالمبالغ المسموح بنقلها بين المحافظات برفقة مسافر، والتعديلات التي طرأت على سقوفها، مع استمرار تداعياتها ونتائجها السلبية التي يتم دفع ضريبتها أيضاً على المستوى الاقتصادي العام، وغيرها الكثير من القرارات الشبيهة!
والسؤال المطروح: لصالح من يتم تجيير هذا التخبط واللهو بالنتيجة؟
مصالح كبار الحيتان فقط لا غير!
اختصاراً نقول: إنه بات من الواضح أن قرارات المركزي وتعليماته وتعاميمه المتلاحقة، كجزء من السياسات المالية والنقدية المطبقة استكمالاً لمجل السياسات الاقتصادية المعتمدة رسمياً، لا يمكن تبويبها إلّا ضمن خانة ما تضمنه تلك السياسات من مصالح البعض من كبار أصحاب الأرباح فقط لا غير، على حساب المنتجين والمستهلكين والاقتصاد الوطني!
فحيتان المال من كبار المستوردين والمضاربين بالعملة، والمصدرين وأشباههم هم من يحصد المزايا والأرباح الكبيرة والطائلة من جملة السياسات المتبعة، بتفاصيلها الكلية والجزئية، بما في ذلك ما يصدر عن المركزي من قرارات وتعاميم وتعليمات تظهر وكأنها متخبطة أو مرتجلة!
ولمزيد من الاختصار نعيد ونكرر القول: إنه بحال الاستمرار بهذا النهج التدميري والسياسات المنحازة، فإن الوضع سيزداد سوءاً على المستوى الاقتصادي الاجتماعي، وعلى مستوى الإنتاج والعملية الإنتاجية، وعلى مستوى الاقتصاد الوطني ككل، ولا يمكن لكل ذلك أن يتغير إلا بتغيير هذه السياسات جملة وتفصيلاً!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1158