بعد دفن القطن.. خطوة رسمية نحو دفن مؤسسة حلج وتسويق الأقطان!

بعد دفن القطن.. خطوة رسمية نحو دفن مؤسسة حلج وتسويق الأقطان!

ناقشت الحكومة خلال جلستها بتاريخ 12/12/2023 مشروع الصك التشريعي الخاص بإحداث الشركة العامة للصناعات النسيجية، من خلال دمج المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، والمؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان!

الصك المعد الذي تم النقاش فيه هو حلقة جديدة في سلسلة تقويض الإنتاج الصناعي تحت عناوين الهيكلة والدمج للمؤسسات ذات الاختصاص المتشابه، وهذه المرة المستهدف من هذه الحلقة، هي المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان كخطوة أولى، ثم المؤسسة المحدثة بعد ذلك كخطوة نهائية من دون أدنى شك!
أما العنوان العريض كذريعة لتنفيذ ذلك فهو بحسب الحكومة: «بهدف المساهمة في تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية، ورفع كفاءة الجودة والنوعية وتوطينها وخلق فرص نمو جديدة، وإعادة هندسة الأنشطة الصناعية، وتعزيز مكانة الشركة في السوق وتحقيق المنافسة»!

مؤسسة حلج وتسويق الأقطان المستهدفة!

تعتبر المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان من المؤسسات العريقة على مستوى سورية، وتمارس مهامها المتمثلة في استلام الأقطان المحبوبة من المزارعين، والعمل على تخزينها وحلجها وتأمين حاجة سورية من الأقطان المحلوجة للقطاعين العام والخاص، والبذور الزراعية للمؤسسة العامة لإكثار البذار لتأمينها كجزء من مستلزمات الإنتاج للمواسم التالية!
وعلى مدار السنوات الطوال من تاريخ إحداث هذه المؤسسة كانت تقوم بتنفيذ مهامها المنصوص عليها بنجاح، بالرغم من الصعوبات والعقبات، إلى أن بدأ محصول القطن بالتراجع، وتحديداً مع بدء سني الأزمة!
ففي عام 2011 كان إنتاج محصول القطن 671 ألف طن، ثم تراجع في عام 2012 إلى كمية 592 ألف طن، وفي عام 2013 وصل التراجع إلى حدود 30 ألف طن دفعة واحدة، ثم استمر التدهور إلى حدود 20 ألف طن فقط لا غير، خلال العام الحالي!
فما تم تسجيله من تراجع بالنسبة لمحصول القطن ليس بسبب الحرب والأزمة فقط، مع عدم التقليل من هذا السبب طبعاً، بل السبب الرئيسي هو إنهاء الدعم على هذا المحصول تباعاً وعاماً بعد آخر، بشكل رسمي، كحال بقية المحاصيل الزراعية، بما في ذلك الاستراتيجية، وخاصة ما يتعلق بالأسمدة والأدوية والمبيدات والمشتقات النفطية، والتي تُركت بيد بعض حيتان السوق، بما في ذلك السوق السوداء، بعد التخلي الرسمي عنها وتحرير أسعارها، وعلى الطرف الآخر، السبب المرتبط بالتسعير الرسمي للمحاصيل الزراعية، والذي يضع المزارع أمام خسارة محتمة موسماً بعد آخر، وصولاً للعزوف عن زراعة المحاصيل الزراعية الاستراتيجية (قطن- قمح- شوندر)!
وللتذكير، فقد احتلت سورية في عام 2010 المرتبة الثانية عالمياً بعد الهند في إنتاج ألياف القطن العضوي لموسم 2009-2010، كما احتلت المرتبة الثانية عالمياً بعد أستراليا، من حيث مردود وحدة المساحة، بمعدل أربعة أطنان للهكتار منذ العام 2001، ودخلت مصاف الدول المتقدمة في جودة أقطانها وإنتاج القطن الملون، خصوصاً، البني والأخضر، وتفوقت في مجال المكافحة الحيوية الآمنة بيئياً والإنتاج النظيف!
فكيف لهذه المؤسسة العريقة أن تقوم بمهامها وواجباتها بظل استمرار تراجع محصول القطن!؟
وكيف للصناعات النسيجية (عام أو خاص) أن تستمر بظل ارتفاع تكاليف إنتاجها، وخاصة المستلزمات المستوردة التي أصبح القطن جزءاً منها بكل أسف؟!

المكتوب وعنوانه والسرعة المطلوبة!

من الواضح، من تسمية المؤسسة المزمعة، أن دورها ومهامها ستقتصر لاحقاً على الصناعات النسيجية، هذا بحال بقيت صناعات نسيجية، بظل استمرار النهج الحكومي، وسياسات تقويض الإنتاج المعممة والمستمرة!
فبعد أن سجل محصول القطن تراجعاً مطرداً خلال السنوات الماضية، وصولاً إلى كميات إنتاج هزيلة، بالكاد يعمل بها محلج واحد بطاقته الإنتاجية ولمدة محدودة، وبما لا يغطي إلا احتياجات الجهات العامة من القطن المحلوج، بعد تراجع معدلات إنتاجها طبعاً، وبعد فسح المجال أمام القطاع الخاص ليستورد مستلزماته التشغيلية من القطن، فقد تم استنفاذ مهام مؤسسة حلج وتسويق الأقطان، ولم يبق إلا الإعلان عن إنهائها ودفنها بهذا الشكل الإخراجي الرسمي، من خلال دمجها مع المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، تحت مسمى الشركة العامة للصناعات النسيجية!
ومن أجل سرعة إنجاز المهمة المطلوبة، وعلى غير العادة، فقد كلف المجلس الجهاز المركزي للرقابة المالية ووزارة الصناعة بإنجاز الميزانيات الختامية للمؤسستين خلال ثلاثة أشهر!

لو بدها تشتي كانت غيّمت!

عناوين تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية ورفع كفاءة الجودة والنوعية وتوطينها وخلق فرص نمو جديدة، ليست إلا ذراً للرماد في العيون، تماماً كغيرها من العبارات التي يتم تداولها مع كل خطوة تدميرية تحت عناوين إعادة الهيكلة، وخاصة بالنسبة للقطاعات الإنتاجية!
مع العلم أن مفردة «توطين» بسياق الحديث عن الصناعات النسيجية في غير محلها، فهذه الصناعة موطنة وعريقة وذات سمعة ممتازة، وعمرها الزمني ليس عقوداً من الزمن، بل قروناً!
لكن شركات الصناعات النسيجية العامة، بما في ذلك المحالج، أصبحت بحال يرثى لها الآن!
فبعضها ما زال مدمراً جزءاً أو كلاً، والعامل منها بالكاد مستمر بالعملية الإنتاجية بسبب كثر الصعوبات والمعيقات التي تواجهها، والأهم، أن كلف الإنتاج مستمرة بالارتفاع، أما الأكثر كارثية، فهو فقدان هذه الشركات للكثير من كفاءاتها وخبراتها العاملة، بسبب سياسات الأجور المجحفة، وبسبب السن، ناهيك عن قدم آلاتها واستنفاذ عمرها الاقتصادي الافتراضي، منذ زمن بسبب عدم تجديدها!
فعن أي كفاءة ومواصفة وجودة وزيادة إنتاجية ومنافسة يجري الحديث الرسمي الحكومي؟!
فلو كانت هناك النية الجادة والقرار لما وصلت هذه الشركات لما هي عليه حالها الآن، والأهم، لو كانت هناك النية الجادة والقرار لما تمت التضحية بمحصول القطن عاماً بعد آخر بهذا الشكل التراجيدي، وهو المدخل الرئيسي في الصناعات النسيجية المحلية، عام وخاص!
فقد بات من الواضح، أن النوايا المبيتة والمعمول بها تباعاً، هي إنهاء كل ما هو منتج في البلاد (عام أو خاص- زراعي أو صناعي) تنفيذاً للسياسات التدميرية المتبعة، وبما يحقق مصالح بعض حيتان الاستيراد والنافذين والفاسدين فقط لا غير، وهو ما يجري عملياً، تارة بعناوين إعادة الهيكلة، وأخرى بعناوين العقوبات والحصار، ومرات بذريعة تذبذب سعر الصرف، وجميعها طرق توصل إلى نفس الهاوية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1153