مأكولات الفقراء... لم تعد لهم!

مأكولات الفقراء... لم تعد لهم!

دخلت المأكولات الشعبية ماراثون الأسعار كغيرها من السلع الغذائية، وأخذت تحلق عالياً بعيداً عن متناول أصحاب الدخل المحدود والمفقرين!

فلم تعد الأطعمة التي دائماً ما وصفت بأنها شعبية تحمل هذه الصفة بعد الأسعار المجنونة التي وصلت إليها بالمقارنة مع القدرة الشرائية للغالبية المفقرة!
فمع استمرار ارتفاع الأسعار بهذا الرتم الخيالي، وشرعنة الحكومة لهذا الارتفاع عبر إصدار نشرات سعرية كل حين، وفي ظل استمرار الأجور على حالها من قلة الحيلة، فإن المأكولات الشعبية لم تعد متاحة للطبقات المفقرة، مما شكل تحدياً حقيقياً للفقراء وذوي الدخل المحدود، وتهديداً كبيراً للطبقة المعدمة التي باتت عاجزة عن تأمين احتياجاتها الغذائية اليومية!

نحو ارتفاع سعري رسمي جديد سبقته الأسواق بأشواط!

أكد كمال النابلسي، رئيس الجمعية الحرفية للمطاعم والمقاهي والمتنزهات في دمشق، أثناء حديثه لبعض وسائل الإعلام، أن الجمعية قامت بإعداد دراسة جديدة لأسعار المأكولات في المطاعم الشعبية وفق ما هو رائج لهذه المأكولات. وذكر أن الجمعية تعمل على إقرار زيادة الأسعار من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ثم سيتم تحويلها إلى محافظة دمشق لصدور القرار النهائي، مبررا قرار الرفع هذا بارتفاع مستلزمات الإنتاج بنسبة 40- 50%، حيث بلغ سعر كيلو الحمص الحب في الأسواق 25 ألف ليرة، وكيلو الفول 20 ألف ليرة سورية. لافتاً إلى أن الحرفيين يشترون المازوت والغاز الصناعي بسعر مرتفع من السوق السوداء، مشيراً أن الأسعار ارتفعت منذ بداية العام مرتين بنسبة 35%!
وبموجب الدراسة، سيتم رفع سعر كيلو المسبحة من 24 ألف إلى 28-30 ألف، والفول السادة المسلوق من 11 إلى 14 ألف، والحمص المسلوق من 11 إلى 14 ألف، أما قرص الفلافل فكان اقتراح رفعه من 250 ليرة إلى 500 ليرة، وسندويشة الفلافل من 5500 إلى 7000 ليرة!
حديث رئيس الجمعية أعلاه يؤكد بداية أن الرفع المزمع على أسعار المأكولات الشعبية سيكون الثالث الرسمي لهذا العام!
أما عن الأسعار المعلنة بعد الرفع فإن الواقع يقول إن السوق سبق أن تجاوزها قبل صدور النشرة السعرية، ما يعني أن النشرة المقبلة والتمهيد الحالي لها الآن ما هو إلا شرعنة للأسعار الحالية في السوق، ومن المتوقع إثر صدور النشرة السعرية الجديدة، أن الأسعار ستستعر مجدداً، لتصل إلى عتبة سعرية جديدة يتم المطالبة لشرعنتها رسمياً، وهكذا.. كحلقات في مسلسل مستمر وغير منتهٍ وبلا سقوف!

باي باي فلافل!

لم تنجُ أقراص الفلافل الشعبية من ارتفاع الأسعار، فقرص الفلافل الذي كان بـ3 ليرات في عام 2011، وكان يقدم كضيافة مجانية لسنوات قريبة، وصل سعره الآن إلى ما يتجاوز 400 ليرة، ومما لا شك فيه أن سندويشة الفلافل لم تعد زاداً للموظف ولا فطوراً للطالب ولا غداء للعامل!
فالأمر اختلف مؤخراً بعد ارتفاع سعرها غير المسبوق، حيث باتت سندويشة الفلافل، التي كانت ملاذ الفقير ومحدود الدخل، بحاجة إلى ميزانية خاصة، فقد تجاوز سعرها الـ5500 ليرة وصولاً إلى 7000 ليرة، ليس هذا فقط بل لم تعد مشبعة كسابق عهدها!
أي إن الأسرة المكونة من 5 أشخاص يلزمها ما يزيد عن مليون ليرة شهرياً في حال اكتفت فقط بسندويشة فلافل واحدة يومياً كوجبة غذاء غير مشبعة لأفرادها!

واقع سوداوي تحاربنا فيه الحكومة بلقمة عيشنا!

تساؤلات كثيرة تتبادر للأذهان دون إجابات مع كل متغير سعري، رسمي وغير رسمي، على السلع في الأسواق، وخاصة الغذائية!
فنحن أمام واقع سوداوي يُفرض علينا كسوريين، لنجد أنفسنا نحارب من كبار التجار والمتحكمين بالسلع والأسواق بلقمة عيشنا، وبرعاية رسمية من الحكومة تشرعن هذه الحرب مع الشراكة فيها!
فمن المسؤول عن الارتفاعات المتلاحقة في أسعار المستلزمات، أليست القرارات الحكومية نفسها كمهماز لكل الارتفاعات السعرية؟
وأين دور وزارة التموين في ضبط المخالفات والتلاعبات بالأسعار في السوق؟
فواقع الحال يقول إن أسعار المأكولات الشعبية طالتها زيادة سعرية منذ بداية العام وحتى الآن بنسبة 100% تقريباً، وليس كما صرح به رئيس الجمعية أعلاه!
فماذا بقي للأسرة السورية لكي تستر به نفسها أمام واقع الحال المعدم هذا، وهذه الحرب المعلنة صراحة تجاهها؟
فالقرارات الحكومية، كما اعتدنا عليها، هي باب شرعنة لا أكثر ولا أقل، أما مصلحة المواطن السوري فقد باتت عبارة جوفاء على ألسنة الرسميين الذين يعملون من أجل مصالح كبار الحيتان فقط لا غير!

منشار الحكومة وكبار التجار يقطع بالاتجاهين!

بحسب بعض أصحاب محال المأكولات الشعبية فإن معاناتهم لا تقل عن معاناة زبائنهم من المفقرين، فهؤلاء موجودون ومنتشرون غالباً في مناطق السكن الشعبي وأحيائه، وهم جزء من النسيج الاجتماعي لهذه الأحياء، ويحاولون دائماً تلبية احتياجات أبنائه مع الحفاظ على لقمة عيشهم، لكنهم يصطدمون معظم الوقت بأسعار المواد الأولية، ويتعرضون لاستغلال كبار التجار المتحكمين بهذه المواد، الذين يبيعونها بأسعار مرتفعة جداً دون رقيب ولا حسيب، وكذلك الزيت النباتي، وزيت الزيتون الذي يدخل بإعداد وجبات الفول والمسبحة والفتة، والذي ارتفع بدوره إلى مليون و500 ألف ليرة للتنكة، إضافة إلى صعوبة تأمين الوقود والكهرباء!
فزيادة ساعات التقنين أضافت أعباء إضافية على المحال والمطاعم التي باتت مجبرة على تشغيل المولدات أو الاشتراك بالأمبيرات، إضافة إلى قلة المخصصات التي تحصل عليها هذه المحال من الغاز الصناعي، كل هذا دفع أصحاب المحال باتجاه السوق السوداء والمتحكمين فيها!
فمن المسؤول عن ضبط أسعار هذه المستلزمات والمواد الأولية؟ وعلى عاتق من تقع مسؤولية تأمين الغاز والكهرباء بأسعار مقبولة؟
فكبار التجار والحكومة يحسبون تكاليفهم، وبالتالي أسعارهم، وفقاً لمتغيرات سعر صرف الدولار مع هوامش الربح طبعاً، اعتباراً من حبة القمح والحمص والفول مروراً بالزيت والطحينة، وليس انتهاءً بالمازوت والغاز والكهرباء، مع فرض متغيرات الأسعار هذه على الأسواق لتجبى بدورها من جيوب المواطنين عبر بائعي المفرق أو أصحاب محال المأكولات الشعبية، كواجهة قباحة مباشرة مع الناس، مع تحملهم مسؤوليات الارتفاعات السعرية، فيما يغيب كبار الحيتان عن هذه المواجهة وعن المحاسبة عن الزيادات السعرية التي يفرضونها!

عادات فقدناها!

تعتبر أطباق الأطعمة، الغنية والفقيرة، جزءاً من ثقافة تكونت خلال آلاف السنين، وصولاً إلى ما بات يعرف محلياً بالمأكولات الشعبية مع طقوسها، مقابل أطباق الأطعمة التي يتنعم بها المترفون، لكن ومع مرور الوقت وفي ظل الظروف التي فرضتها السياسات الحكومية الظالمة والمنحازة، وخاصة السعرية والأجرية، بدأت هذه المأكولات تفقد صفتها الشعبية!
فلم تعد المطاعم الشعبية تقدم المأكولات التي يستطيع جميع المواطنين استهلاكها، حيث واكبت أسعار مكوناتها صعود الدولار وهبوط الليرة، من حبة البندورة والنعنع الأخضر والحمص والفول، لغيرها من منتوجات الأرض التي بات شراؤها يحتاج ميزانية، مما دفع العديد من الأسر المفقرة للتخلي عن إحدى أهم العادات الشعبية الموروثة كثقافة اجتماعية مرتبطة بالطعام يوم الجمعة وهي وجبة فطور العائلة الجماعي، المتضمن أطباق المسبحة والفول والفلافل والفتة!
هذه العادة، مع طقسها الاجتماعي، التي كانت من ضمن تراث ألفناه لسنوات، وتم توريثها للأبناء والأحفاد، تكاد تختفي اليوم مع طقسها المحبب!
ولعل النسب الكبيرة التي يتم تداولها عن معدلات الفقر والجوع، ومن أصبح تحت عتبة حدود الأمن الغذائي، تؤكد انقراض جزء من ثقافة وعادات الغذاء وطقوسها، مع مساعي مستمرة لدفنها مع حاملها الاجتماعي المتمثل بعموم الشعب المفقر على ما يبدو!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1153