محصول القطن دون حدود الكفاية وبوابة الاستيراد هي البديل طبعاً!

محصول القطن دون حدود الكفاية وبوابة الاستيراد هي البديل طبعاً!

وافق رئيس مجلس الوزراء على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة تأييد مقترح وزارتي المالية والصناعة بمنح المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان قرضاً مالياً قدره /182/ مليار ليرة سورية لتسديد قيمة الأقطان المتوقع استلامها من الفلاحين في المناطق الآمنة لموسم 2023-2024 ودفع أجور نقلها.

فما هي كميات القطن التي تتوقع الحكومة استلامها من الفلاحين؟
وما هي نسبتها من حجم الحاجة لسد كفاية القطاع العام والخاص؟
وما هو مصير قطاع الصناعات النسيجية في ظل زيادة نسبة مدخلات إنتاجه المستوردة؟

الكميات المتوقعة 18 ألف طن فقط لا غير!

تجدر الإشارة إلى أن اللجنة الاقتصادية كانت قد حددت سعر شراء الكيلو غرام الواحد من محصول القطن المحبوب من الفلاحين لموسم 2023 بمبلغ قدره 10 آلاف ليرة سورية واصلاً أرض محالج ومراكز استلام المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان.
إن مبلغ القرض المالي أعلاه والبالغ /182/ مليار ليرة، بالمقارنة مع سعر الكيلو غرام الواحد من محصول القطن المحدد بـ/10/ آلاف ليرة، يعني أن كمية الأقطان التي تتوقع الحكومة استلامها من الفلاحين بأحسن الأحوال تقدر بحدود 18,200 طن فقط لا غير!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن السعر الرسمي المحدد للكيلو غرام غير مجزٍ للفلاح لتغطية تكاليفه، ما يعني أن جزءاً من محصول هذا الموسم لن يتم تسليمه للمؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان، وبالتالي سيكون الفلاح ضحية بين فكي كماشة وعلى حسابه، الحكومة من طرف، والسماسرة والتجار من طرف آخر، وهذا بدوره سيؤدي إلى مزيد من التراجع في زراعة المحصول في الموسم القادم من كل بد، وهو المطلوب على ما يبدو!
الحكومة تسقط من حساباتها مساحة 43780 هكتاراً!
بيّن مدير مكتب القطن المهندس أحمد العلي أن «المساحة الإجمالية المزروعة بالقطن على مستوى القطر لهذا الموسم بلغت 57173 هكتاراً، منها 13393 هكتاراً في المناطق الآمنة في محافظات حلب وإدلب والرقة ودير الزور والحسكة وريف دمشق»، وذلك حسب ما ورد على موقع الحكومة بتاريخ 1/11/2023!
على ذلك فإن الحكومة بموافقتها على القرض أعلاه، والمخصص لاستلام المحصول من المناطق الآمنة، تكون قد أسقطت من حساباتها مسبقاً مساحة 43780 هكتاراً مزروعة بالقطن من إجمالي المساحة المزروعة بهذا المحصول على مستوى القطر مع كميات محصولها!
ولا ندري لماذا كلفت الحكومة نفسها العناء بحساب إجمالي المساحات المزروعة بالمحصول على مستوى القطر طالما لا نية لها باستلامه إلا من المناطق الآمنة!
علماً أن مساحة 13393 هكتاراً مزروعة بالقطن في المناطق الآمنة، بحال الاكتفاء باستلام المحصول منها فقط، بالكاد تنتج 4 آلاف طن من القطن!
وللوصول إلى الكميات المتوقع استلامها بحسب مبلغ القرض أعلاه والبالغة بحدود 18,200 طن يبدو أن الحكومة تراهن على جزء من المحصول في المناطق غير الآمنة، وما يؤكد ذلك هي عبارة «ودفع أجور نقلها» الواردة بنهاية موافقتها أعلاه للتشجيع على ذلك!
فهل سينجح الرهان الحكومي بهذا الإطار، أم إن التجار والسماسرة سيكونون سبّاقين عليها بالاستحواذ على المحصول من المناطق غير الآمنة؟!

المحصول وحدود الكفاية!

سبق أن قال مدير المؤسّسة العامة لحلج وتسويق الأقطان رامي سلوم، في تصريح لصحيفة الوطن في أيلول الماضي، إن «كمية الأقطان المحبوبة المتوقع استلامها لهذا الموسم هي بحدود 20 ألف طن، مشدداً على أن كل الترتيبات جاهزة والمؤسسة مستعدة لاستلام كامل الكميات المحبوبة هذا الموسم. وأضاف أن الكميات قليلة جداً ولا تغطي حاجة المؤسسة العامة للصناعات النسيجية التي تتجاوز حاجتها 20 ألف طن، إضافة إلى القطاع الخاص الذي يحتاج تقريباً إلى أكثر من 17 ألف طن»!
حديث المدير أعلاه يؤكد على أن الكميات المتوقع استلامها من المحصول قليلة جداً، ولا تغطي حاجة المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، كما يبين أن النقص عن الحاجة سيتركز في القطاع الخاص وبواقع 17 ألف طن تقريباً!
وبحسابات النسبة والتناسب وفقاً للأرقام المبينة أعلاه فإن النقص عن الحاجة تقدر نسبته بحدود 100%، مع الأخذ بعين الاعتبار واقع تراجع الإنتاج في قطاع الصناعات النسيجية، سواء العام أو الخاص!
وطبعاً الأرقام أعلاه هي بحال نجاح الرهان الحكومي وتم استلام الكميات المتوقعة من المحصول!
أما بحال تهاوي الرهان الحكومي أعلاه فإن الفارق بين الكميات المستلمة من المحصول وحدود الكفاية لسد حاجة القطاع الصناعي (العام والخاص) سترتفع بشكل كبير!

تكريس الاستيراد وزيادته هو البديل طبعاً!

تأكيداً لكل ما سبق، وخاصة ما يتعلق بتراجع المحصول عاماً بعد آخر، وبسقوط الرهان الحكومي على إمكانية استلام الكميات الكافية منه لسد حدود الكفاية للقطاع النسيجي (العام والخاص) برغم استمرار تراجع الإنتاج في هذا القطاع عموماً، فقد وافقت الحكومة بتاريخ 15/11/2023 على تمديد العمل لمدة 6 أشهر إضافية بتعليمات السماح للمنشآت الصناعية المرخصة أصولاً، والعاملة بإنتاج الغزول القطنية التي تستخدم القطن المحلوج مادةً أولية باستيراد هذه المادة وفق طاقتها الإنتاجية الفعلية المحددة من قبل مديرية الصناعة المعنية بعد الحصول على موافقة وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، وحسب الشروط المحددة من قبلها.
فاللجوء إلى الاستيراد ليس جديداً، حيث تم تسويغه خلال السنوات السابقة وصولاً إلى تكريسه الآن بسبب استمرار تراجع إنتاج محصول القطن، مع غياب نوايا إعادة الاعتبار لهذا المحصول الإستراتيجي الهام!

مزيد من تراجع القطاع النسيجي!

إذا كان الاستيراد ضرورة لاستمرار عمل ما تبقى من منشآت عاملة في القطاع النسيجي بشق النفس، لكنه بآن يشكل عبئاً عليها بسبب ارتفاع تكاليفه، ما يعني تحميل منتجاتها هذا الارتفاع في التكاليف على أسعارها!
ومن المفروغ منه أن ارتفاع التكاليف والأسعار تنعكس سلباً على حركة منتجات القطاع النسيجي في الأسواق، مع خسارته لجزء من أسواقه الخارجية بسبب تراجع قدرته على المنافسة السعرية، أي خسارة عائدات تصديره من القطع، مع ارتفاع فاتورة استيراد مستلزماته بالقطع، كخسارة مركبة على حساب الاقتصاد الوطني بالمحصلة!
وكل ما سبق سيؤدي بالنتيجة إلى مزيد من التراجع بهذا القطاع الحيوي والهام صناعياً على مستوى القطر، وبالتالي خروج المزيد من منشآته عن العمل تباعاً!
وبهذا الصدد نعيد التذكير بما ورد بمادة سابقة لقاسيون بعنوان «تراجع محصول القطن وملاذات الاستيراد الكارثية!» بتاريخ 30/7/2023: «حبل النجاة المرتبط بعمليات الاستيراد، التي يستفيد منها قلة من كبار أصحاب الأرباح كالعادة، مكلف ومؤقت، ونتيجته مزيد من تراجع قطاع الصناعات النسيجية، مع نوايا مبيتة لإنهائه على ما يبدو، فهذا يضمن استمرار مصالح أصحاب كبار الأرباح والفاسدين، ويتوافق تماماً مع السياسات التدميرية لكل ما هو منتج في البلاد للاستعاضة عنه عبر الاستيراد! ولعله لن يكون من المستغرب مع الاستمرار بهذه السياسات التدميرية أن يتم الاضطرار إلى استيراد الألبسة الجاهزة خلال السنوات القادمة، وليس بعض مستلزمات الإنتاج المكلفة فقط!».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1149
آخر تعديل على الثلاثاء, 21 تشرين2/نوفمبر 2023 22:05