رسالة حكومية واضحة للمزارعين.. كفوا عن زراعة القمح!

رسالة حكومية واضحة للمزارعين.. كفوا عن زراعة القمح!

حدد مجلس الوزراء، في جلسته المنعقدة بتاريخ 17/10/2023، السعر التأشيري لمادة القمح للموسم الزراعي 2023- 2024 بـ 4200 ليرة سورية لكل كيلو غرام!

تحديد السعر التأشيري بالمبلغ أعلاه حالياً يعني أن السعر النهائي عند الحصاد قد يرتفع بضع مئات من الليرات بأحسن الأحوال كما جرت العادة!
فخلال الاجتماع المخصص لمناقشة التحضيرات النهائية لتنفيذ الخطة الزراعية للموسم القادم، الذي عقد في وزارة الزراعة بتاريخ 21/10/2023، بيَّن وزير الزراعة أنه «تم تسعير بذار القمح بـ 3950 ليرة والمحصول كسعر تأشيري بـ 4200 ليرة للكيلو غرام لموسم 2023- 2024 وسيتم النظر بهذا السعر حسب التكاليف النهائية للإنتاج في نهاية الموسم»!
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة في الموسم الماضي كانت قد حددت سعر الكغ من القمح بمبلغ 2300 ليرة بتاريخ 18/4/2023، ثم رفعته إلى 2800 ليرة بتاريخ 4/5/2023، أي بزيادة 500 ليرة فقط لا غير، ومع ذلك لم يكن هذا السعر مجزياً للفلاحين، ما كبد بعضهم خسائر كبيرة، فيما لجأ آخرون إلى تهريب محصولهم من خلال بيعه للتجار بدلاً من تسليمه لمؤسسة الحبوب!
فهل من الممكن اعتبار هذا السعر التأشيري مشجعاً للمزارعين للاستمرار بزراعة محصول القمح، أم فيه رسالة مضمرة لهؤلاء كي يكفوا عن زراعته؟!
ولمصلحة من يتم ذلك؟!

لاتحاد الفلاحين رأي آخر!

في تصريح لعضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين أحمد هلال لموقع «أثر برس» بتاريخ 21/10/2023 قال، كان من المتوقع أن تكون التسعيرة أعلى من ذلك، أي على الأقل 4500– 5000 ل.س حتى يتمكن المزارع من تعويض أتعابه، مشيراً إلى أن الفلاحين تحملوا خسارات كبيرة، وبعضهم مازال مستمراً في الزراعة باعتبار تأمين القمح واجب وطني فقط لا غير».
وأضاف، «إن كلفة الزراعة أصبحت مرتفعة جداً وكان لا بد من منح المزارعين سعراً أفضل من ذلك»!
ووفقاً لحسابات الاتحاد العام للفلاحين الحالية، بحسب تصريح عضو المكتب التنفيذي أعلاه، فإن الحكومة قضمت مسبقاً 300- 800 ليرة من كل كغ على حساب الفلاح وفقاً للسعر الاشترشادي المحدد من قبلها بمبلغ 4200 ليرة/كغ!

التسعير الحكومي دولاري ويغض الطرف عن الفروقات السعرية وعوامل التضخم!

بعيداً عن الخوض مسبقاً في تكاليف مستلزمات الإنتاج النهائية للموسم القادم بالمقارنة مع السعر الاسترشادي الحالي، على اعتبار أن أسعارها مستمرة بالارتفاع ارتباطاً بمتغيرات سعر الصرف وبعوامل الاستغلال والتحكم المتبعة من قبل بعض حيتان الاستيراد لهذه المستلزمات، ربما من الممكن الاتكاء على فروقات سعر الصرف الرسمي للدولار مقابل الليرة كمؤشر للمتغيرات الطارئة على هذه الأسعار، باعتبار الدولرة أصبحت طاغية في حسابات التكاليف والتسعير، رسمياً وغير رسمياً، وهو ما قامت به الحكومة على ما يبدو استسهالاً!
فعندما حددت الحكومة سعر القمح للموسم الماضي بمبلغ 2800 ليرة كان سعر صرف الدولار الرسمي مقابل الليرة بـ 7500 ليرة، وسعر القمح بالدولار بناء عليه كان 0,373 دولار/كغ!
أما الآن فقد أصبح سعر صرف الدولار الرسمي مقابل الليرة بـ 11500 ليرة، ما يعني أن سعر القمح يجب أن يكون بالحد الأدنى 4289 ليرة/كغ، وهو ما تم اعتماده رسمياً كسعر استرشادي الآن، مع ابتلاع 89 ليرة من كل كغ على حساب المزارعين مسبقاً!
فالحكومة عملياً لم تكلف نفسها عناء جهد حساب التكاليف الفعلية لمستلزمات الإنتاج (التي من المفترض أن تؤمنها كاملة للمزارعين وبالأسعار المدعومة)، واكتفت بحسابات الفروقات السعرية الدولارية الحالية الرسمية فقط، مع غض الطرف عن متغيراتها لحين موعد حصاد المحصول في الموسم القادم، وبعيداً عن متغيرات التضخم السعري الإضافية على هذه المستلزمات (كماً ونوعاً وسعراً وفترات توريد) المتحكم بها من قبل كبار أصحاب الأرباح عملياً، والتي يتم حسابها وفقاً لمتغيرات سعر الصرف في السوق الموازي والتحوطي وليس الرسمي!

1145-13

مستلزمات الإنتاج مدولرة عبر السوق السوداء!

أكد وزير الزراعة، خلال الاجتماع المخصص لمناقشة الخطة الزراعية للموسم القادم، على: «أهمية التواصل اليومي مع الفلاحين والوقوف على احتياجاتهم والتأكد من حصولهم على مستحقاتهم من مستلزمات الإنتاج»!
وكذلك نوه الوزير إلى أنه «تم تأمين 50% من احتياج محصول القمح من سماد اليوريا حتى الآن وستصل بالتتابع، والمصرف الزراعي جاهز لمنح الفلاحين القروض الزراعية حيث تم زيادة معدلات الاحتياج بالتوافق مع التكاليف الفعلية وتعديل جدول الاحتياج بحيث يتمكن الفلاح من الحصول على القروض الزراعية بما يغطي تكاليف الإنتاج».
وعن المازوت بيّن الوزير أنه «تم تحديد احتياجات الخطة من مادة المازوت بحيث وضعت كافة الإجراءات اللازمة لتسليم الفلاحين مخصصاتهم استناداً إلى التنظيم الزراعي والكشف الحسي»!
الحديث الرسمي أعلاه، وبغض النظر عن الشكل الترويجي الإعلامي عن احتياجات ومستحقات مستلزمات الإنتاج، فيه اعتراف مسبق بعدم التمكن من تأمين كميات السماد اللازمة لمحصول القمح، ولنوع واحد فقط، وكذلك الحال على مستوى المازوت ومخصصاته المقترنة دائماً بعبارة «حسب الكميات المتوفرة»، ناهيك عن آليات الكشف الحسي المتبعة، وتغول المحسوبيات والوساطات والفساد فيها!
على ذلك فإن المزارعين سيضطرون، كما جرت العادة، لتأمين مستلزمات إنتاجهم عبر السوق السوداء وبأسعارها المدولرة المتحكم بها من قبل بعض كبار أصحاب الأرباح ولمصلحتهم، وبما يفوق سعر الصرف في السوق الموازي أيضاً، حيث يتم اعتماد سعر صرف تحوطي أعلى من الرسمي والموازي، وبنسبة كبيرة أيضاً!
وبهذا الصدد نستشهد بما أكده عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام للفلاحين حيث قال إن «موسم القمح يحتاج إلى 30 كيلو من الأسمدة على الأقل لكل دونم حتى تتحقق المعادلة السمادية فقط بين المحصول والأرض، وإن الفلاحين حصلوا العام الماضي على 14 كيلو فقط لكل دونم من الحكومة، بينما من المتوقع أن يحصل الفلاح خلال الموسم الحالي على 8 كيلو كحد أقصى، وذلك تبعاً للكميات المتوفرة في وزارة الزراعة»، وتابع «في هذه الحالة سيلجأ الفلاحون للسوق السوداء لتأمين الأسمدة بأسعار باهظة، إذ يبلغ سعر طن سماد اليوريا نحو 15 مليون ليرة سورية، الأمر الذي سيرفع كلف الإنتاج، طبعاً هذا عدا عن تأمين المازوت للري، وأجرة اليد العاملة التي أصبحت باهظة الكلفة»!
فحديث عضو المكتب التنفيذي فيه تأكيد على أن المخصصات من مستلزمات الإنتاج غير كافية سلفاً، وفوق ذلك لا يتم استلامها، وبأن التكاليف على المزارعين سترتفع!

الرسالة الحكومية المضمرة!

وفقاً للحسابات التقديرية والسعر الاسترشادي المحدد بـ 4200 ليرة/كغ رسمياً، والقضم المسبق لمبلغ 300-800 ليرة من كل كيلو غرام قمح على حساب الفلاحين والمزارعين بالحد الأدنى، يبدو أن الحكومة توجه رسالة مضمرة لهؤلاء بعدم زراعة القمح للموسم القادم!
فالمزارع لن يغامر بخسارة موسمه القادم وفقاً للسعر أعلاه، حتى ولو تمت إعادة النظر فيه لاحقاً من خلال زيادته بضع مئات من الليرات عند موعد الحصاد!
والنتيجة المتوقعة هي خروج بعض المساحات المخطط زراعتها بمحصول القمح من خلال استبدالها بزراعات أخرى أكثر جدوى وريعاً بالنسبة للمزارعين، وهو ما جرى ويجري عملياً كل موسم ومنذ سنين!
وقد تم التأكيد على ذلك من قبل عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام للفلاحين حيث قال، «بحسب المخطط له يجب أن تتم زراعة 70% من المساحات بالقمح لهذا العام، لكن في ظل هذا السعر قد تأخذ بعض المواد العطرية مثل الكمون جزءاً من هذه المساحات، علماً أنه كان من المعتاد أن تتم زراعة 90% من المساحات الزراعية بالقمح»!
فهل من وضوح أكثر من ذلك في الرسالة المضمرة التي وجهتها الحكومة للمزارعين منذ الآن كي يكفوا عن زراعة محصول القمح!

مصالح أصحاب الأرباح أولاً!

وضوح الرسالة الحكومية أعلاه هو نتيجة حتمية لجملة السياسات الليبرالية الظالمة المطبقة منذ عقود وحتى الآن، والمنحازة لمصلحة أصحاب الأرباح، والتي لم تبدأ بتخفيض الدعم على مستلزمات الإنتاج الزراعي، أو بتخفيض الإنفاق العام فقط، بل ستستمر لقضم المزيد من مهام الدولة المفترضة بما يحقق المزيد من تغول ونفوذ أصحاب الأرباح والحفاظ على مصالحهم على حساب مصلحة العباد والبلاد!
فمن المعروف أن مستلزمات الإنتاج، حتى التي يتم توزيع بعضها من قبل الحكومة، يتم تأمينها من قبل بعض الموردين المحظيين بذريعة العقوبات والحصار، مع ضمان حصص أرباحهم المضاعفة جرّاء ذلك، ما يرفع من تكاليف الإنتاج!
وكذلك صفقات استيراد القمح التي تتم غالباً من خلال بعض الموردين أيضاً، مع ضمان هوامش ربحهم الكبيرة طبعاً!
على ذلك فإن كل كيلو سماد وكل ليتر مازوت، وكل جزء من مستلزمات الإنتاج الزراعي، لا توفره الدولة عن طريقها مباشرة هو فرصة تكسّب وربح تصب في جيوب كبار أصحاب الأرباح المتحكمين بهذه المستلزمات، على حساب زيادة تكاليف الإنتاج الزراعي ومن جيوب المزارعين وعلى حساب المستهلكين والاقتصاد الوطني ككل!
وكل تراجع في محصول القمح، ولو لكمية طن واحد في كل موسم، هو فرصة تكسب للقلة المحظية من حيتان الاستيراد، بتغطية مباشرة ورسمية، تحت عنوان تأمين رغيف الخبز والأمن الغذائي للمواطن!
فالواجب الوطني بما يخص محصول القمح وزراعته وتأمينه يبدو أنه مقتصر على المزارعين فقط، فيما تعفي الحكومة نفسها منه بكل راحة ضمير!
فالسياسات الليبرالية المطبقة رسمياً، بما في ذلك السياسات الزراعية، منحازة لمصلحة القلة من حيتان الاستيراد والفساد والنفوذ في البلاد فقط لا غير، وعلى طول الخط، على حساب الإنتاج الزراعي والمزارعين والمستهلكين والمصلحة الوطنية!
لنعيد التأكيد مجدداً بأن للخلاص ممر وحيد هو إنهاء جملة السياسات الليبرالية الظالمة المطبقة كلاً وجزءاً، عبر التغيير الجذري والعميق والشامل، وبما يحقق ويضمن مصلحة العباد والبلاد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1145