تخبط المركزي والسياسات النقدية ليس عبثياً!
يصدر مصرف سورية المركزي قرارات وتعاميم متتالية، بعضها متناقض، أو تتضمن تراجعاً عن قرارات سابقة، ليتبعها بكتب توضيحية وتفسيرية، مع مقابلات إعلامية من قبل بعض مديريه لتوضيح الملتبس فيها، وبين القرار والتعميم والآخر أيام قليلة، وكل ذلك ينعكس سلباً على عجلة الاقتصاد بالنتيجة، لكن لمصلحة المتحكمين فيه!
ولعل مثال المنصة التي أبدعها المصرف المركزي لتمويل المستوردات خير دليل على ذلك، يضاف إليها نشراته السعرية لليرة مقابل الدولار، والتي ينتقل فيها من عتبة سعرية إلى أخرى، تبعاً لعتبات السوق الموازي، وليس قيادة لها!
فعندما تم إبداع المنصة تزايدت البهرجة الإعلامية التي حمّلتها أكثر ما تحتمل على مستوى ضبط الليرة والدولار والمستوردات، وبأن نتائجها الإيجابية ستنعكس على عجلة الاقتصاد، وعلى سعر الليرة مقابل الدولار، وعلى قيمتها الشرائية بالنتيجة في السوق!
ثم وبقدرة قادر تم إلغاء المنصة مع الكثير من التبريرات التي حملت ضمناً سلبياتها، مع الكثير من الحديث عن الليرات السورية المحجوزة من قبلها لمصلحة المستوردين، ولفترات زمنية طويلة، دون جدوى، ودون تحقيق الغاية المرجوة منها، لتتحمل المنصة جزءاً من وزر سوء السياسات النقدية!
لم يطل الأمر كثيراً ليعاد العمل بالمنصة مجدداً، مع الكثير من البهرجة الإعلامية مجدداً أيضاً، ولكن هذه المرة مع الكثير من الحديث بأن الآلية المستجدة تجاوزت سلبيات الآليات السابقة!
وبين كل ذلك، كانت تصدر قوائم التمويل (ممولة وغير ممولة عبر المنصة)، والنشرات السعرية لليرة مقابل الدولار، والتي تتأثر بشكل مباشر بعمل المنصة المبتدعة نفسها!
فوضع الليرات مقابل انتظار التمويل للمستوردات، ثم التأخر بانتظار التمويل، وخسارة المودعين لجزء من ليراتهم، وفقاً لنشرات سعر الصرف الرسمي والموازي، ثم وقف ذلك مع سحب هذه الليرات بخساراتها، ليضخ جزءاً من هذه الأموال في السوق، ما يؤدي إلى زيادة عرض الليرة، وزيادة الطلب على الدولار، وليتبعها لاحقاً بإيداع جديد بالليرات على أمل التمويل الجديد الأسرع هذه المرة، وكأنها لعبة بالليرات والدولار مدارة جيداً، على حساب قيمة الليرة والاقتصاد الوطني بالنتيجة!
وقد رافق كل ذلك الكثير من المواقف المتباينة من قبل رجال الأعمال والمستوردين والتجار والصناعيين في البلاد!
فجزء من الاعتراضات على السياسات النقدية والمالية المعمول فيها غايته الوصول إلى المزيد من التحرير الاقتصادي، وصولاً إلى الانفتاح الكامل مع التعويم الكلي لليرة!
وجزء آخر يطالب بالمحافظة على ما تبقى في البلاد من قدرات اقتصادية قبل استكمال التضحية فيها، لكن بعيداً عن ممارسات التضييق المالية والنقدية المتبعة!
وجزء ثالث يؤكد على أن الأس والأساس يتركز في البداية على عجلة الإنتاج المحلي (عام وخاص)، قبل الخوض بكل الحديث عن الانفتاح والضغوط والتحرر الاقتصادي، فالليرة لا يمكن دعمها وصولاً لاستقرار حقيقي بسعرها مقابل الدولار إلّا من خلال زيادة الإنتاج، الذي سينعكس ايجاباً على عجلة الاقتصاد، ولو كان ذلك يحتاج إلى زمن!
وبكل اختصار، لعله من الواضح أن المواقف المتباينة أعلاه لا تُعبر عن المواقف تجاه السياسات النقدية والمالية للمصرف المركزي فقط، بل تجاه كل السياسات الليبرالية المتبعة عموماً!
والأكثر وضوحاً، أن هناك شريحة مستفيدة من هذه السياسات، كلاً وجزءاً، وتسعى لتكريس المزيد من سوئها بما يؤمن لها المزيد من الأرباح، نهباً وفساداً ونفوذاً، ولو كان ذلك على حساب الإنتاج والليرة والمواطن والاقتصاد الوطني!
وبمطلق الأحوال، فقد بات من الواضح أن الرهان على الاستمرار بالسياسات الليبرالية ووفق النهج المتبع، لن يحقق إلّا المزيد من السوء والتردي، ووقف الإنتاج والجوع والتموّت الاقتصادي!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1137