المدارس الخاصة والرسوم السنوية المليونية!
سباق محموم تخوضه رسوم المدارس الخاصة (رياض الأطفال- الابتدائي- الإعدادي- الثانوي) مستمرة بالارتفاع عاماً بعد آخر، وصولاً إلى أرقام مليونية مفتوحة لمزيد من الزيادة فيها، ضاربة بعرض الحائط السقوف المحددة من قبل وزارة التربية وضوابطها!
فقد بدأت عمليات تثبيت تسجيل الطلاب القدامى قبل انتهاء العام الدراسي، لقاء تسديد دفعة تحت مسمى «تثبيت التسجيل»، كي يحتفظ الطالب أو التلميذ بمقعده في هذه المدارس للعام الدراسي القادم، وإلا فإنه سيفقد حقه ومقعده وسيضطر ذووه للبحث عن مدرسة أخرى للتسجيل فيها!
ودفعة التثبيت (المليونية) هذه تعتبر جزءاً من الرسوم التي ستحدد مع بدء العام الدراسي القادم!
أما بقية المبالغ الإضافية التي يتم تقاضيها سنوياً بالإضافة إلى الرسوم فهي أجور النقل، وما يقع تحت مسمى «الخدمات»، وهي بمجموعها ملايين إضافية!
الرسوم تبدأ بمليونين وسطياً مع سقف مفتوح!
دفعة التثبيت التي يتم تقاضيها الآن من قبل المدارس الخاصة لا تقل عن مليون ليرة، وعوامل تحديدها مرتبطة بمرحلة التعليم وبأي صف، وكذلك باسم المدرسة وسمعتها، وأخيراً بموقعها.
فغالبية المدارس الخاصة لم تعلن عن رسومها السنوية بشكل رسمي، لكنها تضطر لتحديدها بشكل تقريبي لمن يسأل من ذوي الطلاب بعد إلحاح هؤلاء!
وفي سبر للرسوم بحسب أحاديث ذوي الطلاب، ومن خلال بعض الصفحات المخصصة لهذه الغاية، فإنها لا تقل عن مليوني ليرة، وهي لا تتضمن قيمة الكتب والقرطاسية واللباس، التي تُحدد مع بدء العام الدراسي، وكذلك لا تتضمن أجور النقل المليونية أيضاً، وكذلك لا تتضمن أسعار الخدمات المضافة!
على ذلك فإن تكاليف التسجيل في المدارس الخاصة للعام الدراسي القادم ستكون وسطياً بحدود 4 ملايين ليرة، والتي تزيد تبعاً للمرحلة والصف وسمعة المدرسة وبُعدها وخدماتها الإضافية!
مبررات وذرائع التضخم!
الرسوم السنوية المليونية، التي يتم تقاضي دفعات تثبيت منها فقط حالياً، لم تحدد بشكل دقيق ومسبق من قبل إدارات المدارس حتى الآن، والسبب في ذلك بحسب ادعاءات هذه الإدارات ومستثمري هذه المدارس هي عوامل التضخم على الأسعار التي يجب أن تأخذ بها هذه الإدارات في حسابات تكاليفها كي لا تقع بالخسارة، يضاف إليها عوامل ونسب التحوّط المضافة إلى هذه الرسوم كأي مشروع استثماري ربحي!
فالتكاليف المحسوبة بالاعتماد على حسابات العام الدراسي السابق، وبالتالي على رسومه، اختلفت بسبب اختلاف عوامل ونسب التضخم المتزايدة التي طرأت على أسعار مفردات هذه التكاليف، والتي لا تقف عند حدود أجور الكادر الإداري والتدريسي فقط، بل وكذلك على تكاليف مستلزمات العملية التعليمية ومتمماتها، مثل الورق والأقلام والدفاتر والأضابير والسجلات، بالإضافة إلى تكاليف الصيانة والنظافة والطاقة الكهربائية وتكاليف مازوت التدفئة، وغيرها من ضرورات مكلفة بأسعارها المتغيرة والمستمرة بالارتفاع!
ضغط الإنفاق بغاية ضمان أعلى نسبة من الأرباح!
تبدو المبررات أعلاه مقبولة وهي صحيحة نسبياً، لكنها بآن مُبالغ بها بالمقارنة مع الرسوم السنوية بالنتيجة، والأهم هي عوامل ضغط الإنفاق التي طغت خلال السنوات السابقة على غالبية التكاليف أعلاه في المدارس الخاصة بغاية ضمان هوامش ربحها وبأعلى نسبة لمستثمريها!
فعمليات ضغط الإنفاق في المدارس الخاصة لم تقف عند حدود استنزاف واستغلال الكادر الإداري والتدريسي بهذه المدارس بما يخص الأجور والتعويضات، شبه الثابتة والتي لا تعترف بعوامل التضخم التي يجب أن تطالها كنسبة كما غيرها افتراضاً، فكذلك وصل ضغط الإنفاق إلى حدود التوفير بالورق والقرطاسية وبقية مستلزمات العملية التعليمية، وكذلك على مستوى عدم تشغيل وسائل التدفئة أيضاً!
والأهم من كل ذلك هو أعداد الطلاب والتلاميذ المتزايد في الشعب الصفية بهذه المدارس عاماً بعد آخر بذريعة تزايد الضغط عليها، لكنه يحقق أرباحاً إضافية أيضاً!
ولا غرابة بكل ما سبق طبعاً، فالمدارس الخاصة أولاً وآخراً هي مشاريع استثمارية غايتها تحقيق الأرباح، والمزيد منها ما أمكن لمستثمريها ذلك!
تهاوي التنافسية الإيجابية لمصلحة الطلاب!
تتزايد أعداد المدارس الخاصة عاماً بعد آخر، والقديم منها تزيد فيه أعداد الشعب الصفية، وبالتالي أعداد الطلاب فيها، وهذا يعتبر في أحد جوانبه تعبيراً عن زيادة الاستقطاب من قبل هذه المدارس، وفي جانب آخر هو تعبير عن الفرص الربحية المتزايدة التي تؤمنها هذه المدارس لمستثمريها!
أما الشاذ في الأمر فهو غياب التنافسية الإيجابية بين هذه المدارس بما يحقق مصلحة الطلاب أنفسهم!
فالتنافسية قد تظهر بالرسوم السنوية أو بالمبالغ الإضافية لقاء تقديم بعض الخدمات (ارتفاعاً وانخفاضاً)، وأحياناً بالموقع (قريب أو بعيد)، لكنها غائبة على مستوى العملية التعليمية نفسها!
فحتى سمعة المدرسة أصبحت مرتبطة بالخدمات الإضافية التي تقدمها (ملاعب- مسابح- نوادي- سينما- ندوات وكافيهات..) وليس بالمحتوى التعليمي الذي تقدمه عبر كادرها التدريسي ومستوى هذا الكادر، وبالتالي بالمخرجات المتوخاة من العملية التعليمية فيها!
والأكثر شذوذاً أن ارتفاع الرسم السنوي ورسوم الخدمات أصبحت هي معيار التنافسية، بعيداً عن جوهر العملية التعليمية وغايتها!
فالنخب المخملية المستقطبة من قبل هذه المدارس أصبحت معنية بالخدمات الترفيهية والترفيّة التي تقدمها كل مدرسة، أكثر من اهتمامها بالعملية التعليمية بحد ذاتها!
فقد أصبح طلاب المدارس الخاصة (وخاصة طلاب الشهادات) بحاجة للدروس الخصوصية وللجلسات الامتحانية لترميم الفجوة التعليمية في هذه المدارس أيضاً، وهو ما يسقط ادعاءات تميزها عن المدارس الحكومية بهذا الصدد!
الوزارة في وادٍ آخر!
تجدر الإشارة إلى أن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى زيادة أعداد المدارس الخاصة، وإلى تزايد عوامل الاستغلال فيها، هو واقع التراجع والترهل في المدارس الحكومية، وفي التعليم الحكومي المجاني عموماً بكل مراحله، بالتوازي مع سياسات الخصخصة المباشرة وغير المباشرة في قطاع التعليم، وسياسات الاستثمار والتشجيع عليه بحثاً عن مزيد من الأرباح من خلاله، مع ضمانها!
فوزارة التربية معنية افتراضاً بالإشراف على سير العملية التعليمية والتربوية في المدارس الخاصة، وهذا الإشراف شكلي عموماً، وتطغى عليه عوامل المحسوبية والوساطة والفساد!
أما ما يخص الرسوم السنوية وأقساطها فقد سبق أن وضعت الوزارة سقوفاً لها، وذلك تبعاً لنمط تشريح معتمد من قبلها كتصنيف لكل مدرسة، مع نسبة زيادة سنوية مسقوفة لكل شريحة!
مقابل ذلك فقد بقيت الخدمات المقدمة من قبل كل مدرسة مفتوحة التسعير لتقدرها كل منها بحسب تكاليفها وفقاً لنموذج التسعير بالنقاط الذي اعتمدته الوزارة، وهذه الخدمات بحسب الوزارة اختيارية وغير ملزمة، وكذلك تكاليف المواصلات المفتوحة للتغيير مع متغيرات أسعار المشتقات النفطية.
والنتيجة أن الرسوم والمبالغ التي تتقاضاها المدارس الخاصة متزايدة ومفتوحة وغير مقيدة بسقف محدد، وهو ما يتم تسجيله عاماً بعد آخر، وصولاً إلى ملايين الليرات السورية بالنسبة لمرحلة رياض الأطفال، مع زيادة مطردة لكل صف ولكل مرحلة من مراحل التعليم، وبحسب كل مدرسة!
مزيد من التشوه والاستغلال!
الموضوع لم يقف عند حدود الاستغلال بالمبالغ المليونية التي تتقاضاها المدارس الخاصة بالتوازي مع آليات ضغط الإنفاق من قبلها، فهناك سلبيات كثيرة يمكن تسجيلها كنتيجة لكل ما سبق، ويمكن تلخيص أهمها بالتالي:
تراجع وترهل قطاع التعليم الحكومي المجاني بمراحله كافة، مع استمرار هذا التراجع دون توقف!
تزايد عوامل وفرص استغلال هذا التراجع من قبل مستثمري المدارس الخاصة، المشرعن بغطاء الخصخصة وعناوين تشجيع الاستثمار!
زيادة الاستهتار واللامبالاة الرسمية تجاه قطاع التعليم الحكومي والخاص على السواء، وخاصة على مستوى حسن سير العملية التعليمية والتربوية فيه!
تزايد عوامل الفرز الطبقي على مستوى التحصيل العلمي، بين من يملك ومن لا يملك!
مزيد من التشوه على مستوى مخرجات العملية التعليمية، بسوّيتها وأهدافها وغاياتها!
ومن المفروغ منه أن هذه السلبيات وغيرها الكثير هي الوليد الشرعي للسياسات التعليمية المشوهة، ولجملة السياسات الطبقية والجائرة المطبقة، ولا خلاص من هذه السلبيات ومن هذا التشوه إلا بالخلاص من هذه السياسات جملة وتفصيلاً!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1130