إجهاض آخر أمل للفلاحين مقابل توسيع بوابات النهب!
مالك أحمد مالك أحمد

إجهاض آخر أمل للفلاحين مقابل توسيع بوابات النهب!

عُقد مؤتمر الحبوب بتاريخ 8/5/2023 وقد كان يمثل البوابة الرسمية الأخيرة أمام الفلاحين كي يتم خلاله إقرار سعر مجزٍ لمحصول القمح، لكن مع كل أسف، فقد كانت مخرجات المؤتمر غير مثمرة على مستوى تعديل السعر!

على ذلك فقد استقر الأمر رسمياً، بشكل مباشر وغير مباشر، على تكريس خسارة الفلاحين، مع عدم ضمان تسليم مؤسسة الحبوب كامل الإنتاج، بالإضافة إلى التضحية بالمواسم القادمة!

مؤتمر بتوصيات خلبية ونتائج غير مضمونة!

تفاؤل الفلاحين الذي تم إجهاضه لم يكن عن عبث، فمؤتمر الحبوب الذي عقد في العام الماضي عدّل سعر محصول القمح في حينه، وهو ما انتظره هؤلاء من المؤتمر لهذا العام، لكن دون جدوى!
أما الحديث عن التوصيات بشأن استلام كامل محصول القمح، وعن تقديم التسهيلات، وغيرها من التوصيات التي تم الإعلان عنها كمخرجات لهذا المؤتمر، فكلها تعتبر غير ذات أهمية بالنسبة للفلاحين بالمقارنة مع السعر المجحف الذي تم إقراره للموسم الحالي!
على الطرف المقابل، فقد كان الحديث الرسمي عن لسان مدير عام مؤسسة الحبوب داخل المؤتمر: أنه «من المتوقع أن تصل الكميات إلى أكثر من مليون طن، لكن لا نستطيع أن نجزم لأن هذا الموضوع يخضع لعدة ظروف، لكن وفق ما أكدت عليه وزارة الزراعة لجهة الكميات التي تمت زراعتها، سواء بالمساحات المزروعة البعلية والمروية نستطيع القول: إننا متفائلون بالموسم لهذا العام».
بمعنى أكثر وضوحاً، فإن مؤسسة الحبوب نفسها ليست على يقين من استلامها للمحصول بحسب تقديرات وزارة الزراعة!
وربما عدم يقين المؤسسة عن لسان مديرها العام مبرر ومشروع، خاصة مع واقع تراجع المحصول عاماً بعد آخر، برغم الحديث الرسمي الذي كان يقول عكس ذلك دائماً، بما في ذلك ما لم ننسه بعدما تمت تسميته بعام القمح، والذي كانت نتائجه أقل بكثير من العام الذي سبقه!

«الإدارة الذاتية» تنافس بشدة!

حددت «الإدارة الذاتية» سعر كل كيلو غرام واحد من القمح للموسم الزراعي 2023 بمبلغ وقدره 43 سنت من الدولار الأمريكي.
إن مبلغ 43 سنت يعني بما يقابله بالليرة السورية وفقاً لسعر الصرف الرسمي ما يعادل 3354 ليرة، ويتجاوز 4000 ليرة بحسب سعر السوق الموازي، بالإضافة لذلك، فإن تحديد السعر بالدولار يضمن للفلاح عدم تكبده سلبيات التضخم لحين موعد الحصاد وتسليم المحصول!
على ذلك، فإن المبلغ المحدد لسعر القمح أعلاه يعتبر منافساً للسعر المحدد رسمياً من قبل الحكومة، وبشدة، ما يعني أن كامل محصول منطقة الجزيرة، وفي بقية مناطق سيطرة «الإدارة الذاتية» لن يصل إلى مستودعات مؤسسة الحبوب دون أدنى شك، وذلك لسبب بسيط، أن مصلحة الفلاح تتوافق مع سعر الإدارة الذاتية في هذه المناطق، ولا تتوافق مع سعر الحكومة المجحف أصلاً، والذي لا يغطي تأمين تكاليفه بالحد الأدنى، رغم مناشداته ومطالبه بتعديل هذا السعر، والتي ذهبت إلى غير رجعة وبلا فائدة!
ولا ندري إن كانت حسابات وزارة الزراعة التفاؤلية عن المساحات المزروعة بمحصول القمح تدخل ضمنها المساحات الخاضعة لسيطرة «الإدارة الذاتية» أم لا؟!
فبحال كان ذلك، فإن الحديث عن مليون طن هو حديث خُلبي واهم، غايته التسويق والتضليل ليس إلّا!

توقعات موضوعية!

من المتوقع أن يلجأ بعض الفلاحين إلى تهريب محصولهم من القمح، أو جزء منه على أقل تقدير، وخاصة في المناطق القريبة من مناطق سيطرة «الإدارة الذاتية» إلى هذه المناطق كي يتم تقاضي السعر المنافس المحدد للمحصول من قبلها، بدلاً من تحمل الخسارات لقاء السعر المجحف المحدد حكومياً، مع المغامرة بما يمكن أن يطال هؤلاء من مخالفات وغرامات جراء عدم تسليمهم كامل محصولهم لمؤسسة الحبوب!
على ذلك، فإن التوقعات المتفائلة بالموسم الحالي تزداد سقوطاً وتهاوياً، ليس بسبب عدم اليقين من المساحات المزروعة، وما يقابلها من إنتاج متوقع فقط، بل بسبب الظلم والجور في السعر الحكومي، والسعر المنافس أعلاه، الذي يدفع لعدم تسليم المحصول لمؤسسة الحبوب، وبالحد الأدنى لتهريب جزء كبير منه!
أما الطامة الكبرى، فهي أن من غامر هذا العام من الفلاحين وزرع القمح فهو لن يغامر في العام القادم، وذلك لانعدام ثقته بالحكومة وإجراءاتها، اعتباراً من حديثها المبالغ به عن الدعم، وصولاً إلى سعرها الجائر!

رسمياً.. مصالح أصحاب الأرباح أهمّ!

يبدو بعد كل ما سبق، إن الحكومة حققت غاياتها ومراميها تماماً، فهي بالإضافة لتضحيتها بموسم القمح الحالي، تدفع باتجاه التضحية بكل المواسم القادمة، عن سبق إصرار!
فهي على علم تام بأن السعر المحدد من قبلها لمحصول القمح ظالم ومجحف، فهو لا يغطي تكاليف الإنتاج، وسيضاف المزيد من الإجحاف على هذا السعر من خلال نسب التخفيض المرتبطة بالأجرام والشوائب، ناهيك عن النسب الإضافية المقتطعة نهباً وفساداً، ما يعني خسارة محققة للفلاحين على حساب تكاليفهم وتعبهم ومستوى معيشتهم وخدماتهم!
بالإضافة إلى ذلك، فهي كانت قد ضحت مسبقاً بالموسم من خلال سياسات تخفيض الدعم الجائرة المتبعة من قبلها، والتي لا تُجملها عبارات الحديث عن دعم المازوت والسماد وغيره!
وبكل اختصار، فإن كل كيلو غرام نقصان في محصول القمح المحلي المسلم لمؤسسة الحبوب، ولأي سبب كان (جفاف- تراجع إنتاج- منافسة- تهريب..)، سيكون هناك كيلو غرام مقابل يتم تأمينه عبر الاستيراد، وبما يضمن حصة ربحية منه لصالح شريحة المستوردين مع الهوامش الإضافية بذرائع العقوبات والحصار، بالإضافة إلى هوامش النهب والفساد، وهو ما يمثل مصلحة أهم من مصلحة الفلاح والإنتاج والأمن الغذائي والاقتصاد الوطني!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1122