تراجع القطاع الصحي وترهل الخدمات.. والنتائج الوخيمة للامبالاة الرسمية!
عودة انتشار بعض الأمراض الوبائية لم يعد حدثاً يلقى الاهتمام الرسمي على ما يبدو، برغم فداحة نتائجها على المرضى ومن حولهم، والخشية من تفشي مثل هذه الأوبئة، مع كل المخاطر الناجمة عن ذلك!
فالتهاب الكبد الوبائي يتم رصد تفشيه بين الحين والآخر في بعض المناطق، وكذلك الليشمانيا التي يتزايد انتشارها في مناطق مختلفة، وغيرها ربما من الأمراض التي تعتبر قابلة للتفشي لكن حدود ذلك دون عتبة الإنذار بالخطر!
وما يزيد من فاعلية انتشار الأمراض، بما في ذلك الوبائية والخطرة منها، هو سوء وتراجع القطاع الصحي، بالإضافة إلى تردي قطاع الخدمات والبنى التحتية، بالتوازي مع واقع ضعف مناعة المواطنين وتراجعها بسبب سوء الوضع المعيشي وتدني معدلات التغذية الضرورية بحدودها الدنيا!
توثيق مختصر!
بحسب صحيفة الوطن بتاريخ 29/4/2023 كشف رئيس دائرة الصحة العامة بمديرية صحة حماة الدكتور سعد شومل أن حالات التهاب الكبد الوبائي المسجلة بالحي الغربي من قرية حيالين بريف مصياف هي ما بين 70 – 100 إصابة، ولكنها ليست وليدة اليوم، بل هي تراكمية منذ 6 الشهر الجاري، وقد تماثل أكثر من 35 منها للشفاء.
وبحسب الوطن بتاريخ 10/4/2023 بيَّنَ رئيس المنطقة الصحية بالغاب الدكتور أنور علي أن عدد الإصابات بالليشمانيا منذ بداية العام وحتى تاريخ 3 الشهر الجاري، ما بين 120 – 160 إصابة قديمة وجديدة في منطقتي الغاب وسلحب. وأوضح أنه لوحظ ازدياد بعدد الإصابات في جورين وريفها والفريكة وما حولها، وذلك نتيجة قربها من العاصي وانتشار الصرف الصحي غير الصحي.
وفي نهاية شهر تشرين الأول 2022 أشار مدير صحة طرطوس أحمد عمار لإذاعة «نينار إف أم» إلى أن المحافظة قد سجلت حوالي 450 حالة إصابة بالتهاب الكبد الفيروسي A موزّعة على خمس مناطق منها دريكيش، مدينة طرطوس، مشتى الحلو.
وبنفس الشهر والعام تم تسجيل 74 إصابة بالتهاب الكبد الفيروسي في منطقة الكفرون بريف طرطوس، وفق ما أكد مدير صحة طرطوس الدكتور أحمد عمار لوسائل إعلام محلية.
وكذلك في مطلع شهر تشرين الأول من العام الماضي تقدم عدد من أهالي قرية البياضية في مصياف بشكوى لإذاعة شام إف إم المحلية عن تسجيل نحو 140 إصابة بالتهاب الكبد الوبائي، وذلك منذ بداية العام الدراسي حيث انتشر المرض بشكل كبير في المدراس، والقرية..
التوثيق أعلاه، بمئات المصابين في بعض المناطق، هو جزء بسيط مما تم تسليط الأضواء عليه إعلامياً خلال الفترة القريبة الماضية فقط، وهذا يعني طبعاً أن هناك المزيد من حالات الإصابة ببعض الأمراض التي تعتبر وبائية في الكثير من المناطق والمدن الأخرى، وخاصة المهمشة البعيدة عن الاهتمام الرسمي والتغطيات الإعلامية!
التهرب من المسؤوليات لا يعفي منها!
إذا كان من المفروغ منه أن أمر الأمراض وتفشيها، بغض النظر عن نوعها ودرجة خطورتها، يعتبر بعهدة القطاع الصحي بداية، وذلك من أجل معالجة الحالات المصابة والسعي إلى تطويق تفشيها وانتشارها، قدر المستطاع وبحسب الإمكانات المتاحة، فإن ذلك لا يعفي بقية القطاعات والجهات الحكومية الأخرى من مسؤولياتها حيال ذلك!
فما يغلب من حديث مسؤول حيال انتشار وتفشي بعض الأمراض، وبعيداً عن التوصيف الطبي لها، هو طغيان محاولات تجيير المسؤوليات والتهرّب منها!
فتارة تكون شبكات الصرف الصحي من المسببات غير المباشرة، وذلك لتداخلها مع شبكات مياه الشرب، وتارة أخرى تكون مصادر مياه الشرب غير الرسمية التي يلجأ لها الأهالي في بعض المناطق هي المتهم، وفي مرات كثيرة يكون المتسبب هو المواطن نفسه، إهمالاً وسوء تدبير!
والحل بعد ذلك جداً بسيط، وفيه الكثير من الاستسهال لدرجة اللامبالاة، عبر تمرير بعض التصريحات الرسمية المطمئنة للمواطنين فقط لا غير، دون الخوض بالمسببات المستمرة للأمراض لمعالجتها والانتهاء منها فعلاً!
قطاعات متهتكة وجوع معمم!
تعاني القطاعات المعنية مباشرة بخدمات المواطنين وصحتهم من التهتك والترهل والتراجع عاماً بعد آخر، والسبب الرئيسي في ذلك هي سياسات تخفيض الإنفاق العام الجائرة، مع غيرها من السياسات الظالمة الأخرى!
فالقطاع الصحي وضعه من سيئ إلى أسوأ، إمكانات محدودة وكوادر قليلة ومستلزمات مسقوفة، وخدمات متراجعة بالتالي!
وقطاع خدمات النظافة العامة بأسوأ حالاته، من قلة الآليات ونقص العمالة، وصولاً إلى الاستهتار بترحيل القمامة التي تصبح بؤراً للحشرات وتفشي الأمراض!
وقطاع الصرف الصحي شبكاته مترهلة بسبب عدم صيانتها أو سوء هذه الصيانة، وفي أحيان بسبب غيابها أصلاً في الكثير من المناطق!
قطاع مياه الشرب شبكاته متهتكة ويسهل تداخلها مع مياه الصرف الصحي، عدا عن انقطاعها المستمر ارتباطاً بواقع التردي الكهربائي، والاضطرار بعد ذلك للجوء إلى التعبئة عبر الصهاريج أو من مصادر أخرى مع مخاطر ذلك!
المواصلات بتراجع أيضاً، ويصبح عدم توفرها في كثير من الأحيان عائقاً كارثياً لنقل حالات الإسعاف إلى المراكز الطبية!
وما يمكن إضافته فوق كل ذلك هو واقع الفقر المعمم كنتيجة لجملة السياسات الظالمة المعمول بها، والذي وصل إلى معدلات مرتفعة ومتزايدة من انعدام الأمن الغذائي والجوع، مع ما يعنيه ذلك من تردٍّ صحي وفقدان للمناعة بمواجهة الأمراض لدى الغالبية من المواطنين، كتربة قابلة لاستنبات كل الآفات الممرضة، مع سهولة انتقالها وتفشيها بينهم!
الفتك بصحة المواطنين!
من غير الممكن بعد كل ما سبق إعفاء الجهات الرسمية المسؤولة، بما في ذلك الحكومة مع سياساتها، من واجباتها تجاه المواطنين، وخاصة المفقرين، سواء كانوا بوضع صحي سيّئ أم شبه أصحاء، على اعتبار أنه لم يبق أصحاء بين الغالبية المفقرة!
فاستمرار الحال على ما هو عليه، من لا مبالاة وتجيير للمسؤوليات وتهرب منها، بكافة القطاعات الخدمية وعلى كافة مستويات المسؤولية فيها، بالتوازي مع اللامبالاة الحكومية تجاه الغالبية المفقرة، بمعاشها وخدماتها توافقاً مع سياساتها التمييزية والظالمة بحقها، يعني أن أي مرض بسيط قادر على الفتك بصحتهم، فكيف الحال مع الأمراض الوبائية والخطرة؟!
ففي ظل استمرار سياسات الإفقار المعمم، وسياسات تخفيض الإنفاق العام الجائرة، وسياسات تكريس الفرز الطبقي المتوحشة، لن ينعم المواطنون بمعيشة وخدمات وصحة جيدة، والعكس بالعكس دون أدنى شك!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1121