صندوق الطاقات المتجددة وتمويل جيوب أصحاب الأرباح!
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

صندوق الطاقات المتجددة وتمويل جيوب أصحاب الأرباح!

مضى عام ونصف تقريباً على صدور القانون /23/ لعام 2021 القاضي بإحداث صندوق دعم استخدام الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة، والمتضمن منح قروض بدون فوائد لدعم وتشجيع مشاريع استخدام الطاقات المتجددة في كافة القطاعات (منزلية- زراعية- صناعية- تجارية- خدمية).

فماذا هي نتائج أعمال الصندوق حتى الآن، وهل تحققت غايته المرجوة، ومن المستفيد الفعلي منه؟

استقطاب اليأس والوقت المستقطع!

بعد صدور القانون أعلاه، بتاريخ 19/10/2021، صدرت تعليماته التنفيذية من قبل وزارة الكهرباء، وقد باشر الصندوق المحدث باستلام الطلبات من الراغبين بالاستفادة من الخدمات التي يقدمها في مقر الصندوق، في بناء المركز الوطني لبحوث الطاقة، وذلك اعتباراً من شهر حزيران 2022، أي بعد مضي أكثر من 8 أشهر على صدور القانون!
ومنذ حزيران 2022 وحتى نيسان 2023، أي خلال مدة 10 أشهر من مباشرة الصندوق في استلام الطلبات، تجاوز عدد الطلبات المقدمة للصندوق 22 ألف طلب، أحيل منها نحو 1300 طلب للمصارف لدراستها ومنحها التمويل اللازم، منها نحو 600 طلب أحيلت لمصرف التسليف الشعبي، وذلك بحسب ما كشف عنه «مصدر في وزارة الكهرباء» لصحيفة الوطن بتاريخ 12/4/2023.
يبدو عدد الطلبات المقدمة أعلاه، بما يعادل 2200 طلب شهرياً، رقماً كبيراً، وهو ربما يشير إلى الاستقطاب المنشود تشجيعاً على استخدام الطاقات المتجددة، لكنه بالتوازي أيضاً يشير إلى حال اليأس من تحسن الواقع الكهربائي، بل والتيئيس المستمر منه!
أما على المستوى الفعلي فإن ما تمت إحالته إلى المصارف لدراسته ومنحه التمويل اللازم من هذا الكم ما يعادل 130 طلباً شهرياً فقط، بنسبة 6% منها، وهي نسبة محدودة وضئيلة!
ولعل مشكلة تضاؤل نسبة الطلبات المحالة للتمويل من قبل المصارف ليست محصورة بعامل الزمن المستقطع أعلاه فقط، بل هناك أسباب أخرى أهم وأعمق!

صعوبات ومعيقات التكلفة المرتفعة والتضخم!

بحسب تصريح «المصدر» لصحيفة الوطن فإن: «أكثر مشكلة تواجه عمل الصندوق هي حالة التضخم في أسعار مكونات منظومة الطاقة المتجددة مثل اللواقط الشمسية والبطاريات والكابلات وغيرها.. فمتوسط تكلفة تنفيذ منظومة الطاقة المتجددة من سعة (1,5) كيلو واط هي بحدود 15 مليون ليرة وذلك تبعاً للأسعار الرائجة في السوق المحلية في حين يمكن لصندوق التمويل تركيب منظومات طاقة متجددة للاستخدامات المنزلية حتى سعات (3,5) كيلو واط ساعي لكن ذلك يرفع من قيمة الكلفة.. حيث كان مقدراً مع بداية إحداث الصندوق أن يكون متوسط كلفة تنفيذ وتركيب المنظومة المنزلية بحدود 6-7 ملايين ليرة لكن هذا الرقم بفعل عامل التضخم تضاعف وهو ما يزيد من الكتلة المالية التي يحتاجها الصندوق».
لا شك أن أرقام التكلفة أعلاه، وعوامل التضخم التي أدت إلى زيادتها، كانت من أسباب قلة عدد الطلبات المحالة إلى المصارف للتمويل والدراسة من إجمالي أعداد الطلبات المقدمة، يضاف إليها طبعاً ما يتعلق بشروط ومتطلبات منح القروض، وخاصة الملاءة المالية والحالة الائتمانية لمقدم الطلب.

على ضآلتها تشكل مبلغاً كبيراً!

بحال كانت كل الطلبات التي تمت إحالتها إلى التمويل من قبل المصارف منزلية، وبتكلفة 15 مليون ليرة لكل منها بحدها الأدنى، تبعاً للأسعار الرائجة في السوق المحلية حالياً، فإن التكلفة الإجمالية لـ1300 طلب تمت إحالته إلى التمويل تكون 19,5 مليار ليرة على أقل تقدير، فكيف الحال مثلاً بإجراء الحسابات على كل أعداد الطلبات المقدمة، والبالغة 22 ألف طلب عند الموافقة عليها، مع تنوع وزيادة السعات المطلوبة، حيث تصبح التكلفة أكثر من 330 مليار ليرة؟!
إن هذا المبلغ الملياري كتكلفة، والمفتوح على الزيادة ارتباطاً بواقع الكهرباء المزري، وبغض النظر عما يمكن أن يقال عن توظيفه لتحسين هذا الواقع وعن غياب النوايا الرسمية لتحسين التزود بالطاقة الكهربائية، ستذهب أرباحه المضمونة تقاسماً بين الجهات المنفذة للمشاريع المدعومة من قبل الصندوق، والمعتمدة من قبل (المركز الوطني لبحوث الطاقة ومجلس إدارة الصندوق)، وبين مستوردي التجهيزات والمعدات المستخدمة مثل: اللواقط الشمسية والإنفيرترات والبطاريات والكابلات وغيرها!

حسبة بسيطة

بحال كانت نسبة الأرباح فقط 50% بين الطرفين أعلاه، وبحصة أعلى للمستوردين منها طبعاً، بذريعة العقوبات والحصار وسعر الصرف وغيرها وبسبب تحكمهم بالسوق وسيطرتهم عليه، فإن الحديث يدور عن أرباح تقدر بـ10 مليارات ليرة بحدها الأدنى، وصولاً إلى مبالغ مليارية أعلى من ذلك بكثير بحسب عدد الطلبات المحالة للمصارف للتمويل تباعاً!
وهذه النسبة ليست مبالغة على الإطلاق، بل هي ضمن الحد الأدنى للأرباح على تجهيزات الطاقات المتجددة المستوردة التي أغرقت الأسواق المحلية، ليس بالمقارنة مع أسعار شبيهات هذه التجهيزات من مصادرها، بل بالمقارنة مع أسعار شبيهاتها في أسواق الدول المستوردة لها، بما في ذلك بعض دول الجوار، وبجودة ومواصفة أفضل أيضاً!

رابحون وخاسرون!

على ذلك فإن الإعفاء من الفوائد، كتشجيع ودعم لاستخدام الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة، سيحصد نتائجه المليارية أعلاه كأرباح مضمونة، والمتزايدة مع مرور الوقت وبسبب استمرار حال اليأس من التحسن الكهربائي، الجهات التالية:
كبار المستوردين بشكل رئيسي على شكل أرباح مضمونة لهم دون تحمل أية مسؤولية عن شروط المركز الوطني لبحوث الطاقة حيال ضمان جودة ومواصفات التجهيزات التي يدخلونها إلى البلاد، فغالبية المستوردات من هذه التجهيزات هي دون المستوى المطلوب بإقرار من مركز بحوث الطاقة نفسه!
الجهات المعتمدة للتنفيذ، مع عدم ضمان تقيدهم بالجودة والمواصفة لتركيب المنظومات من خلال اللجوء إلى الأساليب الملتوية (نهباً وفساداً) من أجل الحصول على المزيد من الأرباح!
المصارف المعتمدة لمنح القروض، التي ضمنت استثمار موجوداتها من الفائض المتاح للإقراض لديها، مع عمولاتها وفوائدها!
أما من سيتحمل جريرة كل ذلك كخسارة محققة فهم:
مقدمو الطلبات، وغالباً من المواطنين من أجل منظومات الطاقة المنزلية، وليس من الفعاليات الاقتصادية (صناعة- زراعة- خدمات- تجارة..)، فهذه الفعاليات غالباً قادرة على تمويل مشاريعها الطاقوية بمعزل عن الصندوق، والأهم بمعزل عن فرض جهات تنفيذية بعينها عليهم، ولعل إحالة 600 طلب إلى مصرف التسليف الشعبي من إجمالي عدد الطلبات المحالة إلى المصارف للتمويل مؤشر على ذلك!
الصندوق المحدث الذي سيتحمل تغطية الفوائد على القروض بما لا يتجاوز 14% منها، والممول بشكل رئيسي من اعتمادات الموازنة العامة للدولة، أي من جيوب المواطنين أيضاً!
فبحسب النتائج الملموسة حتى الآن، خاصة وأن البلد أغرقت بمنظومات الطاقة البديلة وتجهيزاتها السيئة استنزافاً للجيوب والموارد، يمكن القول وبراحة ضمير إن صندوق الطاقات المتجددة، وبغض النظر عمّا تضمنه من مغريات تشجيعية وإعفاءات، تم إحداثه لتمويل جيوب أصحاب الأرباح، وخاصة كبار المستوردين، وعلى أرضية الواقع السيئ للكهرباء واستثمار اليأس في تحسنها، على حساب المواطنين، كما على حساب الخزينة العامة والاقتصاد الوطني!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1118
آخر تعديل على السبت, 06 أيار 2023 22:49