مشاريع تنموية وقروض بالعملات الأجنبية.. دعاية وتسويق لمصلحة أصحاب الأرباح!
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

مشاريع تنموية وقروض بالعملات الأجنبية.. دعاية وتسويق لمصلحة أصحاب الأرباح!

تم السماح للمصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي بمنح القروض بالعملات الأجنبية لتمويل مشاريع استثمارية تنموية في الجمهورية العربية السورية، وذلك بموجب قرار مجلس النقد والتسليف رقم (169/م ن) تاريخ 04/04/2023.

وقد تضمن القرار الشروط والواجبات التي يجب التقيد بها من قبل المصارف المعنية، وكذلك الشروط والالتزامات التي يجب أن تنطبق على المقترض.

رسالة ثقة في الشكل وتسهيلات جديدة في المضمون!

القرار أعلاه يبدو شكلاً فيه إشارة إيجابية حول مقدرة المصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي، وإلى الثقة الرسمية بهذه المقدرة، وكذلك يبدو فيه تشجيع ودفع رسمي للاستثمار في المشاريع «التنموية»، وهي ربما رسالة بأن الاقتصاد أصبح أكثر قوة ومتانة!
بالمقابل فإن القرار مضموناً يمنح تسهيلات مالية ونقدية جديدة وكبيرة باسم الاستثمار لمصلحة أصحاب الأرباح عبر منحهم قروض بالعملات الأجنبية، إضافة الى ما يتمتع به هؤلاء من امتيازات وتسهيلات وإعفاءات بموجب القوانين الصادرة والمعمول بها، وخاصة قانون الاستثمار.

تساؤلات مشروعة

ما يتبادر للذهن بداية أن المصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي قد أصبح لديها كم كافٍ وفائض من هذا القطع، ما يتيح لها الإقراض بالعملات الأجنبية، وبالتالي توظيفها بمشاريع استثمارية «تنموية» تضمن المزيد من التدفقات بهذه العملات!
فهل فعلاً أصبح لدى هذه المصارف فائض بالقطع الأجنبي يمكن استثماره عبر القروض؟!
وما هي تلك المشاريع الاستثمارية «التنموية» التي تؤمن تدفقات مستمرة بالعملات الأجنبية، بما يغطي ويضمن إمكانية تسديد القروض، وبما يزيد من كتلة القطع الأجنبي بالمصارف المعنية بالمحصلة؟!

موارد محدودة وقليلة ومتراجعة ولا يعول عليها!

إن موارد القطع الأجنبي محدودة وحجمها قليل، وهي بتراجع مستمر، وهذه مشكلة قديمة ومزمنة لم ولن تستطيع السياسات النقدية (مهما كانت إيجابية وجيدة) أن تعالجها منفردة، إن لم تتغير جملة السياسات الاقتصادية الليبرالية، المطبقة بالشكل الأكثر تشوهاً وانحيازاً لمصلحة كبار أصحاب الأرباح على حساب الغالبية المفقرة من السوريين والاقتصاد الوطني، وخاصة ما يتعلق بالإنتاج الحقيقي (الزراعي والصناعي) باعتباره محركاً أساسياً للاقتصاد، ومنتجاً رئيسياً للثروات، ويساهم في تخفيض فاتورة المستوردات!
فجزء من الموارد يتم من خلال استقطاب حوالات السوريين في الخارج، والتي يشك بإمكانية التعويل عليها بغرض الإقراض!
فالزيادة الكمية فيها حصلت مؤخراً ومتأخراً، ولا أحد يعلم إن كانت كافية وصولاً إلى فائض متاح منها للإقراض، فلا شفافية ووضوح بحجم هذه التدفقات، كذلك لا توجد ثقة باستمرار تدفقاتها أو بزيادتها في ظل استمرار التنافس بين المركزي والسوق الموازي على استقطابها!
والجزء الآخر من الموارد يتم من خلال عمليات التصدير لبعض المنتجات والسلع محلية الصنع باسم القائمين على عمليات التصدير من أصحاب الأرباح ولمصلحتهم، وبعضه مخصص ومقيد لتمويل بعض المستوردات سلفاً، وهذا الجزء متضائل ومتراجع، بالتوازي مع تراجع الإنتاج الحقيقي عاماً بعد آخر، سواء الزراعي أو الصناعي، وبالتالي يشك بإمكانية التعويل عليه لمنح قروض بالعملات الأجنبية!
وما تبقى من موارد أخرى تعتبر قليلة نسبياً ولا يعول عليها أيضاً، فهي تتأتى من خلال بعض الرسوم، أو المساعدات الدولية المبوّبة سلفاً في مطارح صرفها!

القليل يكفي!

وعلى اعتبار أن القرار صدر، برغم واقع موارد القطع الأجنبي المحدودة والضئيلة المبينة أعلاه، فيبدو أن المتوفر والمتاح من هذا القطع، على قلته ومحدودية مصادره، هو المستهدف من متنه، وهو ما سيتم السعي إلى استنزافه عبر القروض، وربما بأسرع وقت ممكن!
فالقليل المتوفر من هذا القطع في المصارف المرخص لها التعامل به يبدو أنه فتح شهية أصحاب الأرباح كي يستحوذوا عليه، فما تم تجميعه من عملات أجنبية خلال الفترات السابقة في المصارف المرخص لها التعامل بها، وخاصة المصرف التجاري السوري باعتباره الأكبر والأهم، وبغض النظر عن مصادرها، تم شرعنة تحويلها إلى حسابات أصحاب الأرباح بشكل رسمي، عبر الإقراض بموجب القرار أعلاه!
ولم لا.. فالغطاء القانوني لهذا الاستحواذ تم استكماله، فقانون الاستثمار بوابة مشرعة، والقرار الجديد أعلاه وسع هذه البوابة بما يكفي لضمان المزيد من الأرباح!
فمن المفروغ منه أن القروض الجديدة بالعملات الأجنبية سيستفيد منها بعض كبار أصحاب الأرباح المحظيين، كما غيرها من القروض تحت عناوين الاستثمار، وبغطاء قانون الاستثمار!
ولعل كل ذلك يسقط ادعاءات استقطاب العملات الأجنبية والسعي إلى زيادتها بغايات تمويل مستوردات المواد الأساسية، حيث يتبين أن الغايات هي تمويل جيوب كبار أصحاب الأرباح، مع ضمان المزيد من جني الأرباح لمصلحتهم!

المصير غير المضمون!

تضمّن القرار بعض الشروط والالتزامات، وعددها 12 شرطاً، بعهدة ومسؤولية المصارف، وبحدود واجباتها ومسؤولياتها، بما يتعلق بالمقترض وطبيعة المشروع الاستثماري، وضمان التدفقات النقدية بالعملات الأجنبية منه، مع ضمان آجال ومواعيد التسديدات، وغيرها من الشروط الأخرى.
وبغض النظر عن الاشتراطات والشروط في منح القروض وضوابطها المبوبة في متن القرار أعلاه، فربما تكون عوامل التضخم لوحدها كافية لتحقيق الأرباح منه، بغض النظر عن المشروع وطبيعته ومراحل تنفيذه، ونتساءل:
هل ستختلف القروض الجديدة بالعملات الأجنبية عن غيرها من القروض الممنوحة بالليرة السورية، بما يتعلق بمصيرها ومآلها، وخاصة بحال التعثر والاضطرار بالتالي للجوء إلى التسويات والإعفاءات، وغيرها من الإجراءات بغاية تحصيل ما يمكن تحصيله منها، بعد تآكلها بفعل عوامل التضخم؟

المشاريع التنموية

المشاريع التنموية التي صدر القرار باسمها ليست إنتاجية فقط كما يتصور البعض، وكما تفرضها الضرورات الاقتصادية، حيث يمكن أن تكون ذات طبيعة إنتاجية أو خدمية.
فالشرط المرتبط بذلك بموجب القرار أعلاه «أن يكون للمشروع أنشطة وخدمات اقتصادية تصديرية أو خدمية تؤدي إلى تحصيل تدفقات نقدية بالعملة الأجنبية».
ففي ظل واقع الإنتاج وصعوباته ومعيقاته، بما في ذلك حجم التصدير منه، يشك أن تضخ الاستثمارات في مشاريع إنتاجية حقيقية تضمن تدفقات نقدية بالعملات الأجنبية، وبالتالي من المتوقع أن المشاريع التي من الممكن أن يتم التقدم لتمويلها عبر القروض بالعملات الأجنبية بموجب القرار الجديد أعلاه ستكون خدمية فقط، وطبيعة هذه المشاريع ربما ستكون سياحية وترفيّة وسريعة الأرباح، لتضاف إلى ما هو موجود منها مسبقاً، كي تحقق شرط تحصيل تدفقات نقدية بالعملة الأجنبية.
ولا ندري مدى انطباق مفردة «تنموية» على مثل هذه المشاريع، بحال تم تنفيذها فعلاً، ولم يتم سحب القروض من أجلها دون تنفيذ طبعاً؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1117
آخر تعديل على الأحد, 09 نيسان/أبريل 2023 22:02