رسم دولاري مبتكر يضمن مصالح أصحاب الأرباح أيضاً!
أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العملي، عبر صفحتها الرسمية بتاريخ 3/4/2023، عن آلية التأكد من صحة الشهادات السورية عن طريق الشركات والمؤسسات، والتي تتم عبر «الإيميل».
وقد صدر عن الوزارة قراران بهذا الشأن:
الأول، يتضمن تحديد رسم التأكد من صحة الوثائق بالدولار (20 دولاراً لكل وثيقة)!
والثاني يتضمن آلية العمل والمسؤوليات والواجبات بهذا الشأن، على مستوى الوزارة والمؤسسات التعليمية التابعة لها، والشركات المعتمدة لتقديم الخدمة!
الشريحة المستهدفة هم السوريون في الخارج
على الرغم من اللغط والالتباس الذي جرى عند البعض بما يخص القرار والآلية والرسم الدولاري المفروض، إلا أنه من الواضح أن المعنيين هم السوريون الموجودون في بعض الدول خارج البلاد، ممن يحتاجون إلى التأكد من صحة الوثائق الجامعية الخاصة بهم لاستخدامها في هذه الدول، سواء كان ذلك من أجل استكمال الدراسة أو للعمل، أو لأية غاية أخرى.
فالقرار والآلية المعتمدة عبارة عن «خدمة مأجورة» تبدو بغاية تسهيل وتيسير شؤون ومعاملات السوريين في الخارج بما يخص الوثائق الصادرة عن المؤسسات التعليمية التابعة لوزارة التعليم العالي والجهات التابعة لها، أو المرتبطة بها، والتي تتطلب التأكد من صحتها، ويبدو أن ذلك بات ضرورياً ومطلوباً على ضوء اكتشاف بعض عمليات التزوير في بعض الوثائق المتداولة خارجاً والخاصة بالوزارة أو المؤسسات التعليمية التابعة لها، والتي سبق أن تم تسليط الضوء عليها (داخلاً وخارجاً) عبر الكثير من وسائل الإعلام.
لكن هل المستفيد من هذه الخدمة هي الشريحة المستهدفة منها فقط من السوريين في الخارج لقاء تسديد الرسم أعلاه، أم أن أصحاب الأرباح ضمنوا لأنفسهم حصة إضافية منها أيضاً؟!
بعض التفاصيل!
وفي تفاصيل الآلية، بحسب ما ورد على الموقع الرسمي للوزارة، يتبين أن الوزارة كانت قد أصدرت القرار رقم 11/ وتاريخ 12/3/2023 والذي حدد بموجبه رسم التأكد من صحة الشهادات ومصدقات التخرج وكشوف العلامات أو أية وثيقة جامعية صادرة عن الجامعات والمعاهد السورية بمبلغ وقدره 20 دولاراً عن كل وثيقة.
وقد تبع القرار أعلاه صدور القرار رقم 191 تاريخ 23/3/2023 والمؤلف من 17 مادة، تتضمن بعض التفصيلات حول الوثائق المراد التأكد من صحتها، مع آليات العمل والمسؤوليات والواجبات بما يخص مديرية شؤون الطلاب في الوزارة، والمؤسسة التعليمية المعنية، والشركة أو المؤسسة التي يتم عن طريقها التقدم بطلب التأكد من صحة الوثائق.
الآلية المعتمدة استندت إلى أحكام قانون تنظيم الجامعات رقم 6 لعام 2006 ولائحته التنفيذية في اعتماد الرسم المبين آنفاً، والذي قد يندرج ضمن بند «رسم مكتب الخدمات الجامعية» الوارد من ضمن بنود أنواع الرسوم المحددة والمبوّبة بموجب الفصل الثالث من اللائحة التنفيذية!
ولا ندري إن كان ذلك مشروعاً وصائباً؟!
فمن المفترض أن أي رسم يتم فرضه على السوريين، داخلاً أو خارجاً، يجب أن يتم من خلال قانون، فكيف إن كان هذا الرسم بالدولار؟!
استسهال فرض الرسوم!
لا شك أن خدمة التأكد من صحة الوثائق هي من الخدمات المستجدة التي فرضتها الحاجة والضرورة للسوريين المقيمين خارجاً، لكن من قال إن كل خدمة يجب أن تقترن برسم؟!
فالآلية المبتكرة أعلاه عبر فرض رسم دولاري لقاء الخدمة المستجدة فيها الكثير من الاستسهال بموضوع فرض الرسوم، والتي لا يمكن إدراجها إلا ضمن خانة استغلال حاجة السوريين وابتزازهم!
بالمقابل تجدر الإشارة إلى أن هذا الاستسهال من قبل وزارة التعليم العالي في فرض الرسم الدولاري الجديد والكبير أعلاه ينسجم تماماً مع سياسات الحكومة بما يتعلق بآليات وطرق الجباية وزيادة الموارد، والتي غالباً ما تكون من جيوب المفقرين وعلى حسابهم، وليس من جيوب كبار أصحاب الأرباح كما هو مفترض، بل على العكس فهؤلاء معفيون رسمياً من الكثير من الضرائب والرسوم، وبشكل مقونن ومشرعن!
شركات خارجية خاصة معتمدة ومحظية!
بغض النظر عن طبيعة الخدمة وضرورتها بالنسبة لبعض السوريين في الخارج كشريحة مستهدفة منها، وبغض النظر عن مشروعية وقانونية فرض الرسم من عدمه، فمن الواضح أن هناك بعض الشركات المحظية في الخارج، الموجودة أو التي سيتم إحداثها، والتي سيعهد لها تقديم هذه الخدمات لتستفيد منها على حساب السوريين في الخارج!
أي إن مصالح أصحاب الأرباح تم تمريرها وضمانها باسم هذه الخدمة عملياً، بسلاسة وبلا صخب!
فالخدمة المأجورة للشريحة المستهدفة من السوريين في الخارج، ستتم من خلال بعض الشركات الخارجية الخاصة والمختصة، وليس من قبل أصحاب العلاقة المعنيين مباشرة!
فقد أجاز القرار لوزارة التعليم العالي «عقد اتفاق مع الشركات المختصة»، وذلك بحسب المادة 16 منه. وبموجب المادة 7 لا يجوز لأية مؤسسة تعليمية سورية مراسلة أية جهة خاصة مؤسسة أو شركة بخصوص التأكد من صحة الشهادات الصادرة عنها إلا وفق أحكام القرار!
أي إن العمل وفقاً للآلية أعلاه أصبح ممركزاً بيد وزارة التعليم العالي فقط لا غير، ومن خلال الشركات التي تتفق معها حصراً!
وبحسب المادة 12 يتوجب على الشركة أن ترفق مع طلب التأكد صورة مصدقة عن التوكيل أو التفويض من صاحب العلاقة (صاحب الوثائق أو الشهادات) حديث العهد (لم يمض علية أربعة أشهر) مرفقاً به صورة عن البطاقة الشخصية أو صوره عن جواز السفر لصاحب العلاقة!
أي هناك أعباء ونفقات إضافية ووقت مهدور على حساب أصحاب العلاقة أيضاً!
على ذلك فإن الأمر بالنسبة للسوريين في الخارج لن يقف عند حدود مبلغ 20 دولاراً لتتحول إلى حساب وزارة التعليم العالي لقاء التأكد من صحة كل وثيقة (على الرغم من ارتفاع هذا الرسم بشكل مبالغ فيه) بل سيضاف إلى هذا المبلغ هامش إضافي (دولاري طبعاً) لمصلحة الشركة التي سيتم الاتفاق معها من قبل الوزارة كجهة معتمدة لتقديم هذه الخدمات!
ليس ذلك فقط، بل تضمنت الآلية أيضاً أن الرسم المحدد في متن القرار يستوفى في كل مرة يطلب فيها التأكد من الشهادات والوثائق، سواء تم التأكد منها سابقاً أم لأول مرة، وذلك بحسب المادة 9!
أي مزيد من الجباية والاعباء المالية على حساب السوريين خارجاً!
ولكم أن تتخيلوا حجم المبالغ المرقومة دولارياً تنفيذاً لمضمون الآلية المبتكرة، والمجباة من جيوب السوريين لتوزع تقاسماً بين وزارة التعليم العالي وبعض الشركات المحظية الخاصة!
فرصة استنزاف وتكسب!
إن السوريين في الخارج، المضطرين للتأكد من صحة وثائقهم الجامعية رغماً عنهم (فهؤلاء غير مسؤولين عن إثبات صحة الوثائق من عدمها، فهذه المهمة من واجبات ومسؤوليات الوزارة مع غيرها من الجهات الرسمية الأخرى كما هو مفترض، وليست خدمة مقدمة لهؤلاء) سيتكبد كل منهم مبالغ بمئات الدولارات لقاء هذه الخدمة التي من المفترض أن تكون معفية من الرسوم، أو محدودة ومنصفة وبالحد الأدنى، وليست وكأنها فرصة إضافية لاستنزافهم، مع ترك الحبل على غاربه بما يخص بدلات الخدمة الإضافية والعمولات التي ستفرضها عليهم الشركات الخاصة المعتمدة والمحظية، والتي قد تشكل حالة احتكارية بتقديمها لهذه الخدمات كي تتكسب من خلالها بسهولة مع ضمان أرباحها على حساب استغلال ضرورات السوريين في الخارج!
فالجانب التنفيذي من آلية التأكد من صحة الشهادات السورية بحسب التعليمات الصادرة، أتاح لوزارة التعليم العالي ضمان إيرادات دولارية دائمة، وكذلك أتاح ضمان أرباح سهلة وسريعة (دولارية أيضاً) لبعض الشركات المحظية التي سيتم الاتفاق معها باسم هذه الخدمة، وهذه وتلك من الإيرادات والأرباح ستجبى من جيوب السوريين وعلى حساب ضروراتهم (استغلالاً ونهباً وفساداً) كما جرت العادة طبعاً!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1117