مرسوم مع وقف التنفيذ.. والهزل الرسمي!
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

مرسوم مع وقف التنفيذ.. والهزل الرسمي!

صدر المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2023، والذي يقضي بمنح إعفاءات خاصة للمتضررين من الزلزال، بتاريخ 12/3/2023، وقد حظي المرسوم بتغطية إعلامية حكومية منقطعة النظير لا تخلو من التمنين، مع الكثير من التضخيم لمضمونه!

وقد أعقب صدور المرسوم عقد عدة اجتماعات حكومية، أفردت جزءاً منها للحديث عنه، وبأنه: «مقدمة لحزمة من الإجراءات التي يتم العمل عليها لمعالجة تداعيات الزلزال من جميع النواحي»!
لكن هل تعلم عزيزي المواطن أن التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي آنف الذكر لم تصدر حتى تاريخه، ما يعني أنه ما زال حبراً على ورق، ولم يستفد المتضررون من أية حيثية من مضمونه؟!
وبالتالي فإن الحديث عن حزمة حكومية من الإجراءات اللاحقة للمرسوم، على اعتباره مقدمة لها، هو إضافة بغايات إعلامية مفرغة من محتواها سلفاً!

واجبات مبوبة بلا مسؤوليات!

بوّب المرسوم، كما غيره من المراسيم المشابهة، بمادة منفصلة مهمة وضع التعليمات التنفيذية له بعهدة وزير المالية، وبمسؤوليته.
فقد تضمنت المادة 18 من المرسوم ما يلي: «يصدر وزير المالية التعليمات التنفيذية اللازمة لتنفيذ أحكام هذا المرسوم التشريعي بالتنسيق مع وزير الإدارة المحلية والبيئة وحاكم مصرف سورية المركزي».
وقد مضى على صدور المرسوم 22 يوماً حتى الآن، وعلى ما يبدو أنه لم يتح لوزير المالية، وللمعنيين والمسؤولين معه بموجب المادة أعلاه، الوقت اللازم للتنسيق فيما بينهم من أجل إصدار التعليمات التنفيذية له!
والنتيجة أن أحكام المرسوم وغايته وأهدافه، مع كل البهرجة والتضخيم لها، ما زالت خارج التغطية الحكومية بمهامها وواجباتها ومسؤولياتها، مع العلم أن رئيس الحكومة كان قد «طلب من جميع الوزارات البدء مباشرة بإجراءات التعاطي مع بنود المرسوم وفقاً لاختصاص وعمل كل وزارة والمتابعة المستمرة لتجاوز آثار الزلزال وإعادة النشاط الاقتصادي والاجتماعي والخدمي إلى المناطق المنكوبة»، وذلك خلال جلسة الحكومة المنعقدة بتاريخ 14/3/2023!
ولا نعلم كيف من الممكن للوزارات والجهات المعنية «البدء مباشرة بإجراءات التعاطي مع بنود المرسوم» طالما لم تصدر تعليماته التنفيذية؟!
فرئيس الحكومة يعلم، كما غيره من الوزراء وبقية المسؤولين الحكوميين، بأن طلبه أعلاه غير قابل للتحقق؟!
بمطلق الأحوال يبدو أن الواجبات المبوبة بموجب مواد واحكام المرسوم لا مسؤولية جدية حيالها، اعتباراً من واجبات إصدار التعليمات التنفيذية، والتي لا تقف حدود مسؤولياتها عند وزير المالية ومن معه فقط، بل تتعداها إلى كل الحكومة مجتمعة، فحيثيات مضمون مواد المرسوم على المستوى التنفيذي مرتبطة بالكثير من الجهات الحكومية!

في العجلة الندامة!

من الواضح أن عامل الزمن الضاغط على المتضررين والمنكوبين من الزلزال ليس كذلك بالنسبة للحكومة، والأمر بهذا السياق لا يقف عند حدود ما يمكن أن يستفيد منه هؤلاء من حيثيات المرسوم «المجمد» أعلاه فقط!
على الطرف المقابل ربما تجدر الإشارة إلى أن بعض المراسيم والقوانين الصادرة، وخاصة تلك التي تصب بمصلحة أصحاب الأرباح، تصدر تعليماتها التنفيذية مباشرة أو بعد وقت قصير جداً، وغالباً ما تكون معدة مسبقاً، بحيث يتمكن هؤلاء من الاستفادة منها بأسرع وقت!
فعامل الزمن المحسوب بالنسبة لشريحة أصحاب الأرباح له الأولوية لدى الحكومة، على العكس من عامل الزمن المرتبط بمصالح الغالبية المفقرة، بما في ذلك أخيراً المتضررون والمنكوبون من الزلزال!
فالحكومة ليست في عجلة من أمرها على الإطلاق، والدليل المستجد على ذلك أنها ما زالت في طور الاتفاق على بعض التعريفات والتوصيفات المتعلقة بآثار وأضرار الزلزال حتى الآن!
فخلال اجتماع برئاسة رئيس الحكومة بتاريخ 28/3/2023 جرى النقاش حول: «مشروع التوجهات الأساسية لخطة العمل الوطنية للتعاطي مع تداعيات كارثة الزلزال متضمنة المفاهيم والمعايير والتعريفات والتوصيفات المتعلقة بآثار وأضرار الزلزال، والتي تشكل مرجعيةً واحدةً لجميع الجهات المعنية لمواجهة تداعيات الكارثة».
فالكارثة مضى عليها ما يقارب شهرين حتى الآن، والوقت المهدور على حساب المتضررين واستمرار كارثتهم تتم إضاعته رسمياً للاتفاق على التعاريف والتوصيفات والمعايير، وما إلى ذلك من هزل!
ويمكن للمتابع العودة إلى صفحة الحكومة بالتاريخ أعلاه ليقرأ تتمة مجريات النقاش الرسمي، والتي لا يمكن وصفها إلا بأنها حشو لكلام غير مفهوم، يُشك أن الحاضرين أنفسهم قد فهموا منه أي شيء، بل لم يصدر بنتيجة الاجتماع أعلاه أي قرار يمكن التعويل عليه!
فهل من استخفاف رسمي بالمتضررين والمنكوبين أكثر من ذلك؟!

ملاحظات جدية مقابل الهزل الرسمي

لعله من الضروري تسليط الضوء على الهزل الحكومي الذي لم يجمد ويفرغ المرسوم من محتواه فقط، بل بات من الصعب إصدار تعليماته التنفيذية!
فالحديث الإعلامي الرسمي عن المرسوم ضخم كثيراً موضوع الإعفاءات بمتنه، وصولاً إلى الترويج بالحديث عن الإعفاء من فوائد القروض الممنوحة بموجبه، مع العلم أن المرسوم لم يتضمن أية مادة تشير صراحة إلى هذا الإعفاء، على العكس من صراحة ووضوح الإعفاءات الأخرى المبوبة في مواد منفصلة كلاً على حدة!
وقد سبق أن أشرنا في مادة بعنوان: «مرسوم التحلل من المسؤوليات والتخلي عن الحقوق بتاريخ 23/3/2023 أن: «المرسوم لم يعفِ القروض من الفوائد عليه، بل تم إعفاؤها من رسم الطابع فقط»، ومع ذلك فقد كانت الدعاية الحكومية والرسمية تقول عكس ذلك، وما زالت!
فالهزل الحكومي والاستهتار بالحقوق، بالتوازي مع الجرعات التضخيمية للعمل الرسمي على المستوى الإعلامي بما يخص المرسوم، أوقع الحكومة والرسميين في مطب من الصعب التخلص منه!
فهل سيتمكن وزير المالية، الذي بعهدته إصدار التعليمات التنفيذية للمرسوم، أن يمرر ضمنها ما هو مخالف لمضمون مواده بما يخص الإعفاء من فوائد القروض وبما يتوافق مع الدعاية والبهرجة الإعلامية التضخيمية الرسمية المصاحبة له، علماً أن ذلك لم يبوب بأية مادة فيه؟!
لا شك أن ذلك من الصعوبة بمكان، فحتى إن تضمنت التعليمات ذلك (بحال صدرت طبعاً)، فإن القائمين على التنفيذ كجهات حكومية، وخاصة المصارف، لن تلتزم إلا بما نصت عليه مواد المرسوم صراحة ووضوحاً!
والحال كذلك فإن كل ما تضمنه المرسوم من إعفاءات وميزات لن يتم التمكن من الاستفادة منها من قبل المتضررين والمنكوبين طالما لم تصدر تعليماته التنفيذية!
فمن الواضح أن الهزل الحكومي واللامسؤولية الرسمية تجاه المنكوبين من الزلزال أضاع على هؤلاء حقوقهم الأساسية المتمثلة بالتعويض عليهم بمساكن بديلة دائمة، وتحميل المسؤولين عن زيادة الأضرار التي أصابتهم ما يجب أن يحملوه من واجبات تجاههم، كتعويضات منصفة بالحد الأدنى، إن لم نقل محاسبتهم، وخاصة المتعهدين والمقاولين والبلديات وغيرهم، وفوق كل ذلك تم تفويت الفرصة على هؤلاء حتى بالاستفادة من بعض الإعفاءات التي تم تمنينهم بها بموجب المرسوم «المجمد» دون جدوى!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1116
آخر تعديل على الأحد, 02 نيسان/أبريل 2023 21:46