مهام مكررة وهيكل إداري جديد.. ولأصحاب الأرباح نصيبهم!
سمير علي سمير علي

مهام مكررة وهيكل إداري جديد.. ولأصحاب الأرباح نصيبهم!

خلال جلسة «استثنائية» لمجلس الوزراء بتاريخ 4/3/2023 لمناقشة الإجراءات الخاصة ببرامج تنفيذ خطة العمل الوطنية للانتقال إلى مرحلة التعافي والتعامل مع تداعيات وآثار الزلزال، تم تحديد التوجهات على المدى الاستراتيجي والبرامج المطلوبة من الوزارات والجهات المعنية، للتقليل من آثار الكوارث الطبيعية مستقبلاً، من النواحي الإنشائية والهندسية والإنسانية والاقتصادية.

الجلسة أعلاه، بمناقشاتها وتوجهاتها، لا جديد فيها يتوافق مع استثنائيتها تحت عنوان «الانتقال إلى مرحلة التعافي والتعامل مع تداعيات وآثار الزلزال»، وربما ما يسجل على أنه جديد، يتمثل بالسعي لإحداث هيكل إداري وتنظيمي حكومي جديد، وفسح المجال أمام شركات التأمين، وأصحاب الأرباح من خلفها، للاستفادة والتربّح من الكوارث الطبيعية!

القديم المكرر!

خلال الجلسة، جرى ماء كثير، مُعاد ومكرر خلال الجلسات السابقة، وبكل اختصار، لم يرد أي جديد يمكن إيراده بما يخص المتضررين من كارثة الزلزال وحقوقهم، لا على المدى القريب، ولا على المدى الاستراتيجي البعيد!
ومن ضمن التوجيهات القديمة التي تم تكرارها وإعادة تبويبها لتبدو جديدة خلال الجلسة الاستثنائية أعلاه، كانت البنود التالية:
إعادة النظر بالكود السوري الخاص بالزلازل.. وربط منح التراخيص الجديدة للبناء بإجراء الدراسات الزلزالية.
إن البند أعلاه، يمثل أعباءً مالية وإدارية لإعادة دراسة ما هو مدروس مسبقاً، مع الوقت اللازم لإنجاز المطلوب، مع العلم أن المشكلة ليست بالكود السوري الخاص بالزلازل المعتمد، بل بالمسؤولين عن تطبيقه والإلزام بتنفيذه من قبل الجهات المخولة بذلك (الرسمية وغير الرسمية)، ولا ندري ما هي الضمانات بذلك الإلزام بعد إعادة النظر بهذا الكود، طالما بقيت كل الأمور الأخرى المتعلقة بهذا الأمر على حالها، نهباً وفساداً ونفوذاً؟!
ضرورة تحديد الأبنية المنهارة المسموح إعادة بنائها وفق نظام ضابطة البناء المعتمد.
من الواضح، أن عدم التقيّد بنظام ضابطة البناء المعتمد كان من أسباب زيادة آثار كارثة الزلزال وأضرارها، ولعله من المفترض ألا يقتصر التأكيد على تطبيق نظام ضابطة البناء المعتمد على الأبنية المنهارة المسموح بإعادة بنائها فقط، إلا إذا كان المطلوب من البند أعلاه زيادة الإعاقات على المتضررين بهذا الشأن!
تقييم الأبنية في المناطق الواقعة على الفوالق الزلزالية لزيادة متانتها هندسياً.
إن المطلوب بهذا السياق، ليس تقييم وزيادة متانة الأبنية في المناطق الواقعة على الفوالق الزلزالية فقط، بل الحد والتقليل من زيادتها في هذه المناطق، وخاصة المجمعات السكنية، والمضمون أعلاه ليس جديداً، فقد سبق أن تم الحديث عنه مراراً وتكراراً خلال السنوات الماضية، وتحديداً بعد اعتماد الكود السوري الخاص بالزلازل!
وضع خطة سنوية للتحضير والاستجابة والتدخل السريع أثناء الكوارث.. وتخصيص ميزانية دائمة احتياطية للحالات الطارئة في الموازنة العامة للدولة سنوياً.
إن البند أعلاه يشكل استفاقة متأخرة جداً للحكومة، بعد 12 عاماً من الكارثة التي يعيشها السوريون، وخاصة على المستوى الإنساني، ويبين أن الحكومة، وحتى تاريخه، لا تعتبر ما نحن فيه كارثة مستمرة ومتفاقمة، وتحتاج لتخصيص ما يلزم من ميزانيات احتياطية سنوية من أجلها!

هيكل إداري جديد!

من ضمن التوجهات، على المدى الاستراتيجي، جرى الحديث عن إحداث هيكل إداري حكومي جديد، فقد تم التوجيه خلال الجلسة الاستثنائية بالتالي:
دراسة إحداث مركز وطني لإدارة الكوارث، مهمته تنفيذ سياسة الدولة فيما يخص الإجراءات اللازمة لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، ووضع المعايير والأنظمة واللوائح المتعلقة بعمله، إضافة إلى خطة وطنية موحدة للاستجابة لحالات الطوارئ، وفق سيناريوهات المخاطر الناجمة عن الكوارث الطبيعية وغيرها، وتقرير مدى الحاجة لإحداث بنية منظمة جديدة في ضوء البنى القائمة حالياً، والمهام المناطة بها أصولاً.
لعل ما يسجل للحكومات المتعاقبة منذ عقود، وصولاً إلى الحكومة الحالية، أنها تبرع بإحداث الهياكل الإدارية الجديدة، كما تبرع بإعادة هيكلة القائم منها، بغض النظر عن الضرورة والفاعلية من ذلك، وبغض النظر عن تقاطعات المهام، أو تناقضها أحياناً، فيما بين الهياكل القائمة والمحدثة، أو المعاد هيكلتها، والتوجيه الحكومي أعلاه لا يخرج عن هذا السياق.
فالمهام التي يمكن أن تُوكل للهيكل الإداري المزمع إحداثه باسم «المركز الوطني لإدارة الكوارث» تعتبر من ضمن مهام الحكومة وجهاتها التابعة افتراضاً، ولعل من الأجدى قبل إحداث مثل هذا الهيكل الإداري الجديد، هو توضيح سياسة الدولة نفسها بما يتعلق بمهامها على مستوى «الإجراءات اللازمة لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث»!
فلو كانت هذه السياسة موجودة وواضحة مسبقاً لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ليس على مستوى آثار وتداعيات كارثة الزلزال فقط، بل على مستوى كل الأزمات التي نعاني منها ونعيش تفاصيلها، والمستمرة تفاقماً حتى الآن!

لأصحاب الأرباح حصتهم المضمونة!

لم يغب عن اجتماع الحكومة الاستثنائي إبراز حرصها على مصالح أصحاب الأرباح، وتجيير جزء من آثار الكارثة لمصلحتهم!
فمن ضمن التوجهات كان البند التالي:
إعداد دراسة لطرح منتج تأميني ضد الكوارث الطبيعية.
إن هذا البند يمثل حرص الحكومة على تأمين مصالح أصحاب الأرباح، المتمثلين بشركات التأمين الخاصة، بذريعة الكوارث الطبيعية وعلى حساب المتضررين منها، على شكل منتج تأميني جديد يضمن لأصحاب الأرباح حصولهم على المزيد من فرص التكسب والتربح المضمونة والسهلة!
على الطرف المقابل، فإن هذا المنتج التأميني الجديد سيكون بوابة جديدة للحكومة كي تتنصل أكثر من مسؤولياتها، وبحيث تصبح علاقة المتضررين من الكوارث مع شركات التأمين، بمعزل عن دور الدولة والحكومة، في تحلل رسمي من الواجبات المفترضة بهذا الشأن!
ولن نبالغ إن قلنا: إن البند أعلاه هو الوحيد ربما الذي سيتم وضعه بالتنفيذ بأسرع وقت ممكن، من ضمن البنود التي تم طرحها خلال الجلسة الاستثنائية للحكومة!
لا تعافي مع الاستمرار بنفس السياسات!

إن العنوان الحكومي الكبير للجلسة الاستثنائية أعلاه، والمتمثل بـ «برامج تنفيذ خطة العمل الوطنية للانتقال إلى مرحلة التعافي، والتعامل مع تداعيات وآثار الزلزال»، هو عنوان عريض وفضفاض وخلبي، وغايته إعلامية تكسبية فقط لا غير، كي تبدو الحكومة وكأنها تعمل وتبذل جهودها، ومسخرة إمكانات الدولة من أجله، فيما تُكرس بالمقابل تنصلها من مسؤولياتها وتحللها من واجباتها يوماً بعد آخر، ولا أدل على ذلك من أنها لم تصدر أية قرارات جدية حتى الآن تتناسب مع هذا العنوان، وبما يؤمن ويضمن بعض الحقوق للمتضررين من كارثة الزلزال!
فلا تعافٍ حقيقي يمكن استشرافه بظل الاستمرار بنفس السياسات الليبرالية المطبقة، والتي تعتبر أصلاً من مسببات كل الأزمات والموبقات التي نعيشها ونعاني منها، والمستمرة بنتائجها الكارثية على كافة المستويات، بما في ذلك كارثة الزلزال الأخيرة، بجزء من مسبباتها بالحد الأدنى المتمثلة بعوامل الفساد وبالتخلي الرسمي عن الواجبات بخصوص سياسات السكن والإسكان، وبنتائجها وآثارها، بما في ذلك غض الطرف عن محاسبة المسؤولين عن زيادة الأضرار، تقصيراً وفساداً ونهباً، وفرض ما يجب أن يتحملوه من تعويضات للمتضررين على أقل تقدير!
فالسياسات المعتمدة والمطبقة، والمجربة منذ عقود وحتى تاريخه، والمُجيّرة لمصالح كبار أصحاب الأرباح والفاسدين فقط لا غير، عاجزة عن تحقيق التعافي المطلوب، بما يحقق مصالح الغالبية المفقرة من السوريين والمصلحة الوطنية، والتخلص منها هو بوابة العبور نحو التعافي الحقيقي، وصولاً إلى التغيير الجذري والعميق والشامل المنشود!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1112
آخر تعديل على الإثنين, 06 آذار/مارس 2023 10:38