بعد شهر على الكارثة ماذا أنجز حكومياً.. وماذا عن حقوق المتضررين؟!
مضى شهر على كارثة الزلزال، تم خلاله عقد عشرات الاجتماعات الحكومية، بالإضافة إلى العديد من الجولات الميدانية والاجتماعات على مستوى المحافظات المنكوبة، وكذلك تم تشكيل الكثير من اللجان المركزية والفرعية، وكل ذلك تحت عنوان الكارثة وباسم المتضررين والمنكوبين!
فما هي النتائج الملموسة بالنسبة لهؤلاء المنكوبين والمتضررين حتى الآن، وما هي إستراتيجية التعامل مع ضروراتهم وحقوقهم ومستقبلهم؟!
مئات الآلاف من المتضررين!
عقدت اللجنة العليا للإغاثة اجتماعاً بتاريخ 2/3/2023، برئاسة وزير الإدارة المحلية والبيئة، ناقشت خلاله «ما تم تنفيذه من إجراءات في إطار الاستجابة المنظمة لمواجهة تداعيات وآثار الزلزال».
وقد حضر الاجتماع وزراء التربية والصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والموارد المائية والزراعة والإصلاح الزراعي ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي والمدير العام للهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب ورئيس منظمة الهلال الأحمر العربي السوري والرئيس التنفيذي للأمانة السورية للتنمية وممثلو وزارات الخارجية والداخلية والدفاع.
ومن ضمن ما تم استعراضه من بيانات عن الأضرار والمتضررين، بحسب ما ورد على صفحة الحكومة، ما يلي:
بلغ عدد الأسر المتضررة المسجلة 91,794 أسرة، بعدد أفراد 414,304.
بلغ عدد الناجين الذين تم إنقاذهم من تحت الأنقاض 1,553 شخصاً، والمفقودين 6 أشخاص.
بلغ عدد المباني غير الآمنة للعودة وغير القابلة للتدعيم 4,444 مبنى.
بلغ عدد المباني التي تحتاج إلى تدعيم لتصبح آمنة للعودة 29,751 مبنى.
بلغ عدد المباني الآمنة وتحتاج إلى صيانة 30,113 مبنى.
تم هدم 292 مبنى آيلاً للسقوط حفاظاً على الأرواح.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن البيانات الرقمية أعلاه عن الأضرار والمتضررين غير مستكملة حتى الآن!
فبحسب التقرير «يتم استكمال المسح للمباني بالتنسيق بين لجان السلامة الإنشائية ولجان الدعم الفني»، ما يعني أن أعداد المباني غير الآمنة قابل للزيادة، أي مزيد من أعداد المتضررين المتوقعين، أسراً وأفراداً!
الإنجازات المتواضعة!
وعلى مستوى الإنجازات، بحسب التقرير، فقد ورد التالي:
يتم تجهيز مراكز إيواء جديدة وفق الضوابط المعمول بها.
يتم تجهيز المواقع المقترحة لإنجاز وحدات سكنية مسبقة الصنع للأسر المتضررة على الأمد المتوسط.
يتم تقدير الأضرار في شبكات الخدمات والمرافق العامة للوصول إلى تنفيذ خطط الأولويات من قبل كل الوزارات المعنية.
يتم توزيع المواد الإغاثية استناداً إلى قواعد البيانات المنجزة للأسر المتضررة وبتكامل التنسيق بين الجهات المكونة لغرف العمليات المنبثقة عن اللجان الفرعية للإغاثة.
تعمل الأمانة السورية للتنمية والهلال الأحمر العربي السوري مع باقي الشركاء على بذل الجهود والوصول للمتضررين بأسرع وقت.
ما ورد أعلاه يبين أن جل ما تم إنجازه، منذ شهر وحتى الآن، اقتصر على تأمين مراكز الإيواء «غير الكافية»، وعلى توزيع المواد الاغاثية للأسر المتضررة، دون الوصول لهم جميعاً، ومع كل ما يحكى عن أوجه الفساد والمحسوبية في آليات التوزيع، وهي إنجازات متواضعة جداً بالمقارنة مع حجم الكارثة، بحسب البيانات الرقمية أعلاه!
المساعدات الحاضرة والشفافية الغائبة!
لم يغب عن الاجتماع الاستعراض المقتضب عن عمل ومساعدات المنظمات الأممية والدولية، ومساهمات المنظمات الوطنية غير الحكومية، مع تغييب الشفافية في ذلك، حيث ورد التالي:
أكدت اللجنة أن عمل المنظمات الأممية والدولية يبقى كما هو معمول به سابقاً ويبقى تنسيقها مع اللجان الفرعية للإغاثة للاستفادة من الموارد التي لديها لتوزيعها وإيصالها إلى مستحقيها.
بحثت اللجنة الطلبات المقدمة من قبل (مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الفنلندية، ومنظمة آفسي، ومنظمة كاريتاس، وبرنامج الغذاء العالمي) لتنفيذ مشاريع دعم المتضررين من الزلزال، وتمت الموافقة على تنفيذ هذه المشاريع بالتنسيق التام مع غرف العمليات المنبثقة عن اللجان الفرعية للإغاثة في المحافظات المتضررة وفق الأولويات والمعايير المعتمدة وآلية المنح لذلك متضمنة الاستلام والتوزيع.
تم الاطلاع على مساهمات المنظمات الوطنية غير الحكومية في الاستجابة لتداعيات الزلزال واستفادتها من كل التسهيلات التي أقرتها الحكومة.
الاستعراض أعلاه مقتضب وعائم وفضفاض، ويفتقر للشفافية، على الرغم من مركزية عمل اللجنة العليا للإغاثة، وحصر المساعدات (بمختلف أنواعها ومسمياتها ومصادرها) بها وعبرها!
فالمشاريع التي تمت الموافقة عليها لـ«دعم المتضررين من الزلزال» من قبل المنظمات الدولية بعددها الكبير، لم يتم ذكرها وماهيتها!
والمساهمات الوطنية المحلية، التي استفادت من التسهيلات الحكومية، ظهرت في التقرير عائمة وغير واضحة أيضاً!
الحقوق أكثر تغييباً!
أما الأكثر غياباً عن اجتماع اللجنة، في «إطار الاستجابة المنظمة لمواجهة تداعيات وآثار الزلزال»، فقد كانت إستراتيجية هذه الاستجابة على مستوى التعامل مع الأضرار والمتضررين وحقوقهم!
فماذا عن المباني المنهارة، والمباني التي تم هدمها، والمباني غير القابلة للتدعيم، والمباني التي تحتاج للتدعيم والصيانة؟
وماذا عن مئات الآلاف من الأفراد المتضررين؟
وماذا عن المحاسبة والتعويضات؟
فالاحتياجات بالنسبة للمتضررين من آثار وتداعيات الزلزال لا تقتصر على تأمينهم في مراكز إيواء، أو على المساعدات الإغاثية، ولا على السكن المؤقت في وحدات سكنية مسبقة الصنع في أحسن الأحوال، على الرغم من أهمية كل ذلك طبعاً، بل هؤلاء (والمقدر عددهم كأسر بما يتجاوز 91 ألف أسرة حتى الآن) بحاجة إلى خطة حكومية مرتبطة بحقوقهم تركز على تأمين التالي بالحد الأدنى:
سكن بديل ودائم لمن تهدم بيته، ولمن تبين أن مسكنه غير قابل للتدعيم، وهذه المباني تتجاوز في عددها 5000 مبنى حتى الآن، بحسب التقرير الرسمي أعلاه، والمفتوح للزيادة.
تحمل أعباء وتكاليف عمليات التدعيم والصيانة للمباني التي تبين أنها بحاجة لذلك، وهذه المباني تتجاوز 60 ألف مبنى حتى تاريخه، بانتظار استكمال أعمال اللجان المشكلة لهذه الغاية.
المحاسبة لكل المتسببين بزيادة الأضرار والخسائر، بشكل مباشر وغير مباشر، وعلى مختلف مستويات وطبيعة المسؤولية، سواء كانت من قبل الجهات الحكومية أو الجهات الخاصة (بلديات- مقاولين- متعهدين..).
التعويضات المنصفة للمتضررين عن خسائرهم، المادية والمعنوية.
فحتى تاريخه، وعلى الرغم كثرة الاجتماعات الرسمية والتقارير واللجان المشكلة مركزياً وفرعياً، وتكاثر الحديث عن المساعدات والمشاريع (الدولية والمحلية) لم يصدر عن الحكومة أي شيء بما يتعلق بالحد الأدنى مما هو مطلوب افتراضاً، لا على اعتبار أن بعضه يشكل جزءاً من حقوق للمتضررين، ولا على اعتبار أن بعضه الآخر يشكل جزءاً من واجبات ومسؤوليات الدولة تجاههم، وبعهدة الحكومة!
ولا أحد يعلم كم اجتماع رسمي آخر يقتضي الأمر لإقرار ما يجب إقراره بهذا الشأن؟
فالحكومة تبدو متنصلة من مسؤولياتها تجاه المتضررين وحقوقهم، بل ولا نية لديها من أجل إنصافهم!
ولعل جل ما يعني الحكومة من أمر هو ما يمكن أن يتم تحصيله كمساعدات عينية ونقدية، من الدول والمنظمات الدولية والمساهمات المحلية، من خلال ما تعرضه من أرقام وبيانات عن حجم الأضرار وأعداد المتضررين، مع الاكتفاء بالإيواء المؤقت، وبعض المساعدات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، على أنها تمثل «إجراءات الاستجابة المنظمة لمواجهة تداعيات وآثار الزلزال»!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1112