جرمانا... ومعضلة المواصلات المزمنة!

جرمانا... ومعضلة المواصلات المزمنة!

يحمل عموم السوريين، على امتداد الجغرافيا السورية، نفس الهموم والصعوبات المعاشية وإن اختلفت النسب، ولا يمكن اعتبار مدينة جرمانا في هذا السياق استثناءً، وضمن جرمانا نفسها لا يمكن اختزال الواقع المتردي للمدينة في مشكلة واحدة وحسب! فتتكامل أزمة الكهرباء مع أزمة المياه، ومن جهة أخرى مشكلة شبكات الاتصالات، لتأتي معضلة المواصلات و»تزيد الطين بلّة»!

فلا يخلو الحديث اليومي في أي بيت سوري عن أزمة المواصلات المتفاقمة وما تفرضه من مشقة على كاهل السوريين، وتبعاتها على كافة جوانب حياتهم الأخرى. ولتظهر آثار هذه المشكلة بشكلها الفاقع في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، مما يولي أهمية خاصة لهذه المناطق عند البحث والمعالجة نظراً لارتفاع عدد السكان المتضررين فيها. وفي هذا السياق تظهر مدينة جرمانا باحتوائها خزاناً بشرياً هائلاً، كنموذج مكثّف عن المعاناة السورية عموماً.

الأزمة المزمنة

تفاقم أزمة المواصلات في جرمانا حدث ليس بالجديد، إنها أزمة مزمنة، تعاني منها المدينة منذ بداية الأزمة السورية تقريباً.
فقد استوعبت المدينة منذ ذلك الوقت عدداً كبيراً ومتزايداً من المواطنين، سواء من السكان المحليين أو الوافدين إليها نزوحاً من المناطق التي شهدت عمليات عسكرية في البلاد،
وهؤلاء المواطنون بمعظمهم (موظفون، طلاب جامعات، طلاب مدارس، عمال، ...إلخ) ويتوجب عليهم الانتقال بشكل يومي من المدينة إلى مركز العاصمة لتأدية مهامهم.
وبالمقابل، لم تكلّف الجهات الرسمية نفسها عبء زيادة عدد وسائل النقل المخصصة للمدينة لتتلاءم مع تضخم عدد السكان واحتياجاتهم. ويثبت الواقع يوماً بعد يوم، أن القرارات التي تصدر بين حين وآخر عن تخصيص هذا العدد أو ذاك من السرافيس والباصات للمدينة، لا تتعدى كونها حبراً على ورق!
ومع غياب الدور الحكومي في حل المشكلة القائمة، فإن أية حلول بديلة لن تكون سوى عبء إضافي يتحمل نتائجه بالمحصلة الغالبية المفقرة من المواطنين.

الأرباح الاحتكارية

بطبيعة الحال، فإن الفراغ الذي يتركه تقاعس مؤسسات الدولة عن أداء واجبها، تقوم بملئه الشركات الخاصة.
فقد ظهرت في هذا السياق شركات خاصة معروفة عملت على تأمين تنقلات الطلاب والموظفين إلى بعض مناطق العاصمة.
وعلى الرغم من الحل «الجزئي» الذي قدمته هذه الشركات، فهي بالفعل قد خففت من مشكلة إيجاد وسيلة النقل المطلوبة، نظراً لرحلاتها المتوفرة بشكل دائم، لتريح الأهالي من العبء النفسي المرافق لهذه المسألة. إلا أن معالجة الأمور من هذا الجانب وحده خاطئة!
فسلوك هذه الشركات – مهما اختلفت شعاراتها التي تطرحها – يثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، بأنها تسعى في نهاية المطاف نحو تحقيق الربح، ولو تطلب الأمر منها ضرب مصلحة الناس بعرض الحائط!
فلا يكاد يخفى على أحد الإجراءات المجحفة التي تمارسها هذه الشركات بحق أهالي جرمانا، ابتداءً من الرفع غير المصرّح عنه للأسعار، ليتفاجأ المواطن بأعباء إضافية «لا على البال ولا على الخاطر»، والحجج دائماً مجهزة ومتقنة، مروراً بالطريقة التي يصفها البعض بأنها (سيئة للغاية)، والتي يتم التعامل بها مع المشتركين ومع ردود أفعالهم المحقة، وليس انتهاء بالمنافسة الشرسة بين الشركات، والتي تنتهي غالباً باحتكار السوق من قبل شركة واحدة فقط، ما يعني المزيد من الغطرسة والتسلط وفرض القرارات التي يتحمل تبعاتها بالدرجة الأولى سكان المدينة، وغيرها من الأمثلة الكثير!

تكلفة مرتفعة وخيارات محدودة!

تتالت حلقة رفع الأسعار لدى هذه الشركات وبمقادير كانت في بدايتها طبيعية نسبياً، لتتجاوز مع مرور الوقت حدودها المنطقية، ولتشهد ذروتها خلال أزمة المحروقات الراهنة!
فقد وصل رسم الاشتراك لدى الشركة الوحيدة المتبقية في السوق، عند كتابة هذه المادة، إلى 120,000 ل.س شهرياً للفرد، و8,000 ل.س يومياً للرحلة الواحدة!
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الاشتراك الشهري كان 35 ألف ليرة، ليرتفع خلال الشهر الأخير من العام الماضي إلى مبلغ 70 ألف ليرة، ثم أخيراً الى 120 ألف ليرة الآن!
وليس أمام الأهالي إلا أحد الخيارات المحدودة التالية:
إما مقاطعة هذه الشركات والعودة إلى الخيار الأول بالاعتماد على وسائل النقل العامة المخصصة للمدينة، وهو ما بدأ يطالب به البعض بالفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن هذا الخيار يعني تكلفة شهرية 40 ألف ليرة بالحد الأدنى للفرد، ناهيك عن عدم توافر هذه الوسائل بالأساس!
أو اللجوء إلى ما يعرف بـ»التكسي سرفيس» وبوسطي 7,000 ل.س للرحلة الواحدة، ويعتبر هذا الخيار باهظ التكلفة عند حسابه شهرياً، للفرد والأسرة!
أو الرضوخ للإجراءات التعسفية لهذه الشركات بسبب عدم توافر البديل الحقيقي، ولكونها بالمحصلة الخيار «الأقل سوءاً»!
ولنا أن نتخيّل الحال الكارثية عندما يكون الحديث عن تكلفة مواصلات طلاب الجامعات، أو غيرهم من المضطرين، وهم حكماً ملزمون بتسليم رقابهم لأيدي الشركات الخاصة!
فكيف يستطيع الأهالي، وهم في جلّهم من ذوي الدخل المحدود، حل هذه المعضلة؟
فالتكلفة الشهرية التي تتكبدها الأسرة لقاء اضطرار فردين منها فقط للانتقال إلى مركز العاصمة يومياً تتجاوز 240 ألف ليرة، بمقابل حد أدنى للأجور يبلغ 92 ألف ليرة!
فحتى إن كان هناك مصدر دخل إضافي للأسرة، فإن مجموع الدخلين بالكاد يمكن أن يغطي تكاليف المواصلات الاضطرارية فقط، فكيف الحال مع بقية ضرورات الحياة الأخرى، ومن أين؟!

الأسئلة الكثيرة والحلول المعروفة

تتكاثر الأسئلة على لسان جميع الأهالي في المدينة، ومنها:
إلى متى ستبقى مصالح الناس معلّقة بأيدي أصحاب الأرباح بدون رقيب أو حسيب؟
وإلى متى ستستمر معاناة أهالي مدينة جرمانا بين الإهمال والاستغلال؟!
ولمصلحة من يتم التعامي عن حل أزمة المواصلات المزمنة، ولو جزئياً؟!
مع المعرفة المسبقة بأن الحلول من الممكن أن تكون متاحة رسمياً، بحال توفر النية لذلك، وتتمثل بالتالي:
زيادة أعداد باصات النقل الداخلي المخصصة للمدينة، وزيادة عدد سفراتها اليومية ذهاباً وإياباً.
تشديد الرقابة على وسائل النقل العامة (سرافيس- تكسي سرفيس- شركات خاصة) ناحية التعرفة وخطوط السير!
فهل من مجيب؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1104