ضحايا الأخطاء الطبية.. أعداد متزايدة بلا قانون حماية!
ورد معطى جديد بشأن الأخطاء الطبية وضحاياها، أتى عن لسان رئيس محكمة بداية الجزاء السابعة بدمشق، أنه: «وسطياً في دمشق يتمّ تحريك من ٥ إلى ١٠ دعاوى شهرياً بجرائم تسبّبت بالإيذاء والوفاة نتيجة أخطاء طبية»، وذلك بحسب صحيفة البعث بتاريخ 20/11/2022.
الرقم الوسطي أعلاه يعتبر كبيراً جداً كمؤشر، فعلى مستوى دمشق فقط يعني أن هناك أكثر من 100 دعوى محركة رسمياً بنتيجة الأخطاء الطبية سنوياً، يضاف إليها طبعاً ما تم التوصل إلى حله ودياً من أخطاء بمعزل عن القضاء، ودون اللجوء للشكل الرسمي في الادعاء، والأهم ربما ما لم يعلم به أصحاب العلاقة من ذوي الضحايا بأن الوفاة أو الضرر والإيذاء كان بنتيجة الأخطاء الطبية!
ووفقاً لجملة الاحتمالات المعززة بالرقم التقريبي على مستوى دمشق، ربما نصل إلى أعداد تصل إلى عشرات الآلاف من ضحايا الأخطاء الطبية من المواطنين على مستوى جميع المحافظات سنوياً!
ولعل ما يهم في الأمر هو أن موضوع زيادة أعداد المتضررين من الأخطاء الطبية يعتبر مؤشر إضافي عن تراجع القطاع الصحي عموماً، عام أو خاص، وزيادة الاستهتار بالمرضى خصوصاً، بالتوازي مع تزايد الاستهتار واللامبالاة الرسمية حيال المواطنين بمعاشهم وخدماتهم، وصولاً إلى حياتهم!
ما يصل هو الواضح والفج فقط
لا شك أنه مع تراجع القطاع الصحي، وزيادة مستويات الاستغلال للمواطن والاستهتار به وبحقوقه وحياته، تزايدت معدلات ونسب الأخطاء الطبية، ومما لا شك فيه أن ما يتم تسليط الأضواء عليه إعلامياً بشأن حوادث الأخطاء الطبية وضحاياها هي تلك الحوادث الواضحة والفجة بأسبابها ونتائجها، وخاصة الوفيات، وبعضها الآخر لا يصل إلى الإعلام أصلاً، وهذه الحوادث هي ما يصل بعضها إلى أروقة المحاكم فقط لا غير على شكل ادعاء ودعاوى، بينما هناك الكثير غيرها مما لا يتم تحريك الادعاء به لأسباب مختلفة (بالتراضي، أو القبول بالقضاء والقدر، أو بالضغوط في بعض الأحيان)، وهناك حوادث لا يتم معرفة أنها كانت بسبب خطأ طبي، التفافاً وتبريراً من قبل المعنيين والمسؤولين عنها، أو جهلاً من قبل الضحية أو ذويه!
وعند الحديث عن الأخطاء الطبية لا بدّ من الإشارة إلى أنها ليست محصورة بالمشافي فقط، سواء كانت عامة أو خاصة، بل هناك أخطاء طبية يكون المسؤول عنها الطبيب المعالج في عيادته الخاصة، بل وهناك أخطاء طبية يكون المسؤول عنها الصيدلاني في بعض الأحيان، وربما ما يختلف بين هذه وتلك من الأخطاء هي حجمها ومدى ظهورها بنتائجها، التي ربما لا تكون مباشرة ولحظية كالموت، بل متراكمة كأعراض جانبية ولمرحلة زمنية، تطول أو تقصر!
على ذلك يبدو الحديث عن أرقام ضحايا الحوادث الطبية ضرب من ضروب التنجيم، وذلك ليس بسبب غياب الإحصاءات الرسمية عنها فقط، بل والأهم عدم إيلاء الاهتمام الرسمي بها والتوعية بها، مع غياب أو تغييب المحاسبة الجدية عليها، وهذا يعتبر أيضاً من مؤشرات ما وصل إليه القطاع الصحي من تردٍّ على حساب المواطنين، مع تكريس ذلك!
لا قانون خاصاً بالأخطاء الطبية!
وقد تحدث رئيس محكمة بداية الجزاء السابعة بدمشق بالقول أيضاً: «لا يوجد تعريف واضح وصريح للخطأ الطبي في القانون السوري لعدم وجود قانون خاص بالمسؤولية الطبية في سورية، فقد عرف الفقهاء الخطأ الطبي أنه انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف، وما يقتضيه من يقظة وحذر لدرجة يهمل فيها الطبيب مريضه مما يسبّب إلحاق الضرر بالمريض».
وفي آخر ما حرر بهذا الشأن فقد تحدث القاضي رئيس محكمة بداية الجزاء السابعة بدمشق عن تعميم صادر عن وزير العدل يؤكد أنه: «في حال حدوث وفاة أو عجز وظيفي للمريض يجب عدم اتخاذ أي إجراء بحق الطبيب أو توقيفه إلا بعد الاستعانة بخبرة طبية جماعية اختصاصية لتحديد سبب الوفاة أو الإيذاء المنسوب للطبيب، مشيراً إلى أن كافة الدعاوى المرفوعة أمام القضاء يتمّ البحث والتحقيق فيها وفق القانون والأصول، وفي حال ثبوت مسؤولية الطبيب يتمّ الحكم عليه جزائياً وإلزامه بتعويض المريض أو المضرور ويمكن منعه من مزاولة المهنة، لافتاً إلى أن عدم وجود قانون خاص بالمسؤولية الطبية إلى اليوم وملاحقة الطبيب وفق قانون العقوبات العام بجريمة غير مقصودة يؤدي أحياناً إلى عدم إنصاف المريض المتضرر إن كان خطأ الطبيب لا يشكل جريمة جزائية، وبالتالي من الأفضل سنّ قانون خاص بالمسؤولية الطبية كما هو في العديد من الدول العربية كالأردن والإمارات ولبنان ينظم قواعد خاصة بملاحقة الأطباء والجرائم المسندة إليهم وتحديد أخطائهم ومسؤوليتهم بشكل فني ودقيق ومهني».
وبمعزل عن كل ما يمكن أن يقال حول الخطأ الطبي، تعريفاً ونوعاً ومكاناً ومسؤولية، وصولاً إلى الأسباب المختلفة والمبررات، فهو خطأ وقع بحق أحد المرضى الباحثين عن العلاج بالنتيجة، لكن حديث رئيس المحكمة أعلاه يؤكد من الناحية العملية على النمط الرسمي اللامبالي والمستهتر والمستمر بحقوق المواطنين، بل وبحياتهم!
فكم من قانون وتشريع صدر خلال السنين والعقود الماضية بما يخص صيانة حقوق ومصالح أصحاب الأرباح، بما في ذلك حقوق ومصالح أصحاب مشافي النجوم الخاصة كمشاريع استثمارية وربحية، إلا أنها لم تعر الاهتمام حتى الآن لتعكف على إصدار قانون يحدد المسؤولية الطبية، ويضمن بالتالي بعض حقوق المرضى بما يتعلق بالأخطاء الطبية!
فمع غياب النصوص القانونية التي تحدد المسؤوليات الطبية وتحاسب عليها، ومع تعميم حال اللامبالاة الرسمية تجاه المواطنين وحقوقهم، كم سنحصد من ضحايا جدد، لن يتم تبويب غالبيتهم كإحصاءات رقمية رسمية، باسم الأخطاء الطبية، وكم من هؤلاء ستذهب حقوقهم أدراج رياح هذا الاستهتار الرسمي؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1098