بيع الأصول.. بين البيان الحكومي ودعوات البعض!
مسيرة الخصخصة الرسمية، المباشرة وغير المباشرة، تمضي على قدم وساق بما يتوافق مع السياسات الليبرالية الرسمية، مع الكثير من المبررات الذرائعية لتسويقها على أنها من الخيارات الاقتصادية التي ستخرج بئر العجز في الموازنة العامة من بئر الإيرادات العامة، وهو ما تم تأكيده من خلال البيان المالي الحكومي الأخير.
فالعجز المالي بين إجمالي اعتمادات الموازنة من جهة والمتاح من إيراداتها من جهة أخرى قدر بمبلغ 4,860 مليار ليرة في العام 2023.
وفي القريب العاجل، وبحسب البيان المالي الحكومي، سيتم إحداث «هيئة الإيرادات العامة» التي سيعهد لها مسؤولية إدارة أصول الأملاك العامة بما يحقق مزيداً من الإيرادات، استثماراً وتشاركاً وبيعاً، أي تخلٍّ (مباشر وغير مباشر) عن بعض الأملاك العامة، أي خصخصة رسمية غير مبطنة، ولمصلحة البعض من أصحاب الثروات والمتنفذين طبعاً!
الخصخصة وبيع الأصول رسمياً
فقد ورد في بيان الحكومة المالي حول مصادر الإيرادات العامة أنه «سيتم إحداث هيئة عامة للإيرادات العامة سيكون جزء مهم من عملها متخصصاً في إدارة ملف أملاك الدولة وذلك ضمن خطة الإصلاح الإداري في وزارة المالية والجهات التابعة».
ومن الإيرادات الجارية جرى الحديث في البيان المالي الحكومي عن: «زيادة الإيرادات المقدرة من بدلات أملاك الدولة واستثماراتها في مشروع الموازنة عام 2023 والبدء باستثمار ما يمكن منها وإدخالها بالعملية الإنتاجية بالسرعة القصوى، والمتوقع الاستمرار بتحسين كفاءة إدارة هذا الملف، بالتعاون مع وزارة الزراعة بالنسبة لأراضي أملاك الدولة».
التوجه أعلاه بما يتعلق بأراضي أملاك الدولة الواقعة بمسؤولية وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، أو بأصول أملاك الدولة عموماً، هو خطوة إضافية نحو المزيد من الخصخصة، لكن هذه المرة ستأخذ طابعاً أكثر تعميماً، بحيث ستطال التخلي المباشر عن بعض الأملاك العامة، أو التخلي الجزئي عنها باسم الاستثمار والتشاركية كآليات مقوننة، وذلك سيتم خلال الفترة القادمة على يد «هيئة الإيرادات العامة» التي سيتم إحداثها لهذه الغاية، مع الصلاحيات الكافية لتنفيذ هذا التوجه على ما يبدو!
فبذريعة زيادة الإيرادات لتغطية العجز في الموازنة العامة يتم الدفع في ملف أصول الأملاك العامة إلى الواجهة رسمياً للتصرف بهذه الأصول بما يحقق الزيادة في الإيرادات شكلاً، ومصالح بعض الناهبين الباحثين عن مزيد من فرص الربح مضموناً!
دعوات قديمة ومستجدة
موضوع التصرف بالملكيات العامة، والدفع نحو خصخصة أصولها والتخلي عنها، ليس بجديد، فقد سبق أن تم طرحه مراراً وتكرراً خلال العقود الماضية بذرائع وتسميات مختلفة، وصولاً إلى قوننة ذلك من خلال عدة قوانين، كان آخرها قانون التشاركية وقانون الاستثمار، وكذلك قانون تحويل دائرة الأملاك في المحافظات إلى شركات قابضة تدير هذه الأملاك، وما زال مستمراً حتى الآن!
والأمر حالياً لم يقف عند حدود ما ورد في متن البيان الحكومي الأخير، فقد ترافق مضمون البيان مع دعوة على لسان رئيس غرفة صناعة حمص بذريعة «توفر الموارد اللازمة التي تساهم في تعزيز قوة الليرة»، مضمونها: «ضرورة البت واتخاذ قرار ببيع الأصول العائدة ملكيتها للدولة بعد أن أصبحت متهالكة وتحولت إلى عبء كبير، وبات استثمارها ضرباً من ضروب المستحيل رغم كل المحاولات.. وبيعها بالليرات السورية حصرا»، وذلك بحسب ما ورد عبر صحيفة الوطن بتاريخ 10/11/2022.
لا شك أن دعوة رئيس غرفة صناعة حمص لم تأت من فراغ، فقد سبقها الكثير من الطروحات الشبيهة، بما في ذلك شرعنة هذا التوجه رسمياً من خلال بعض القوانين كما أسلفنا، لكنها أتت الآن بعد الإعلان عن البيان الحكومي المالي، وبما يتوافق مع مضمونه تماماً، لكن بشكل أكثر وضوحاً ومباشرة!
موبقات لا حدود لها!
لا غرابة من كل ما سبق طبعاً، فالسياسات الليبرالية المعتمدة والمطبقة منذ عقود لن تنتج إلا المزيد من الموبقات وصولاً إلى مزيد من التخلي الرسمي، ليس عن الدور المناط بالدولة ومسؤولياتها الاقتصادية والاجتماعية المفترضة، وهو ما جرى ويجري حتى الآن، بل وعن أملاكها وأصولها أيضاً، وهو ما يتم الترتيب له رسمياً حالياً، أي المزيد من التخلي عن سيادة الدولة عملياً، وليس عن مهامها وواجباتها فقط، مع كل الآثار الكارثية التي ستترتب على ذلك بالنسبة للمواطنين على مستوى حياتهم وخدماتهم ومستقبلهم، وعلى مستوى الاقتصاد الوطني، والمصلحة الوطنية عموماً، مقابل تحقيق مصالح القلة الناهبة والفاسدة، المتحكمة بمصائر العباد ومقدرات البلاد حتى الآن، أي الاستمرار بالسير من قاع إلى قاع أعمق!
ولا خلاص من هذه الموبقات، التي لا نهاية أو حدود لها، إلا بالخلاص من جملة السياسات التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من كوارث، ومن القلة الناهبة والفاسدة والمتنفذة، طبعاً ومن كل بد!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1096