الحرائق المتكررة في محافظة طرطوس

الحرائق المتكررة في محافظة طرطوس

تتكرر ظاهرة الحرائق في المحافظة عاماً بعد آخر، منها ما تلتهم بنيرانها الممتلكات الخاصة للمواطنين، ومنها ما تلتهم سفوح الجبال والتلال من أحراج الدولة والغابات، ومنها ما يلتهم الاثنتين معاً نتيجة للتداخل الطبيعي بينهما، ومعظم الحالات تنحصر أسبابها من خلال النتائج التي تظهر بعد إخمادها!

فمنها ما هو خطأ بشري من قبل بعض أصحاب الأراضي أثناء عملية حرق مخلفات تنظيفها، وغالباً ما يكون السبب هنا قلة المعرفة والإهمال، وأحياناً تكون مقصودة لزيادة مساحة عقار ما على حساب أملاك الدولة، والعقاب هنا يندرج تحت بند (قانون الحراج).
لكن أحياناً تكون الخسائر في ممتلكات الدولة، وفي العام الذي يلي ذلك تجد المساحة التي احترقت دخلت حيز الاستثمار، فتجد الآليات الثقيلة تقوم بتسويتها، وهذا النوع من الحرائق يكون متعمداً وبفعل فاعل غالباً، ولا أحد يعرف إن كان هذا الفاعل قد نال عقابه بموجب (القانون) أم لا؟!
ومهما كان سبب الحريق، لكن سنوياً يكتوي أصحاب أشجار الزيتون بخسائر متفاوتة، وأكبرها عندما يكون الموسم ينذر بالخير، فتحترق الشجرة وهي حاملة لثمارها بعد عدة سنوات عجاف من الخدمة والخسائر في خدمة وتكاليف الإنتاج، فتحترق الآمال بفرج الموسم القادم، ومثيلتها التي لا تقل عنها خسارة، وهي حرق ما تبقى من الغابات الحراجية، والقضاء على ذلك الغنى في الجمال والتنوع البيئي التي تحتضنه.

طرق النار والطرق الزراعية

يستنفر الجهاز الرسمي بالإمكانات الموجودة عندما تحدث الحرائق، وتستنفر نخوة الشباب من أبناء المنطقة، لكن ما يحد من النتائج المرجوة هو عدم وجود طرق تصل سيارات الإطفاء إلى أماكن امتداد النيران، وكثيراً ما يقوم التراكس بشق طرق نارية (آنية) لتسهيل اقتراب سيارة الإطفاء إلى أقرب موقع متاح، وما يعيق ذلك هو وعورة المنطقة لطبيعتها الجغرافية، وهنا يبدأ الحديث وبصوت عالٍ عن وجوب تخديم المنطقة بالطرق النارية والطرق الزراعية، لتفتر (الهمّة) لدى الجهات المعنية بعد إخماد الحرائق، لتعود وتتكرر عاماً بعد آخر!
والغريب في الأمر أنه عند الظهور الإعلامي (الميداني) للجهات المعنية في مكان الحدث يتم الاعتراف بهذه المشكلة المستعصية والمتكررة، لكن يعزون السبب ليس لتقصير جهات معينة، وإنما (إلى الأخوة أصحاب الأراضي الزراعية الذين لا يتنازلون عن شبر من أرضهم لشق الطرق الزراعية ...)!
مع العلم أنه نتيجة لوعورة المنطقة، ولعدم وجود طرق زراعية، ولعدم وجود حيوانات لنقل الموسم إلى الطريق العام، يقوم المزارع وعائلته بنقل كامل المحصول على (كتفيه وظهره)، وهذه مشقة لا يستوعبها ويشعر بمرارتها إلا من يقوم بها، فتسود في المواسم مزحة احتجاج عندما يسأل الأهالي بعضهم عن الموسم والتعب الذي يهدهم لعدم وجود طرقات، فيقول أحدهم (الله وكيلك، من زمان كنت أشتغل شغلي، وبنهاية النهار حمّل الزيتون عالحمار، الآن عم أشتغل الشغلتين سوا)!
فلا يوجد صاحب أرض من المواطنين يعارض فتح الطرقات عندما يستشعر ويرى العدالة في هذا الموضوع، فهناك طرق زراعية موجودة حيث هذه الأراضي موجودة، وسابقاً كانت تنقل المحاصيل من خلالها على الحيوانات، أما الآن وبفعل النمو المتزايد للشجيرات الشوكية والحراجية الصغيرة وغيرها، ولقلة العبور على هذه الطرقات، فقد أغلقت تماماً ولم تعد تصلح للاستخدام، وهذه الطرق موجودة ولا يتطلب أكثر من أخذ متر من هذا الجانب و(رعش) من الجانب الآخر، والجميع متفق على ذلك، لكن بقيت الأمور كما هي!
من ناحية أخرى فإن كل الطرق الزراعية أو النارية إذا لم تعبد أو ترصف جيداً، فلا يطول عمرها أكثر من موسم مطري واحد، بفعل انجراف التربة في المناطق الجبلية، وكي تبقى في الخدمة فإنها بحاجة إلى صيانة مستمرة.
على سبيل المثال لا الحصر، هناك طرق زراعية كانت موجودة سابقاً وتسلكها الحيوانات والجرارات، وحتى السيارات الشاحنة الصغيرة، وتم مد شبكة صرف صحي عليها، وأصبحت منذ سنوات مغلقة أمام البشر والسيارات والحيوانات، وسنوياً يتم المطالبة بصيانتها من قبل (بلدية الشيخ سعد)، لكن بقي الوضع على حاله رغم الوعود المتكررة، ولا يتجاوز طوله مئتي متر فقط لا غير. (ومع الأسف فقد اندلع حريق من هذا الطريق المغلق مؤخراً، مجهول المسبب، والتهمت النيران عشرات الدونمات من أشجار الزيتون والحمضيات وغيرها..) .

الخسائر والتعويضات

في عام ٢٠٢١ ابتدأ حصر الأضرار من خلال الزيارات الميدانية لموقع الحدث، من قبل الوحدة الإرشادية المتواجدة في المنطقة، ومقارنة ذلك مع تصريح المواطن المتضرر عن خسائره، حيث يتم توثيق هذه الأضرار ورفعها إلى الجهات المعنية.
ففي العام الماضي (حيث لا وجود لموسم ثمار) تم حصر الأضرار للتعويض حسب عد أشجار الزيتون المحترقة أو أنواع محددة من الأشجار المثمرة الأخرى (التين- الرمان- السماق-....) وهذا ما تم توثيقه في الأراضي التي التهمتها النيران في (أسقبولة والأراضي التابعة لها عقارياً)، والوعود بأن التعويض سيوزع على المتضررين عمّا قريب!
أما الحرائق التي اندلعت هذا العام، باعتبار أشجار الزيتون في أوج حملها وعطائها، فسيتم التعويض عن عدد الأشجار المحروقة وكمية الثمار أيضاً، وهذا ما تم توثيقه في الحريق الذي التهم مئات الدونمات من أشجار الزيتون وهي في عزّ عطائها، (كحريق أراضي قرية بدرية- الواسطات..) وكلها تابعة للوحدة الإرشادية في أسقبولي، وكذلك الحريق الجديد في أراضي قرية أسقبولي الذي جرى توثيقه ضمن الحرائق ليتم التعويض على الأخوة المزارعين المتضررين، والمنتظرين!

مزيد من التراجع الخدمي

هذه المنطقة التي ذكرت حرائقها قريبة من المدينة، وتابعة لبلدية (الشيخ سعد) وللوحدة الإرشادية في(أسقبولي)، وهما متجاوران في الجزء الغربي مع مدينة طرطوس، وهذه العقارات متداخلة ما بين أملاك خاصة، وأحراج (كأملاك دولة)، والمخطط التنظيمي لبلدية الشيخ سعد.
وبعد أن حصر قانون الإدارة المحلية الخدمات المطلوبة بالوحدة الإدارية التابعة لها، غابت الخدمات التي كانت تقوم بها مثلاً (الخدمات الفنية الزراعة- حتى خطط الشعب الحزبية في شق الطرقات...) وبالتالي خسر المواطنون هذه الخدمات المجانية، لما تملكه الزراعة والخدمات الفنية من آليات ثقيلة، ولطبيعة قانون الوحدات الإدارية (الخدمات مجباة، وداخل المخطط التنظيمي، وعدم وجود آليات ثقيلة لديها)، وبالتالي تراجعت الخدمات التي كانت تقدم، وأصبحت بعض الطرق الزراعية التي كانت سالكة سابقاً غير سالكة الآن!
أما الطرق الزراعية الضيقة، والتي كان يسلكها المزارعون مع مواشيهم، والتي كانت تخدم المزارع في التنقل وخدمة المحصول، بغياب شق الطرق وتوسيعها، وفي ظل انتقال الملكيات الزراعية إلى الأبناء، وباعتبار أنهم غير مزارعين، وبغياب الجيل الأول، فقد غابت ثقافة المزارع جزئياً، واحتلت مكانها ثقافة (المالك)، وبالتالي أصبحت الأرض الزراعية (وخاصة المغروسة بأشجار الزيتون)، باعتبارها ليست مصدر الدخل الأساسي، ونتيجة لتراجع بعض الأراضي في الإنتاج، ولغياب الجهات المعنية عن تقديم الخدمات للأراضي الزراعية (كانتشار الأمراض وخاصة مرض عين الطاووس)...، أصبحت الكثير من الأراضي الزراعية عبئاً على صاحبها، وبغياب المحصول غابت الخدمات، وبالتالي أهملت الطرق الزراعية الضيقة التي كانت سالكة، وامتلأت بالشجيرات الحراجية والأشواك الضارة، وأصبحت غير سالكة، وأصبح أصحاب الأراضي يستخدمون أراضي غيرهم للعبور، وهذا ما خلق مشاحنات جديدة بين أصحاب الأراضي، وحتى بين الأخوة (الوارثين)، عن أحقية المرور من عدمه!

خطوات محدودة لابد منها

إذا كانت الجهات المعنية، التي تظهر في الإعلام والمناسبات العامة، فعلاً معنية ومهتمة في الحفاظ على هذا الجمال والتنوع البيئي والطبيعي في المناطق الحراجية والغابات، وفي مناطق بعينها، وفعلاً يهمها أمر المزارعين، وخاصة منتجي الزيتون، تلك المادة التي لا تقل أهميتها عن الخبز، في معناهما في الموروث الوجداني للمواطن السوري، لابد من التالي، كإجراءات بسيطة وبكلف محدودة:
إعادة تأهيل الطرق التي كانت سالكة عما قريب، وهذه لا تحتاج إلى آليات ثقيلة، بل ليس أكثر من آلية قشط وتسوية.
شق طرق نارية في الأماكن التي بقيت بدون هذه الخدمة.
شق الطرق الزراعية التي كانت موجودة منذ القدم وأصبحت خارج الخدمة.
شق الطرق الزراعية الموجودة على مخططات التحديد والتحرير، وهذه تحل مشكلة إنتاجية ومشكلة اجتماعية.
تلبية طلبات المواطنين عندما يتفقون ويتم التنازل من قبلهم عن بعض الأمتار في ملكيتهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1089