أن تعرف وتُحرّف رسمياً!
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

أن تعرف وتُحرّف رسمياً!

القفز على الواقع، وصولاً إلى حال الانفصال الكلي عنه، بات السمة الطاغية للعمل الحكومي، وخاصة فيما يتعلق بالإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني.

فالمواسم تتراجع كماً ونوعاً عاماً بعد آخر، والخسائر التي يتكبدها المزارعون تتزايد موسماً بعد آخر، وعمليات استبدال المحاصيل الخاسرة بأخرى قد تكون أكثر جدوى اقتصادية يتم تكريسها حتى على مستوى المحاصيل الاستراتيجية، ومع ذلك لا ضمان لهذه الجدوى الاقتصادية، طالما بقيت تكاليف مستلزمات الإنتاج مرتفعة التكاليف ومتحكم بها من قبل بعض الحيتان، وطالما بقيت عمليات التسويق والبيع للمنتجات الزراعية بأيدي بعض الحيتان المتحكمين بالسوق، والأهم، طالما استمرت سياسات تخفيض الدعم عن القطاع الزراعي وصولاً لإنهائه!
وبالتالي، من الطبيعي بعد كل ذلك أن تتزايد معدلات ترك العمل في الإنتاج الزراعي، وهجرة الأرض من قبل المزارعين.
المفارقة بعد كل هذا الواقع المزري أن يتم الحديث الرسمي عن «ضرورة إعادة الفلاح إلى أرضه ومساعدته على استثمارها»، مع غض الطرف عن كل المعيقات والصعوبات التي تواجه الإنتاج الزراعي، والتي يعاني منها هذا الفلاح مع كل موسم ومحصول!

دعوة إعلامية للاستجداء

بتاريخ 21/9/2022 وخلال ورشة العمل الختامية لمشروع الزراعة التجددية في سورية، التي يقيمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، دعا وزير الزراعة إلى «ضرورة إعادة الفلاح إلى أرضه، ومساعدته على استثمارها، وخاصة في الأراضي التي خرجت من الاستثمار لأسباب معينة، كصغر الحيازة أو تعرضها للضرر، وهي مازالت صالحة للاستثمار، ودراسة الموارد الموجودة فيها، الأرضية والمائية والمناخ والقوة البشرية، وميزاتها النسبية، وتحديد أسباب اختيارها لإقامة أي مشروع فيها، مشيراً إلى دور المنظمات الدولية العاملة في سورية بذلك».
حديث الوزير أعلاه يظهر وكأنه لا يعلم ما يعاني منه الفلاح، وما هي حال المواسم والمحاصيل، بل وكأنه في حال اغتراب عن واقع القطاع الزراعي جملة وتفصيلاً، لتظهر الأهمية في العبارة أعلاه محصورة بالدور المتوقع من المنظمات الدولية العاملة في سورية على مستوى التمويل، أي تسويق وترويج إعلامي بغاية المزيد من استجداء من هذه المنظمات لدعم الزراعة، في تكريس لتغييب دور الدولة على هذا المستوى!
مع العلم أن وزارة الزراعة، والحكومة من خلفها، تعلم كل ذلك وبالتفاصيل المملة، بل وتزيد من جملة هذه المعيقات والصعوبات كلما أمكن ذلك لتقويض الإنتاج الزراعي، وصولاً لإنهائه على ما يبدو كاستراتيجية، فالسياسات المطبقة تجاه القطاع الزراعي والإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني تسير على قدم وساق بهذا الاتجاه، ودون توقف حتى الآن!
ولعل تحرير أسعار الأسمدة مؤخراً، والإنهاء الكلي للدعم عنها، واحدة من مفردات هذه السياسات، المترافقة مع استمرار تخفيض الدعم عن بقية المستلزمات، وخاصة المحروقات وبقية حوامل الطاقة، التي تزيد بمجملها من تكاليف الإنتاج، وتكبد المزارعين المزيد من الخسائر سنوياً.

التعويل على الحيازات الصغيرة!

الملفت خلال ورشة العمل التي أقيمت تحت عنوان «مشروع الزراعة التجددية»، أن هذا المشروع مخصص للحيازات الصغيرة، وتم تنفيذه من خلال عدد محدود من المزارعين المشاركين فيه.
فقد أوضحت ناديا العطار من مشروع التنمية الريفية: أن «مشروع الزراعة التجددية الذي تم تنفيذه بالتعاون مع دائرة الإنتاج العضوي في وزارة الزراعة كان من أهم نتائجه هو نقل المعرفة إلى 170 مزارعاً قاموا بتنفيذ هذه الزراعة على حيازات صغيرة في أراضيهم، وأظهرت النتائج قدرات الزراعة التجددية على خفض التكاليف وتحسين الإنتاجية ونوعية المنتج، وتم من خلال المشروع فتح منافذ تسويقية للمنتجات العضوية التجددية».
الكارثة فيما سبق أعلاه، أن التعويل الرسمي بات مركزاً على الحيازات الصغيرة كاستثمار في الإنتاج الزراعي، مع التعويل على ما يمكن أن تقدمه المنظمات الدولية من تمويل لهذه الغاية، ولعدد محدود من المزارعين بالنتيجة، مقابل التغطية على تراجع الدعم الحكومي، وتغييب دور الدولة على مستوى الزراعات والمحاصيل الاستراتيجية، والحيازات الأكبر، وعموم المزارعين والأراضي الزراعية والإنتاج الزراعي بالنتيجة.
فهل هذا هو الشكل الذي سيعيد الفلاح إلى أرضه، والذي يتم التعويل عليه رسمياً؟
أم هذا شكل جديد للتغطية على موبقات السياسات الزراعية بنتائجها الكارثية على المزارعين والمستهلكين والأمن الغذائي والمصلحة الوطنية؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1089