على أعتاب الامتحانات المدرسية: ثلاثة آلاف مدرسة «مدمرة».. وقذائف «الهاون» تترصد الباقي

على أعتاب الامتحانات المدرسية: ثلاثة آلاف مدرسة «مدمرة».. وقذائف «الهاون» تترصد الباقي

تعاني المدارس التعليمية في سورية من تداعيات استمرار الأزمة الوطنية الشاملة وآثار الدمار الكارثي الذي طال المؤسسات والبنى التحتية في أغلب مناطق البلاد، وانعكاساتها على سير العملية التعليمية في المجتمع بدءاً من عدد المدارس القادرة على استيعاب الطلاب وخاصة مع تزايد عدد النازحين إلى المدن وبشكل خاص العاصمة دمشق مقارنة مع العام الماضي، إلى قضية الدوام الجزئي، وبُعد المدارس عن أماكن سكن البعض، وتعطل مدارس أخرى إثر تعرضها للاعتداء أو لاحتوائها الأسر النازحة، وصولاً إلى ارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية وغلاء المعيشة.

«شيرين» أم لـ3 أطفال، لم تعد قادرة اليوم على ضبط أبنائها واقناعهم بأهمية الدراسة قبيل بدء الإمتحانات التي باتت على الأبواب، وذلك بعدما خسرت العائلة كل شيء في مدينة عدرا بريف دمشق، فبحسب تعبيرها «سابقاً كان يمكن ضبط جو المنزل بشكل عام والتحكم بحركة الأطفال أكثر وإجبارهم على الدراسة، أما اليوم فذلك صعب جداً». 

«لامبالاة» تجاه الدراسة

وتابعت «بعد نزوحنا من منطقة عدرا، لم نجد سوى منزل أحد أقربائنا للعيش فيه. هم لديهم أطفال وأنا لدي أطفالي، ومن الصعب جداً ضبطهم في منزل صغير»، مشيرةً إلى أن «الأطفال يعلمون تماماً أنهم خسروا كل شيء حتى وصلوا لمرحلة اللامبالاة في الدراسة، وهنا ألقي اللوم على الكادر التعليمي في المدارس ووزارة التربية، التي لا تقوم بتخصيص ولو ساعة واحدة للأطفال لتوعيتهم بضرورة الدراسة حتى لو فقدوا منازلهم».

وأردفت «نطالب وزارة التربية أن تخصص حصص فراغ فقط ليقوم الطلاب بالدراسة للإمتحانات مع وجود مشرف مختص، خاصة وأن أغلب الأسر النازحة غير قادرة على تأمين مكان مناسب لدراسة أبنائهم».

 

غرف فارغة وأطفال «منسيّون»!

وبدورها، قالت «فداء»، طالبة جامعية وهي أخت لطفلين في الصف السادس والرابع، إن «مركز الإيواء الذي نقطن به في مشروع دمر يحوي على عدة غرف فارغة، وطالبنا أكثر من مرة القائمين عليه أن يقوموا بتخصيص هذه الغرف لدراسة الطلاب قبل الإمتحانات دون جدوى، فالطلاب بهذه المدارس بعداد المنسيين».

وأردفت «في مراكز الإيواء ضجيج عال، ولا يمكن التحكم بجميع النزلاء في وقت الإمتحانات، وهذا الأمر أعاق التحصيل العلمي لدى أغلب الطلاب، ويعيق حالياً تحضيرهم للإمتحانات، وخاصة بظل غياب اهتمام ورعاية من قبل القائمين على هذه المراكز».

 

الكهرباء مشكلة «مستمرة»

قضية انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، مازالت المؤرق الدائم لدى الطلاب وذويهم، وبحسب «أم سليمان» وهي ربة منزل ولديها طفل في الصف التاسع، فإن «أغلب الأسر تكيّفت مع الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي فجائياً كان أو منتظماً، لكن لا يمكن إجبار الطالب على الدراسة وقت انقطاع التيار، خاصة وأن الإنارة الضعيفة لا تساعد على التركيز، وقد تضر بشبكية العين وتسبب الصداع».

وتابعت «قد يدوم انقطاع التيار لساعات وفي بعض الأعطال قد تدوم المشكلة لأيام، وبهذه الحالة يخسر الطالب وقتاً كان يجب استثماره في التحصيل العلمي».

 

الطلاب والهاون

التوقف الإجباري للمدارس الحكومية، ساهم أيضاً بتأخر طلاب مدارس معينة وخاصة في ريف دمشق، عن اتمام المنهاج الدراسي بشكل جيد وكامل، فمؤخراً اضطرت مدارس مدينة جرمانا بريف دمشق إلى إغلاق أبوابها أمام الطلاب بسبب التوترات الأمنية الأخيرة.

وبحسب «إباء» وهي طالبة في الصف الحادي عشر بإحدى مدارس مدينة جرماناً، فإن «الطلاب يعانون الخوف الدائم، وخاصة أن قذائف الهاون تمطر المدينة بشكل يومي وقد أودت بحياة العشرات من الطلاب، وهذا شيء مهم جداً يجب أخذه بعين الإعتبار، كون الطالب اليوم لا يتمتع بالراحة النفسية اللازمة التي يمكن أن تحثه على الدراسة».

وأردفت «تم استهداف عدة مدارس في المنطقة، ولا نعلم إن كنا سنكون من عداد الشهداء عند ذهابنا لتقديم الامتحانات».

 

الطلاب يدفعون التكاليف

ومن جهة أخرى، وفي شكوى جديدة من نوعهاً، «أجبر» طلاب بعض المدارس الابتدائية بدمشق وريفها على شراء أوراق الإمتحانات وتزويد المدارس بها على حسابهم الخاص، بحجة أن القرطاسية لا تكفي، وإن ميزانية هذه المدارس قليلة.

وقالت «هديل»، التي تعمل في الحقل الإعلامي، إن «بعض أقربائي طلب منهم المدرسون شراء 14 ورقة A4 لتقوم المدرسة بطباعة أسئلة الإمتحانات للطلاب الذين يحضرون هذه الأوراق، في حين خيّرت مدارس أخرى الطلاب بذلك دون إجبار».

وتابعت هديل «عندما عدنا للمدرسين وسألناهم عن السبب، أكدوا بأنهم على هذه الحال منذ العام الماضي، حيث يقومون بشراء أوراق المذاكرات والامتحانات ويطبعونها على حسابهم الخاص أغلب الأحيان»، مشيرين إلى «عدم المساواة من التربية بتوزيع الطابعات والأوراق على المدراس».

وبحسب هديل، فإن «المدرسين أجمعوا على أن الـ 90 ليرة التي يدفعها الطلاب بداية العام كتعاون نشاط، قسم منها يحوّل إلى مديريات التربية، وما تبقى لا يكفي لتغطية نفقات أول مذاكرة».

وأضافت «هناك ترهل في القطاع التربوي وتقصير، وأن ردود التربية دائماً تأتي بأن هناك أولويات لديها مثل ترميم المدراس المدمرة».

 

«المنغصات» والواقع الأليم

وتعاني المدارس في سورية من عدة «منغصات»، بدءاً من عدد المدارس القادرة على استيعاب الطلاب وخاصة مع تزايد عدد الوافدين إلى دمشق مقارنة مع العام الماضي، إلى قضية الدوام الجزئي، وبُعد المدارس عن أماكن سكن البعض، وتعطل مدارس أخرى إثر تعرضها للاعتداء أو لاحتوائها الأسر النازحة، وصولاً إلى ارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية.

ومع بداية العام الدراسي الحالي، أعرب العديد من الطلاب وأسرهم عن مخاوفهم من الدوام الجزئي المسائي وخاصة فصل الشتاء مع اقتراب حلول الظلام في ظل الظروف الأمنية الصعبة، وخاصة على الطلاب الذين تبعد مدارسهم عن أماكن سكنهم، ومنهم طلاب الشهادات الأحرار.

 

أرقام الإحصائيات

وقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» العام الماضي، أن نحو40% من التلاميذ بين 6 و15 عاماً في سورية توقفوا عن ارتياد المدرسة، إلا أن المؤسسات التعليمية في دمشق لا تزال تعمل بمعظمها، وأن كان عدد غير قليل منها تم تحويله إلى مراكز إيواء للنازحين.

وبحسب «اليونيسيف»، فإن أكثر من ثلاثة آلاف مدرسة، دمرت أو تضررت في سورية منذ بداية الأزمة عام 2011، ونحو 900 مدرسة تقطنها عائلات نازحة، في حين بلغ عدد موظفي التعليم الذين قتلوا في أعمال العنف التي يشهدها الصراع المستمر في مختلف مناطق سورية إلى 222 موظفاً.