رحلة الألف ميل لتنفيذ المشاريع تبدأ بدراسة الجدوى.. ولا تنتهي بالمحاسبة
تقول الحكمة: «إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة»، وإذا أراد أحد المستثمرين ، فرداً كان أو مجموعة أفراد، شخصاً عادياً أو شخصية اعتبارية، الشروع بتنفيذ مشروع يدر عليه أرباحاً تتناسب ورأس المال المرصود لتنفيذه، فإن الخطوة الأولى فيه هي دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، والتي تعتبر من أهم الخطوات لنجاح المشاريع، وهي تعني عملياً جمع المعلومات عن مشروع مقترح ومن ثم تحليلها لمعرفة إمكانية تنفيذه، وتقليل المخاطر، ومدى ربحية المشروع، وبالتالي يجب معرفة مدى نجاح هذا المشروع أو خسارته مقارنة بالسوق المحلية واحتياجاتها.
ومن هنا يجب عمل دراسة للسوق المحلية من حيث احتياجاتها ومتطلباتها وذلك بدراسة العناصر التالية: دراسة السوق والدراسة الفنية والدراسة المالية للتعرف على مدى توفر الإمكانيات اللازمة لتنفيذ المشروع وتسويق إنتاجه وهل هو مربح أم لا؟ ومن المعروف بأن الدولة أحدثت شركة عامة هي الشركة العامة للدراسات الفنية مهمتها الأساسية دراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع الحكومية بل والمشاريع الخاصة أيضاً، لكن وبسبب الفساد المستشري في هياكلنا الحكومية ومع غياب المحاسبة من الجهات الرقابية وعدم مساءلة المسؤولين عن تنفيذ المشاريع دون إجراء الدراسات الفنية للتعرف على الجدوى الاقتصادية منها يؤدي وباستمرار إلى هدر للأموال العامة لمصلحة أشخاص متنفذين في هذه الدائرة أو هذه الوزارة أوتالك أو هذه المحافظة أوتلك. ففي خبر جاء في أحد المواقع الالكترونية يقر بوجود مشكلة معلقة بين جهتين حكوميتين في محافظة اللاذقية وهما: شركة مرفأ اللاذقية، وفرع المؤسسة العامة للمناطق الحرة «المنطقة الحرة المرفئية»، والخلاف بينهما حول كيفية وماهية إنهاء واقع استثمار هذه المنطقة التي تشغل أكثر من 30 ألف متر مربع ضمن حرم المرفأ وإمكانية إعادتها إلى شركة المرفأ لتوسيعه وتطويره، في حين دخلت الآن محافظة اللاذقية عبر مجلسها الذي يطالب بهذه المساحة لإعادة استثمارها لمصلحة. وبعد أن أخذت هذه القضية مداها من حيث تقاذف الاتهامات بين مختلف الإدارات، يضيف الخبر أنه قد تبين وجود بناء كبير أقامته المؤسسة العامة للمناطق الحرة منذ سنوات ضمن الحرم وداخل المنطقة الحرة المرفئية بهدف استثماره تجارياً كفندق من عدة نجوم ومكاتب تجارية.. ولكن وبعد الانتهاء من أعمال الإنشاء والإكساء لبناء مؤلف من ثمانية طوابق مع ملحقاتها وتوفير كل مستلزمات العمل فيه... إلا أنه بقي طيلة هذه السنوات حتى الآن عرضةً لرطوبة البحر الملاصق له وبالتالي اهتلاك واضح وتآكل لمكونات هذا المشروع الذي وصل إجمالي تكاليفه إلى نحو 500 مليون ليرة سورية !! هذا عندما كانت أسعار المواد دون سعرها الحالي بكثير.
ويجري التفاوض حالياً من أجل ضم الفندق إلى إدارة مرفأ اللاذقية واستخدامه كبناء جديد لشركة المرفأ،علماً أن تصميمه بالأساس جاء كفندق ومكاتب تجارية وملحقاتها، ومازال المشروع بانتظار الاستثمار الأمثل لهُ.
وهناك العديد من الأمثلة المشابهة لهذه الحالة كالبناء المشاد في مدخل مدينة اللاذقية «دوار الزراعة» والمؤلف من عدة طوابق ومصمم كفندق مع ملحقاته وبكلفة إجمالية وصلت الى حوالي 350 مليون ليرة سورية، والبناء مجهز بكل مستلزماته إلا أنه لم يزل حتى الآن دون استثمار مثله كبقية الاستثمارات الحكومية الفاشلة التي تقوم بها مؤسسات الدولة بعيداً عن الاستثمار الحقيقي لها، بل ويمكن القول إن تلك الأبنية ومثيلاتها في باقي المحافظات التي جاء أغلبها بمبادرات شخصية تبقى مجرد استثمار افتراضي وفنادق ومشاريع افتراضية دون أي إيراد او استثمار فعلي لها.
وفي تعليق ظريف أشار أحد المواطنين بأن بعض المسؤولين يعتبرون ان الجهة التي يديرونها مزرعة شخصية وبالتالي يتصرفون بمزرعتهم كما يشاؤون دون العودة الى أحد والمقصود من مثل هذه الاستثمارات الحصول على «الكومسيون» المعلوم لإنشائها ومن ثم استثمارها. ففي إدلب مثلاً كان يتصرف أحد المحافظين السابقين بدلاً من مكان واحد للسكن فيلتان فخمتان، فلم تستوعباه وأمر باستملاك عشرة دونمات وأمر ببناء قصر فخم جداً وهو يعلم أنه لن يبقى في المحافظة ليسكنه بعد انتهائه، وهكذا بني على الهيكل في عهده الميمون ثم أكمل في عهد غيره من المحافظين وكان كل من المحافظين يحسن ويكبر ويطور على هواه في البناء حتى أصبح يضاهي قصور ألف ليلة وليلة، والآن هو فارغ لا أحد فيه ويحتاج لورشة دائمة للصيانة! فمن ياترى سيحاسب على تكاليفه التي بلغت مئات الملايين؟ إنه سؤال برسم المسؤولين عن المحاسبة عن مثل هذه المشروعات الفاسدة وغير المدروسة اقتصاديا وتؤدي لهدر ملايين الليرات المستثمرة في الهباء مع تذكيرهم بالمثل الشعبي القائل «المال الداشر يعلم الناس السرقة»!.