مسمار جديد في نعش الدعم

مسمار جديد في نعش الدعم

تمّ بتوجيه من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وضع كشك من قبل المؤسسة السورية للمخابز بمنطقة ركن الدين مجمع ابن العميد، وهو أكبر تجمع أفران في العاصمة، حيث سيتم بيع الخبز بدون بطاقة ذكية وبسعر 1300 ليرة سورية للربطة، «1250 ليرة سعر الربطة+ 50 ليرة عمولة نقل وتوزيع».

وأكد مصدر في الوزارة أنّ هذه العملية سوف تتم في عدة مناطق في دمشق قيد التجربة، ريثما يتم تعميمها على باقي المحافظات.
وبغض النظر عن مدى نجاح التجربة من عدمها، فإن الوزارة بهذا الإجراء قد عومت سعر الخبز الحر خارج البطاقة بشكل رسمي.

زيادة الطين بلّة

كانت وما زالت حجة الحكومة المعلنة هي الحد من ظاهرة المتاجرة بربطة الخبز «المدعوم» على الطرقات والأرصفة وبيعها بسعر زائد!
واللجوء لهذا النوع من الحلول، البيع بالسعر الحر خارج البطاقة الذكية، هو اعتراف بالعجز عن مكافحة هذه الظاهرة، واعتراف أيضاً بانعدام العدالة في توزيع مادة الخبز «للمستحقين» عبر أقنية الذكاء، رغم كل التغني به!
أما عن موضوع أكشاك الخبز فهو ليس جديداً، فقد سبق أن تم وضع أحدها في نفس المنطقة، تجمع ابن العميد، أيضاً كتجربة للبيع بموجب البطاقة «للمستحقين» منذ ثلاثة أعوام تقريباً، وما لبث أن تمت إزالته بذريعة عدم التنسيق مع المحافظة بحينه!
ولتستمر السوق السوداء للرغيف «المدعوم» على حالها من النهب واستغلال الحاجات حتى تاريخه.
إنّ هذا التوجه يناقض تماماً الحجة المعلنة، فتوفير الخبز في بعض الأكشاك بالسعر الحر 1300 ليرة لن يساهم إلّا في رفع أسعاره عبر أقنية الفساد والسوق السوداء!
فالأكشاك المعلن عنها بحال تعميم التجربة، لن تكون إلا مصدراً جديداً للمادة بالنسبة للعاملين في شبكات الاتجار بها، حالها كحال كوات بيع المخابز، ولم لا؟!
فإن كان البائع غير النظامي في السوق السوداء يبيع الربطة بسعر وصل أحياناً إلى حدود 1500 قبل هذا التوجه، فربما يصل سعر الربطة الآن إلى ما يقارب الـ 2000 ليرة سورية، الأمر الذي سيزيد من معاناة المواطنين المحتاجين، والمستبعدين من الدعم لأي سبب كان، وخصوصاً للعوائل الكبيرة التي تمّ تخفيض مخصصاتها من الخبز المدعوم، وكانت وما زالت مضطرة للتوجه إلى السوق السوداء لسدّ رمقها!

الحفاظ على الدعم والسوق السوداء معاً

اعتاد السوريون على نمط معين للعمل الحكومي بما يخص أزمات المواطنين، خصوصاً بما يتعلق بسياسات تخفيض الدعم المتتالية على المواد المدعومة.
فبدلاً من مكافحة السوق السوداء على هذه المواد والحد منها من خلال تأمينها عبر الأقنية الرسمية بالكميات الكافية للاحتياجات، تقوم بشرعنة هذه السوق عبر تحرير أسعار هذه المواد رسمياً وعلى التتابع، مع الاستمرار طبعاً بإدارة الندرة فيها بما يضمن استمرار عمل السوق السوداء وشبكاته الاستغلالية والناهبة والفاسدة!
فالمخصصات «المدعومة» من المواد والسلع أصبحت غير كافية لسد الحاجات الفعلية منها كنتيجة لسياسات تخفيض الدعم المعمول بها بالاستعانة بالذكاء، ما يعني استمرار اضطرر المحتاجين للجوء إلى السوق الحرة والسوداء، وبالتالي الاضطرار للرضوخ لعوامل الاستغلال فيه.
وهذا الأمر شهدناه على مستوى المشتقات النفطية (مازوت وبنزين)، والسعر الحر المعوّم رسمياً لها، مع استمرار السوق السوداء لها!
وكذلك على مستوى الرز والسكر ودورات التوزيع غير المنتظمة لها، بالتوازي مع تحرير أسعارها في صالات السورية للتجارة مع عدم توفرها فيها طبعاً، وبالتالي الاضطرار للجوء إلى السوق الحرة وبأسعاره الاحتكارية لتأمينها!
والآن نراه على مستوى تعويم السعر الحر للخبز التمويني وفقاً للتجربة المعلن عنها أعلاه، مع استمرار الحاجة لتأمين الاحتياجات منه اضطراراً عبر السوق السوداء، أو بالاستعانة بالخبز السياحي!
وربما يكون التالي من نصيب تعويم سعر الغاز المنزلي، الذي بدأ عملياً للمستبعدين من الدعم حالياً، وبما يتناسب مع إستراتيجيات تخفيض الدعم الرسمي المعمول بها، مع استفحال عمل السوق السوداء على هذه المادة!
فسوء الأمر لم يعد ينحصر بتخفيض الدعم مع التحرير السعري للمواد المدعومة فقط، بل في الحفاظ على ما تبقى من هذا الدعم، وبحدوده الدنيا، وبما يضمن الحفاظ على مصالح شبكات النهب والفساد عبر السوق السوداء استغلالاً لحاجات العباد من المواد والسلع «المدعومة».
فالسياسات الفاسدة في إدارة الأزمات، وفسح المجال لتفاقم المزيد منها، لن تنتج إلا المزيد من عوامل الفساد والاستغلال في هذه الأزمات، على حساب مصالح العباد والبلاد!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1082