أرباحٌ وريعٌ على حساب الشريحة الأضعف
يستمر الضغط على الشريحة الأضعف في المجتمع من ذوي الدخل المحدود، وعلى مستوى كافة الخدمات التي تقدمها الدولة، في ظل التراجع المستمر والمتدهور للمستوى المعيشي لهؤلاء، ومن جملة تلك الخدمات، التي عادت إلى واجهة الحديث الإعلامي، خدمة التأمين الصحي.
الجديد بما يخص الخدمة، أنه اعتباراً من بداية شهر آب المقبل سيتم اعتماد تعرفة جديدة لخدمات التأمين الصحي، ذلك وفقاً لتصريح نقيب الأطباء يوم 20 تموز الجاري، الذي أكد أن التعرفة الجديدة ستكون مُرضية لجميع الأطراف، وأن حل مشكلة التأمين يتطلب تشكيل لجان ودراسة تبعاتها من حيث رفع تغطيات التأمين وزيادة الاشتراكات...
بين الوعود والعراقيل
جاءت وعود رفع التعرفة بعد توقف عدد من المشافي الخاصة في مدينة اللاذقية عن تعاملها مع التأمين، بسبب التعرفة الخاسرة الحالية، على أن تعود لتعاملها مع التأمين ريثما يتم إصدار التعرفة الجديدة مع بداية الشهر المقبل.
الجدير بالذكر، أن شكل معادلة التأمين الصحي، بل وحلها، بقي على حاله منذ عقود وحتى يومنا الحاضر، فارتفاع الأسعار المستمر على مستوى «الأدوية والمنتجات الطبية بالإضافة للخدمات الصحية كالصور والتحاليل المخبرية عبر المشافي أو المراكز الطبية وتعرفة معاينة الطبيب»، في ظل الأجور التي لا تتناسب والقدرة الشرائية، وهذا ينعكس آخر الأمر على نسبة تغطية البطاقة الصحية للمؤمن عليه، لتشكل عبئاً وفجوة كبيرين بين علاقة المؤمن عليه من ذوي الدخل المحدود، ومن يقدم الخدمة الطبية له!
فمهما كان شكل المعادلة مشوهاً بينهما، يبقى هناك طرف وحيد متمثل بشركات التأمين، يستنزف الطرفين نحو المزيد من الأرباح لصالحه.
وتعقيباً على التصريح أعلاه، يجدر طرح السؤال الأكثر إلحاحاً: كيف يمكن أن تكون التعرفة الجديدة مُرضية لجميع الأطراف، طالما أن أجور المؤمن عليهم لا تسد تكاليف مستوى معيشة أسبوع في أحسن الأحوال؟!
حيث أن رفع تعرفة التأمين الصحي، يعني تغطية تلك الزيادة من رواتب الموظفين المؤمن عليهم، وبالتالي المتضرر الأكبر هم هذه الشريحة بالدرجة الأولى، طالما أنه لم يجرِ تعديل الأجور بما يتناسب مع القدرة الشرائية لهم، وهذا يعني أن على الموظف أن يتحمل تلك الزيادة المُرضية، كما يجري الحديث عنها لبقية أطراف العملية!
تطفيش المؤسسات الصحية
من الطبيعي القول: إن معاملات التأمين الصحي يتخللها الكثير من البيروقراطية الرتيبة والمملة للغاية، من حيث آلية العمل بين المؤمن عليه ومقدمي الخدمة الصحية من جهة، وبين مقدمي الخدمة الصحية وشركات التأمين من جهة أخرى، مما أدى إلى تسرب وعدم التعاقد من قبل العديد من المؤسسات الصحية مع شركات التأمين الصحي.
فمن جملة تلك العوامل الكثيرة، تأخر شركات التأمين عن صرف استحقاقات المؤسسات الصحية من وصفات التأمين الصحي لأشهر عدة، ومع الارتفاع المستمر بالأسعار تفقد تلك الاستحقاقات قيمتها، والنتيجة خسارة مقدمي الخدمة الصحية فوق خسارتهم الناجمة عن تفاوت الأسعار بين الخدمة المؤمنة وغير المؤمنة، وبالتالي، أدى ذلك لتهرب أغلب المؤسسات المتعاقدة سابقاً عن تخديم البطاقة الصحية.
حتى بات التعاقد مع شركات التأمين الصحي بأغلبه يقتصر على الأطباء والصيادلة حديثي التخرج، والنتيجة انحسار عددهم بشكل كبير.
المؤمن عليه درجة دنيا
إن تراكم المشاكل لدى مقدمي الرعاية الصحية، انعكس سلباً بنتائجه على شرائح المؤمن عليهم من أصحاب الدخل المحدود، حيث أصبح البحث عن طبيب أو صيدلية تتعامل مع شركات التأمين في مكان إقامته مضنٍ للغاية، بالإضافة إلى انخفاض جودة الخدمة الطبية المقدمة للمؤمن عليهم، بسبب عدة عوامل، منها: أن المتعاقدين هم من حديثي التخرج، وليس لديهم الخبرة الكافية لتقديم الرعاية الطبية بالجودة المطلوبة، ومنها بسبب التفاوت بين التعرفة التأمينية وتعرفة السوق، مما جعل مقدمي الرعاية اعتبار الموظف المؤمن عليه ذو درجة دنيا، ناهيك عن عدم تغطية شركات التأمين الكثير من الأمراض والحالات الصحية.
من المستفيد من المعادلة المستحيلة؟!
يبقى القول: إن المستفيد الأكبر من عملية التأمين الصحي هي شركات الـتأمين، عبر نظام التعقيد والتعجيز والتطفيش المطبق من قبلها، أولاً: على الموظف، الذي يُعد الخاسر الأكبر من تلك المعادلة، كونه يتم اقتطاع مبالغ مالية شهرية مسبقة ودون جدوى. وثانياً: على مقدمي خدمة الرعاية الصحية من خلال لعب شركات التأمين على عامل الزمن لحين صرف نشرات واستحقاقات المتعاقدين معها.
فلم يعد مستغرباً كون التأمين الصحي، بات معادلة مستحيلة الحل وفق المعطيات السابقة والحالية، بين الطرف الأول من المؤمن عليه، ومن يقدم الخدمة لهم سواء «أطباء- صيادلة– مخبريين- مشافي»، وبين الطرف الرابح دائماً، والمتمثل بشركات التأمين.
فهل من حل جدي ونهائي لهذه المعادلة أم ستبقى مستحيلة؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1080