أمراض قديمة ومنسية تظهر مجدداً
تم الإعلان عن ظهور إصابات بمرض «الدفتيريا» في منطقة الزبداني مطلع الأسبوع الماضي، وهو يعتبر من الأمراض المعدية المنسية التي لم يتم تسجيل إصابات بها خلال العقود الماضية في سورية.
فقد نقلت صحيفة البعث بتاريخ 19/6/2022 أن رئيس منطقة الزبداني الصحية كشف عن «ظهور إصابات بمرض الدفتيريا، وذلك من خلال التحاليل المخبرية التي أثبتت وجود إصابات في المدينة».
وبحسب رئيس منطقة الزبداني الصحية: «بلغ عدد الحالات 3، وهناك 4 حالات مشتبه بها».
دور وزاري تأخر الإعلان عنه
بتاريخ 21/6/2022 وتحت عنوان «بيان استجابة» على الصفحة الرسمية لوزارة الصحة ورد التالي: «في إطار العمل المستمر لفرق التقصي الوبائي التابعة لوزارة الصحة، تم في تاريخ 7 حزيران إبلاغ مديرية الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة عن أعراض حالة مشتبهة بمرض الدفتريا «الخَنَّاق» لشاب يبلغ من العمر 27 سنة وذلك في منطقة الزبداني– ريف دمشق».
وبحسب البيان، فقد تمت الاستجابة اللحظية كما يلي: «تم أخذ عينة مخبرية من الشاب ومخالطيه، وأرسلت إلى مخبر متخصص ومعتمد من منظمة الصحة العالمية في إقليم شرق المتوسط- تم تعزيز عمل فرق الترصد الصحية بالمنطقة ومحيطها- وتنفيذ حملة لقاح محلية كاستجابة وقائية بإعطاء اللقاح الخماسي للأطفال دون الــ 5 سنوات، واللقاح الثنائي الطفلي حتى 7 سنوات، واللقاح الثنائي الكهلي لأكبر من 7 سنوات، وخاصة لمن تجاوزت الجرعة السابقة عنده أكثر من 5 سنوات، وذلك في كامل منطقة الزبداني، مع التنويه أن حملات اللقاح مستمرة في المناطق المحيطة لرفع نسبة المُمنعين من المرض».
وبحسب البيان أيضاً: «اليوم، بتاريخ 21 حزيران صدرت نتيجة الشاب، وكانت «دفتريا غير مذيفنة» أي إصابة غير شديدة لا تتسبب بحدوث وباء، وحسب التعريف القياسي للدفتريا من منظمة الصحة العالمية هي «حالة مستبعدة». مع العلم أنه من الممكن تواجدها في أي مجتمع إلا أن اللقاح يمنع سرايتها. بتاريخ 19 حزيران تم الإبلاغ عن حالتين مشتبهتين أيضاً في الزبداني، فتم أخذ العينات اللازمة وأرسلت للمخبر المعني في اليوم ذاته، ولم تصدر النتيجة حتى الآن.. وسيتم الإعلان عن النتيجة فور صدورها- تماثلت حالة الشاب للشفاء بعد الخضوع للعلاج دون حدوث اختلاطات».
معلومات إضافية هامة
بحسب بيان وزارة الصحة: «الدفتريا مرض ناجم عن إصابة بكتيرية تكون أعراضه متفاوتة، ومن الممكن أن تشمل (التهاب في البلعوم- غشاء رمادي يتشكل بفعل الذيفان في البلعوم- تعب- صعوبة في التنفس- حمى- تضخم في العقد اللمفاوية). وينتقل مرض الخناق عن طريق السعال والعطاس والمخالطة اللصيقة، وتكمن سبل الوقاية بالالتزام بأساسيات الصحة العامة، مثل: غسل اليدين، إضافة إلى العطاس والسعال بمنديل، وتجنب ملامسة العينين والأنف والفم، وتجنب الأماكن المغلقة المزدحمة، وعدم لمس الأسطح الملوثة. وتعد الطريقة الأكثر فعالية عالمياً لمنع الإصابة بالدفتريا هي الحفاظ على مستوى عالٍ من التمنيع باللقاح في المجتمع، والجدير بالذكر، أن اللقاح ضد الدفتريا موجود في برنامج اللقاح الوطني في سورية للأطفال دون الخمس سنوات، وفي السن المدرسي، وللسيدات في سن الإنجاب مع لقاح الكزاز، وهو السبب الذي أدى لاختفاء المرض منذ إدخال لقاح الدفتريا في برنامج التلقيح الوطني عام ١٩٨٧. وهنا تؤكد وزارة الصحة للأهالي أهمية الالتزام بجدول لقاحات أطفالهم لحمايتهم من جميع أمراض الطفولة الخطرة».
الأسباب المغيبة
بيان وزارة الصحة لم يعرج عن أسباب ظهور المرض مجدداً، لكن رئيس منطقة الزبداني الصحية اعتبر أنه: «نتيجة التراكمات، والأوضاع البيئية، وانتشار البكتيريا والجراثيم الهوائية في المنطقة، زمن الحرب، أدى ذلك إلى ظهور هذه الحالات».
ولعل الأمر أعقد من ذلك بكثير، فبالإضافة إلى الأسباب الهامة التي ذكرها رئيس منطقة الزبداني الصحية، فإن غالبية الأمراض مرتبطة بداية بتردي الواقع المعيشي، وسوء ونقص الوارد الغذائي، وبالتالي، بتراجع وضعف المناعة المكتسبة، بالتوازي مع واقع تراجع القطاع الصحي عموماً، بما في ذلك ربما التقصير في تغطية اللقاحات لجميع المستهدفين، أو الإهمال في ذلك، وبحال كان المرض خطيراً ومعدياً فإن النتائج تكون أكثر كارثية وسوءاً طبعاً.
فغياب الأسباب عن بيان وزارة الصحة لا يعفيها كما لا يعفي الحكومة عن مسؤولياتها تجاه معالجتها.
منظمة الصحة العالمية تتجاهل
الملفت في الأمر، هو غياب كل ما سبق عن صفحة منظمة الصحة العالمية في إقليم شرق المتوسط الرسمية، علماً أن أحد مخابرها المعتمدة هو من استلم العينة المخبرية، وأصدر النتيجة للشاب الأول بأنه مصاب بـ «دفتريا غير مذيفنة»، وهو من استلم عينات الحالتين المشتبهتين كذلك الأمر، بحسب بيان وزارة الصحة!
مع العلم أن ما يرد على صفحة المنظمة من معلومات في بعض الأحيان أقل أهمية بكثير من رصد حالات لمرض قديم ومنسي في قطاعها الجغرافي المسؤولة عنه كتغطية صحية، والمُتابع من قبلها!
فهل سبب تجاهل المعلومة عن صفحة المنظمة الدولية كون الإصابة» غير شديدة ولا تتسبب بحدوث وباء»؟
أم إنها تنتظر حدوث الوباء وتفشيه للتباكي والاستثمار بكارثتنا لاحقاً؟!
معلومات عن المرض في بلدان أخرى
أعلنت منظمة الصحة العالمية في 4 كانون الثاني 2018 إصابة 471 شخصاً في اليمن بداء الدفتيريا، منذ بدء ظهور المرض في منتصف آب 2017.
وبعد تفشيه عام 2017 كان ممثل المنظمة في اليمن نيفيو زاغاريا قد قال في بيان مقتضب بتاريخ 29-11-2017 عن تفشي الدفتيريا في اليمن: إنه «وباء قديم تفشى مجدداً خلال الأسابيع الأخيرة في اليمن»، وأضاف «إنه لمن الصادم أن يموت الأطفال في عام 2017 بمرض قديم يمكن تجنبه باللقاحات ويسهل علاجه».
وقال تقرير نشرته وكالة رويترز يوم 29 كانون الأول 2017، إن «الأطباء في جميع أنحاء البلاد سجلوا على مدى الشهور الأربعة الماضية ما لا يقل عن 380 حالة دفتيريا، الذي كان آخر انتشار له في اليمن عام 1992». وتزامن تفشي الدفتيريا مع انتشار المجاعة في البلاد، ومتزامناً مع أسوأ حالات تفشي الكوليرا المسجلة.
كذلك تذكر مفوضية شؤون اللاجئين الأممية عام 2017 بأنّ الدفتيريا أيضاً كانت من بين الأمراض التي تفشت في مخيمات لاجئي الروهينغا المكتظة في جنوب شرق بنغلاديش، حيث يعيش اللاجئون في أكواخ من الخيزران القريبة من بعضها البعض.
ما سبق أعلاه، هو تغطية منظمة الصحة العالمية لما بعد انتشار المرض القديم والمنسي، وتفشيه في بلدان ومناطق تتشابه بعض ظروفها مع ظروفنا، وخاصة الحرب، وسوء الوضع المعيشي والغذائي والصحي، وهو قد يتوافق مع تجاهلها الحالي لما تم رصده من حالات مرضية محدودة محلياً، بانتظار التفشي.. ربما!
حقائق بعيداً عن المبالغة والتهويل
يجدر القول: إن الدفتيريا الخناقية من الجراثيم المشتبهة بالعمل عليها كسلاح بيولوجي مؤخراً، كما تظهر إحدى المعلومات التي وردت في بيان 7 آذار 2022 الصادر عن رئيس قوات الحماية النووية والبيولوجية والكيميائية التابعة للقوات المسلحة للاتحاد الروسي اللفتنانت جنرال إيغور كيريلوف:
«تم تكثيف نشاط المختبرات البيولوجية، وفقاً لبياناتنا، منذ عام 2014، وأدى ما يسمى ببرنامج (إصلاح) نظام الرعاية الصحية الأوكراني الذي تنفذه الولايات المتحدة إلى زيادة لا يمكن السيطرة عليها في المواد الخطرة والممرضة، وبالتالي لوحظت زيادة في حالات الإصابة بالحصبة الألمانية والدفتيريا والسل في أوكرانيا. زاد معدل الإصابة بالحصبة أكثر من 100 مرة. وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن أوكرانيا دولة ذات مخاطر عالية لانتشار مرض شلل الأطفال».
ويرد في البيان نفسه يومذاك، أنّ مختبر لفوف البيولوجي في أوكرانيا من بين المختبرات التي قامت السلطات الأوكرانية بعمليات إخلاء وتدمير طارئ لمحتوياتها المتعلقة بالاختبارات البيولوجية، وأنه «تم العمل على مسببات أمراض الطاعون والجمرة الخبيثة وداء الحمى المالطية في مختبر لفوف البيولوجي، ومسببات الأمراض، مثل: الدفتيريا وداء السلمونيلات والدوسنتاريا في مختبرات في خاركوف وبولتافا».
وفي مؤشرات على أمراض أخرى في المنطقة من بين التي يمكن أن يعمل عليها كأسلحة بيولوجية، تواردت أنباء في شهر أيار الماضي من العراق عن تفشي الحمى النزفية التي حصدت أرواح 8 وأصابت 40 شخصاً، وفق وزارة الصحة العراقية، التي قالت: إنها تكافح الحشرة الناقلة والمسالخ.
ويجدر بالذكر، بأن أمراض الحمى النزفية عادت إلى الواجهة الإعلامية مؤخراً أيضاً بعد ما كشفته وزارة الدفاع الروسية عن برامج أسلحة بيولوجية تتهم واشنطن بتطويرها داخل مختبرات في أوكرانيا، وكانت ما تعرف «بحمى القرم- الكونغو النزفية» أحد الأمراض التي تحدثت الدفاع الروسية عن أن البرامج البيولوجية العسكرية الأمريكية تعمل عليها.
إن ما ذكر أعلاه بلا أدنى شك، ليس للتهويل والمبالغة، كما ليس للتغطية على تقصير الحكومة ووزارة الصحة وتهربهما من مسؤولياتهما، وخاصة بما يتعلق بالجانب الاقتصادي المعيشي والصحي، بقدر ما هو لمزيد من التنبه والحذر وتحمل المسؤولية من قبلهما بشكل جدي.
فنحن لسنا بعيدين في ظل أنماط الحرب المتبعة تجاهنا من أي نمط آخر من الحروب، بما في ذلك الحروب البيولوجية، وخاصة عبر بوابات الكثير من المناطق الحدودية، المفتوحة وغير المراقبة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1076