الكتاب الجامعي ومساعي الإنعاش
رند الحسين رند الحسين

الكتاب الجامعي ومساعي الإنعاش

أصدرت جامعة دمشق في الثالث والعشرين من الشهر الجاري تعميماً إلى كافة الكليات «بضرورة متابعة موضوع الكتاب الجامعي من حيث اعتماد التدريس وتشجيع الطلاب على اقتنائه عوضاً عن النوط والمحاضرات».

وكان التعميم قد طلب تشكيل لجنة تحت إشراف عمداء الكليات مهمتها «متابعة وضع قائمة الكتب عديمة الحركة الموجودة».
يجدر بالذكر أن عميد كلية الحقوق في جامعة دمشق كان قد أعلن في عام 2018- أي منذ أربع سنوات- عن البدء بحملة شاملة على الملخصات التي تباع ويتم تداولها عبر المكتبات في الحرم الجامعي وخارجه، وذلك عبر تشكيل لجنة مخصصة لهذا الغرض، مع مخاطبة محافظة دمشق للقيام بمهامها على هذا المستوى.
ولم يحدث أي تغيير منذ حينه، بل ازداد اعتماد الطلاب على الملخصات والمحاضرات التي تجني منها المكتبات والأكشاك أرباحاً طائلة.
ويُذكر أن صحيفة الوطن قالت إن «كلفة الكتب المجمّدة في الجامعة تصل إلى حوالي 1,2 مليار ليرة سورية، بمقابل أرباح كبيرة تحققها المكتبات والأكشاك على حساب الكتاب الجامعي».

مشكلات الكتاب الجامعي

تراجع دور الكتاب الجامعي كمرجعٍ أساسي للدراسة منذ سنوات طويلة، تمتد إلى ما قبل الأزمة السورية، ولكنّ هذه الظاهرة باتت منتشرة أكثر فأكثر خلال السنوات الأخيرة؛ حيث بات اعتماد الطالب الكلّي على المحاضرات والنوط التي يقوم بعض الطلاب أنفسهم بإعدادها، وبيعها للمكتبات والأكشاك ضمن نسب ربحٍ عالية للمكتبات.
والسبب في الابتعاد عن الكتب يعودُ في الغالب إلى عدم التزام دكاترة الجامعات بالمقررات الموضوعة أثناء إلقاء المحاضرات، ممّا يدفع الطلاب إلى كتابة ما يقوله الدكتور أو تسجيله وتحويله إلى محاضرات مكتوبة تُباع في الأكشاك.
إضافةً إلى ذلك يعمد بعض من المعيدين والدكاترة إلى إصدار ملخّصات معتمدة للدراسة من قبلهم (دون الإعلان عن ذلك رسمياً كونه مخالفاً طبعاً) لتُباع أيضاً في المكتبات، ولتكون نسب الربح مقسّمة آنذاك بينهم وبين المكتبات، على حساب الطالب الراكض وراء تحصيل علامته من المصادر المتاحة.

جسور ثقة مهدمة

يقول أحد طلاب الكليات الطبية لقاسيون: «السبب في عدم اقتناء الكتاب الجامعي يعود إلى جسور الثقة المهدّمة بين الطالب والكتاب، فبالإضافة إلى أنّ معظم هذه الكتب قديمة إلّا أن بعض الأساسيات التي يعطينا إيّاها الدكتور موجودة فيها، ولكنّ الحشو الزائد فيها إضافةً إلى قلّة أو انعدام إشارة دكتور المادة إلى الكتاب قد قلّص ثقة الطالب فيه، وباتت المحاضرات هي المعتمد الأساسي للدراسة».
يضيف الطالب: «ولا ننسى أنّ المحاضرات المباعة عبر المكتبات هي الأخرى فيها مشكلاتها، إذ يتواجد عادةً فريقان أو ثلاثة من الطلاب لكتابة المحاضرات بكل كلية، يتبع كل فريق إلى مكتبةٍ معينة، وقد حدث كثيراً مصادفة معلوماتٍ متناقضة بين مضامين محاضرات هذه الفرق، خصوصاً في الفروع الطبية التي ينبغي أن تصل المعلومات بشكلٍ دقيقٍ جداً للطالب».

كيف يمكن إنعاش الكتاب الجامعي؟

لتطبيق التعميم أعلاه ربما ينبغي العمل الحثيث بداية على إعادة بناء جسور الثقة بين الطالب والكتاب، وبين الدكتور والكتاب أيضاً، ولجعل ذلك ممكناً لا بدّ من مواجهة العوائق الأساسية التالية لمعالجتها:
بدايةً يجب إعادة النظر في الكتب الموجودة والمعتمدة ومضمونها، واستبدال المعلومات القديمة فيها بتلك الحديثة والمعتمدة علمياً ومنهجياً، والتشجيع الجدي لتأليف كتب جديدة بما يواكب مستجدات العلم والمعرفة بكل قسم وكلية ولكل سنة، يُضاف إلى ذلك أهمية تشكيل لجان متخصصة بترجمة بعض الكتب الحديثة الصادرة عن جامعاتٍ عالمية معتمدة في الاختصاصات كافة، لسد الفجوة في نقص الكتب، وكل ذلك مرتبط طبعاً بالموازنات المالية والاعتمادات المخصصة.
وفي ضوء المنافسة بين الكتاب الجامعي والمكتبات والأكشاك، والتي ترجح الكفة فيها لصالح الطرف الثاني، ينبغي إعادة ضبط الميزان لصالح الكفة الأولى عبر منع نشر المحاضرات والملخصات والنوط، واعتماد مصدر واحد معتمد وموثوق للدراسة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ذلك لا يمكن له أن يتم إلا بعد استكمال تنفيذ الخطة السابقة.

الكتاب الإلكتروني مشروع على ورق!

في السياق نفسه الذي تسعى فيه جامعة دمشق على إعادة اعتماد الكتاب الجامعي كمرجع دراسيّ وإعادة الاعتبار له، أطلق وزير التعليم العالي والبحث العلمي منذ حوالي السنتين تصريحاً يتعلق بتحويل الكتاب الجامعي إلى رقمي، مع إبلاغ الهيئة التدريسية بمكافأة لكل أستاذ جامعي ينفّذ هذه العملية.
ومع أهمية هذا الطرح، ومواكبته لتطورات العصر التقنية، إلا أنه لم يثمّر على ما يبدو، حيث لم يتغيّر شيء منذ حينها بهذا الصدد وحتى الآن!

الخاسر هو الطالب والمجتمع

بين مساعي إعادة الاعتبار للكتاب الجامعي المستمرة، ومحاولات معاقبة الأكشاك التي تبيع المحاضرات، وخطط تحويل الكتاب الجامعي إلى رقمي، والتي لم تثمر كلاً أو جزءاً حتى تاريخه، لم يعد الطالب يبحث عن مصدر ومرجع علمي جيد للمعلومات بقدر ما يبحث عن مصدر كافٍ للحصول على العلامات التي تؤهله لتتمة تحصيله الدراسي كهدف هام وعملي بالنسبة له.
فإذا كان هذا الهدف يتطلب دفعاً مضاعفاً للمحاضرات أو النوط أو أسئلة الدورات فلا بأس بذلك، وربما في حالات أخرى يتطلب الأمر ما هو أبعد من الحصول على المعلومة بحدّ ذاتها مقابل ترفيع بعض المواد، فساداً طبعاً، خصوصاً في سنوات التخرج الأخيرة.
فالطالب في نهاية المطاف لا يخسر المال فحسب، ولا الجهد والوقت أيضاً، بل يخسر فرصته في الحصول على المعلومة العلمية والمنهجية التي تؤهله لممارسة عمله كمهنة بشكلٍ جيد بعد تخرجه، أي إن مخرجات العملية التعليمية بالنهاية بات يشوبها الكثير من الشكوك، ونتائجها تنعكس بالنتيجة على الواقع الاقتصادي الاجتماعي، وهو أمر لم يعد خافياً على أحد!
فالواقع التعليمي بكافة جوانبه ومراحله يحتاج إلى تغييرات جذرية لتصويبه كمدخلات ومخرجات، قد تكون إعادة إحياء الكتاب الجامعي أحد جوانبها، ولكنها بالتأكيد ليست الوحيدة، وليست كافية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1076