سكتات مؤلمة للشباب.. وللوطن!
فارس المنصوري فارس المنصوري

سكتات مؤلمة للشباب.. وللوطن!

ازدادت مع الأسف خلال السنين الماضية ظاهرة الجلطات والسكتات الدماغية وخاصة لفئة الشباب، وكثرت التصريحات والتحليلات عن هذه الظاهرة «الأزمة» وأسبابها الطبية والنفسية، بعيداً عن الغوص في عمق حقيقة هذه الأسباب!

فقد صرّح رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي خلال الأسبوع الماضي، أنّ «هناك ازدياداً لعدد حالات وفيات الشباب نتيجة احتشاء القلب، كما سُجلت حالات ضمن القطاع الطبي، لكن لا يمكن إعطاء رقم دقيق لعدد هذه الحالات، كونه ليست كل حالات الوفاة ترد للطب الشرعي، لافتاً إلى أن وفيات الشباب جراء الجلطات موضوع خطير، والأرقام التي تسجل ليست بالبسيطة».
ومن أكثر التفسيرات انتشاراً لهذه الظاهرة المتزايدة هي تأثير الحالة النفسية الخاصة للشباب على حالتهم الصحية العامة.
فقد أكّد أحد الأطباء النفسيين عبر إحدى وسائل الإعلام: أن «الضغط النفسي هو العامل المسبب للجلطات القلبية والسكتات الدماغية بشكل عام، كما أنه مولد للضغط الشرياني والسكري وعدة عوامل أخرى، مضيفاً أن أقسام القلبية في المشافي تشهد انشاراً كبيراً للجلطات القلبية بين الشباب نتيجة الضغط النفسي».
المتابع للأحاديث والتصريحات، سواء كانت رسمية أو غير رسمية، عن هذه الظاهرة الخطرة والمتزايدة، وإن كانت تبدو صحية بعنوانها العريض، يلمس الكثير من التهرب عن الأسباب الحقيقية والعميقة لها، والمتمثلة بالواقع الاقتصادي المعيشي الضاغط على عموم السوريين، والذي من مفرزاته ما يتعرض له هؤلاء من ضغوط نفسية وعصبية شديدة، تنعكس بشكل طبيعي على صحتهم العامة، ليس بسبب الحرب والأزمة وتداعيتها فقط، بل بسبب جملة السياسات الطبقية والتمييزية المتبعة، والتي أصبحت متوحشة وقاتلة بالنتيجة.
ففي ظل الضغوط النفسية الشديدة والمستمرة التي يعاني منها السوريون، وفئة الشباب من الغالبية المفقرة خاصة، ومع انسداد الأفق وحال اليأس المستشري والمدفوع به عمداً وقصداً، وفي ظل واقع العوز والجوع الذي يضعف البنية والجهاز المناعي، أصبحت الجلطات والسكتات الدماغية التي تحصد شبابنا يوماً بعد آخر وكأنها ظاهرة طبيعية واعتيادية بحسب البعض، ليتم تسويق أسبابها بالتالي بنظرة عوراء وتقزيمية تقتصر على الجانب الصحي والنفسي فقط، وليصبح السوريون عموماً، والشباب خصوصاً، ضحايا لعبث جملة السياسات المتوحشة والقائمين عليها والمستفيدين منها الأكثر توحشاً وإجراماً، بل وأكثر من ذلك ليصبح الوطن نفسه ضحية لهذا التوحش.
فالجريمة المسجلة بحق هؤلاء الجشعين والمتوحشين، وبحق السياسات الحامية لهم والتي تمنحهم النفوذ والسلطة، لم تعد مقتصرة على ما يتم تسجيله من ضحايا للجلطات والسكتات الدماغية يومياً، ولا على ما يتم تسجيله من تزايد في معدلات الفقر والجوع لحظياً، ولا من تزايد في الظواهر السلبية الهدامة في عمق المجتمع، بل باتت شاملة لتطال البشر والشجر والحجر في هذه البلاد، ولا خلاص إلا بالخلاص منهم، ومن جملة السياسات التوحشية، بالجملة وبالتقسيط، ومن السطح إلى العمق وبالاتساع المطلوب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1075