استيراد مكونات تجميع السيارات... ربح أم خسارة؟!
باسل ياسين باسل ياسين

استيراد مكونات تجميع السيارات... ربح أم خسارة؟!

يقول الخبر: إن الحكومة وافقت على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة تأييد مقترح وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بالسماح لشركات تجميع السيارات المرخصة وفق نظام الصالات الثلاث- والشركات الحاصلة على إجازة استثمار على أساس ثلاث صالات- باستيراد مكونات تجميع السيارات بأنواعها وفق نظام (CKD) ووفق اشتراطات محددة.

تجدر الإشارة بهذا الصدد إلى أن الحكومة كانت قد أوقف استيراد هذه المكونات خلال السنوات السابقة، وذلك حفاظاً على القطع الأجنبي، ومن أجل توجيهه لاستيراد المواد الأساسية والأكثر ضرورة كأولوية، وقد كانت محقة في ذلك.
فمع كل التمنيات والرغبات في أن تكون لدينا صناعة متكاملة للسيارات محلياً، موطّنة ومتطورة، وليست تجميعية فقط، لكنا نتساءل هنا:
هل انتهت الأولوية لدى الحكومة بالحفاظ على القطع وحسن إدارته وتوجيهه إلى استيراد الضروريات، بحيث أعادت السماح باستيراد هذه المكونات الآن كاستثناء؟

شروط الاستيراد

بحسب المعلومات المتداولة حول التوصية والموافقة الحكومية أعلاه، فقد مُنح أصحاب شركات تجميع السيارات مهلة زمنية لفتح ثلاث صالات، واحدة للّحام، وأخرى للدهان، وثالثة للتركيب وتجميع المكونات، وألّا يقتصر الأمر على فتح صالة واحدة للتجميع فقط.
ومن الاشتراطات التي حددتها توصية اللجنة الاقتصادية، منح هذه الشركات مهلة عام واحد كحدّ أقصى للانتقال إلى تجميع مكونات السيارات الكهربائية، وأن تقدم تلك الشركات لوزارة الصناعة خطة عمل مبرمجة زمنياً لإنشاء معامل لتصنيع (زجاج السيارات، فرش السيارات...).
وبحسب وزير الصناعة نقلاً عن صحيفة الوطن، أن: «الهدف من القرار هو الطلب من الجهات المحددة والواردة في التوصية موافاة اللجنة الاقتصادية بالبيانات الدقيقة المطلوبة، حتى تتم دراستها واتخاذ القرار اللازم، مبيناً أنه لا يزال مطلوباً من وزارة الصناعة تأمين بعض المتطلبات، ومن مصرف سورية المركزي بعض المعطيات لتحريك الجهات المعنية، وتأمين كل الحيثيات اللازمة حول الموضوع لتتم دراستها».
وقد أضاف الوزير: «إن أصحاب الشركات ومعامل تجميع السيارات تقدموا خلال الفترة الماضية بالكثير من الطلبات، لكن معظمها لا يحقق قيمة مضافة، وهي بخلاف ما يتم العمل عليه من توسّع بدراسة الموضوع لتحقيق قيمة مضافة، خاصة أن القرار يستهدف الشركات ذات الثلاث صالات التي يتم العمل على حصرها وتحديد طاقاتها الإنتاجية».
هذا وهدف القرار، كما ذكر، إلى رفع القيمة المضافة المحلية بما يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني من خلال إنشاء معامل لتصنيع مستلزمات السيارات، وتوفير القطع الأجنبي عوضاً عن استيراد بعض مكونات أو قطع تبديل السيارات، والذي يشكل جزءاً لا يستهان به من الاستيراد.

مذكرة تبريرية

توجد في سورية 8 شركات مرخصة لتجميع سيارات، تعمل منها حالياً 5 شركات فقط، حيث ما زالت الشركات الأخرى قيد الإطلاق، وتصل قدرة تجميعها إلى نحو 3 آلاف سيارة.
وبحسب مذكرة مشتركة أعدتها «وزارة الصناعة» و«وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية» و«وزارة المالية» بيّنت أن استيراد مكونات السيارات من عام 2017 وحتى نهاية الربع الثاني من عام 2019 بلغ 71,4 مليون دولار، مشيرة إلى أن شركات تجميع السيارات العاملة في سورية منذ انطلاق عملها لم تحصل على أي قطع أجنبي من مصرف سورية المركزي لتمويل مستورداتها، كما أنها رفدت الخزينة بنحو 60 مليار ليرة، أي ما يعادل 100 مليون دولار، خلال العام الماضي عبر الرسوم الجمركية ورسوم تسجيل السيارات لدى مديريات النقل.

استنزاف أم رفد للخزينة

من المفروغ منه أن الصناعات، حتى بشكلها التجميعي، والإنتاج بشكل عام، له العديد من الفوائد على الاقتصاد الوطني، وخاصة بما يمثله من إضافة على مستوى الاستثمار المحلي وتشغيل اليد العاملة، وبما توفره الصناعة من عتبة تقنية للصناعة المحلية، مع الإمكانية المستقبلية لاستبدال الصناعات الجاهزة كليّا من الخارج، أي توفير جزء من القطع المخصص للاستيراد، في حال توفرت النية الجدية لذلك، وهي ما تحتاج لدعم حقيقي ومفتوح من الحكومة.
بالمقابل، فإن ما ورد أعلاه من أرقام في المذكرة الوزارية، يبين وكأن عملية تجميع السيارات كانت مربحة عموماً، فبالرغم من عدم تمويل المركزي بالقطع الأجنبي لهذه الصناعة التجميعية، إلا أن ما تم ذكره حول رفد الخزينة بالمليارات «المقيمة جميعها بالدولار» بعضها رسوم محلية مسددة بالليرة السورية أصلاً، وبعضها الآخر رسوم لقاء عمليات إعادة التصدير لبعض السيارات المجمعة وهي مسددة بالدولار، ومن غير الواضح ما هي القيمة المضافة الحقيقية كعائد نهائي للاقتصاد الوطني، اللهم باستثناء عوائد الأرباح للشركات نفسها، سواء من خلال عمليات التجميع والبيع (المحلي والخارجي)، تجميع وقطع ومفردات، أو من خلال تباين سعر الصرف، وخاصة في حال كان تأمين هذا القَطع من خلال عمليات المضاربة عليه داخلاً.
أما السؤال الذي يفرض نفسه بالنتيجة استناداً للتوصية والموافقة والاشتراطات:
هل نحن بحاجة الآن للسيارات السياحية المجمعة محلياً، بما في ذلك العاملة بالطاقة الكهربائية، والتي سيكون سعرها المحلي بعشرات الملايين من الليرات السورية، بل ربما بالمئات منها، في ظل عدم توفر الكهرباء للمواطن والصناعة أصلاً؟

لمن الاستثناء؟!

من المفروغ منه، أن مخرجات هذه الصناعة التجميعية على المستوى المحلي «كسيارات سياحية» لن تستفيد منها إلا النخبة المليئة، وليست الغالبية المسحوقة، التي ربما ستحتاج إلى عشرات السنين لتجميع ثمنها، ولن تتمكن من ذلك بسبب الواقع الاقتصادي المعيشي المجحف بحقها، وبسبب ضعف الأجور!
أما الاستفادة الأكبر فهي للشركات نفسها، من خلال عمليات الاستيراد «للمكونات»، التي يدخل ضمنها الكثير من قطع الغيار والتبديل المعدة للبيع على وضعها، ومن خلال الأرباح الاجمالية بالنتيجة جراء عملية التجميع والبيع للسيارات، وجراء تباين سعر الصرف، بغض النظر عن مصدره.
فعند فتح المجال أمام تأمين القَطع من مصادر «خاصة خارجية»، بعيداً عن المصرف المركزي والمصارف العاملة المرخصة محلياً، رغم مخاطر هذه العملية، وبالإضافة إلى استثناء معامل تجميع السيارات، فربما هناك الكثير من الأولويات لاستثمار ذلك القَطع في التصنيع المحلي (مع الكثير من الضوابط والاشتراطات طبعاً، وخاصة ما يتعلق بتأمين القَطع من السوق المحلي، أي عبر عمليات المضاربة)، مثل: تصنيع الجرارات الزراعية، ومعامل الأدوية البشرية والبيطرية والمبيدات الحشرية والأسمدة، ومعامل الصناعات الغذائية التي تعتمد على الإنتاج الزراعي المحلي، حتى معامل تصنيع ألواح الطاقة الكهروضوئية في ظل الظروف الطاقية الصعبة التي تمر فيها البلاد، وغيرها الكثير مما هو موضوع أصلاً ضمن خطة الحكومة كبدائل للمستوردات!.
فلماذا الاستثناء لهذه الصناعة التجميعية دوناً عن سواها بهذه السماحية الآن؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1073