وعود رسمية... بين التناقض والتأجيل!
عبير حداد عبير حداد

وعود رسمية... بين التناقض والتأجيل!

كثرت التصريحات الحكومية حول الحلول والجهود المبذولة لتحسين واقع الكهرباء الكارثي، والواضح من تلك التصريحات أن الخطط المعلنة وفق آجالها الزمنية قابلة لمزيد من التمديد والتأجيل، واللافت أيضاً، ظاهرة التناقض الواضحة في بعض التصريحات، وطريقة طرحها للحلول بين مسؤول وآخر!

واستناداً للوقائع الملموسة حتى الآن فلا حلول تلوح في الأفق القريب!

التناقض الرسمي

ازداد الوضع الكهربائي خلال الفترة الحالية سوءاً في الكثير من المناطق، في الوقت الذي يجب أن تشهد فيه عموم المناطق تحسناً ملحوظاً في ساعات الوصل وفقاً إلى «تصريحات سابقة» أدلى بها وزير الكهرباء، ليبرز التناقض الرسمي واضحاً، بعدما نسبته الجهات المعنية عبر المدير العام للمؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء يوم 21 من الشهر الجاري، بسبب تراجع إنتاج الكهرباء من 2,400 ميغاواط إلى نحو 1,900 ميغاواط، وذلك بسبب تخفيض كمية الغاز الواردة من وزارة النفط إلى وزارة الكهرباء، حيث كانت سابقاً بحدود 8,5 ملايين متر مكعب، لتخفض إلى حدود 7 ملايين متر مكعب يومياً!
وقد سبق هذا التخفيض وعود عديدة من قبل وزير الكهرباء عن تحسن الواقع الكهربائي.
فخلال تصريح له في شهر شباط الماضي، وعد بتحسن واقع الكهرباء في كافة المحافظات وذلك بداية شهر نيسان، أي الشهر الحالي، رابطاً التحسن الذي سيلمسه المواطن في واقع الشبكة الكهربائية، بأنه نتاج ما تقوم به الوزارة مع الشركات والدول الصديقة من إعادة تأهيل المنظومة الكهربائية، كمحطة حلب واللاذقية، وغيرها من مشاريع الطاقات المتجددة.
فمتى سنلمس ذلك التحسن؟

محطة حلب إلى متى؟!

أبرمت الوزارة عقداً مع شركة إيرانية لإعادة تأهيل جزء من محطة حلب، التي تتألف من خمس مجموعات، كل مجموعة 213 ميغاواط.
ووفقاً للعقد المذكور سيتم تأهيل المجموعتين الأولى والخامسة، كما يجري التفاوض مع نفس الشركة لإعادة تأهيل باقي المجموعات.
وفقاً لتصريح الوزير يوم 6 شباط الماضي، ستوضع أولى مجموعاتها في الخدمة بداية شهر نيسان، أي من المفترض أنها وضعت بالخدمة الآن!
التصريحات أعلاه لم تثمر وفق الآجال الزمنية التي تحدث عنها الوزير، وللتذكير هي ليست المرة الأولى، بل تكرر التأجيل مراراً وتكراراً، ما يعني المزيد من الاستهتار بمأساة المواطن المحروم من الكهرباء، والمتروك لجشع تجار الأمبيرات والبدائل.
سلسلة التصريحات الوزارية مكملة في هذا السياق، فقد حدّث الوزير تصريحاته يوم 3 نيسان الجاري، حيث أكد أن انخفاض الحمولات العالية على الشبكة نتيجة تراجع الطلب على الكهرباء بغرض التدفئة أدى إلى تحسن برنامج التقنين، مؤكداً أن ذلك مرتبط بحالة الطقس وارتفاع درجة الحرارة، وأن تحسن كميات الطاقة سيكون خلال شهر حزيران نتيجة إدخال بعض المجموعات التي تم العمل على إصلاحها وإعادة تأهيلها.
يمكن الاستنتاج من التصريح أعلاه، أن المجموعة التي تم تأهيلها لن توضع في الخدمة قبل حزيران المقبل على الأقل!
ليعود خبر تأهيل المحطة للواجهة من جديد، وهذه المرة عبر صفحة الوزارة الرسمية يوم 21 نيسان الجاري، بعدما نشرت صوراً تُظهر انتهاء العمال من استكمال أعمال الصيانة التي باتت في خواتيمها عبر تركيب البارات وقواطع السكاكين، ما يعني الانتهاء من أعمال الصيانة، وبانتظار إعلان وضعها في الخدمة رسمياً!

محطة اللاذقية قيد الانتظار

كما يتم العمل على إنشاء محطة جديدة بقدرة 526 ميغاواط في منطقة الرستين في اللاذقية، بالتعاون مع شركة إيرانية، ولا نزال قيد الانتظار على ضوء بعض التغطيات الإعلامية المحدودة الخاصة بهذه المحطة، دون وضوح مدة الانتهاء منها ووضعها بالإنتاج والخدمة!
فهل سيتكرر سيناريو التأجيل بها كما جرى في محطة حلب؟
المحطة الكهروضوئية هل من جديد؟
اختفت أخبار محطة التوليد الكهروضوئية عن ساحة الإعلام الرسمي، فلا خبر جديداً بعدما تم توقيع الاتفاقية بين وزارة الكهرباء وتجمع شركات إماراتية لإنشاء محطة بقدرة 300 ميغاواط في ريف دمشق بالقرب من محطة تشرين.
وحسب نص الاتفاقية فالمشروع مقسم إلى 6 أقسام، كل منها باستطاعة 50 ميغاواط، وسيتم وضع كل قسم من أقسام المشروع بالخدمة تباعاً، وبمدة تنفيذ إجمالية سنتين.
وللتذكير فقد تم توقيع الاتفاقية يوم 11 تشرين الثاني الماضي، أي مضى على ذلك ما يقارب ستة أشهر حتى الآن.
فما سبب التأخير والتعتيم، وهل ستبصر مثل هذه المشاريع النور وفق الآجال الزمنية الموضوعة لها، أم أن هناك معيقات تحول دون التنفيذ أيضاً؟
وكذلك جرى الحديث خلال الفترة السابقة عن الترخيص بإحداث بعض محطات التوليد التي تعتمد الطاقات المتجددة، والخاصة بالمدن الصناعية، لتخفيف الضغط على الشبكة الرسمية، وما زلنا قيد انتظار ذلك التخفيف الموعود، عسى ينعم المواطن بساعات تقنين أقل!

بعيداً عن القشور

مما لا شك فيه، أن إعادة تأهيل محطات التوليد وإصلاحها خطوة لا بد منها وضرورية، ولكنها ليست بالكافية، فجذر المشكلة أعقد من تلك الإصلاحات الفنية على ما يبدو، والتي لن تغير من واقع المشكلة منفردة، على اعتبار أن كمية الطاقة المنتجة يعتمد على حجم توريدات الغاز للمحطات الموضوعة في الخدمة خلال الوقت الراهن.
فتخفيض كميات الغاز الواردة إلى وزارة الكهرباء لحدود 7 ملايين متر مكعب يومياً، كانت كافية لإغلاق الأفق أمام جهود الوزارة في عمليات الإصلاح والصيانة المعلنة خلال الفترة الماضية، رغم تأجيلاتها المتكررة وما منحته من بصيص أمل ينتظره المواطن المحروم من الكهرباء!
فحسب إعلانات رسمية هناك قدرة على توليد 4,750 ميغاواط عبر محطات التوليد الموضوعة في الخدمة، ولكنها تحتاج إلى 18 مليون متر مكعب من الغاز، أما الكميات المتوفرة من الغاز فهي لا تتجاوز في الوضع الراهن الـ7 ملايين متر مكعب بحسب التصريح الرسمي أعلاه.
مع العلم أنه تم الإعلان خلال الفترة الماضية عن اكتشاف 5 آبار غاز جديدة، والتي سيتم استثمارها لتوليد الكهرباء وليس لإنتاج الغاز المنزلي!
فأين الكميات الغازية التي كانت متوفرة سابقاً والمخصصة لتوليد الكهرباء، وأين الكميات التي من المفترض أن توضع بالإنتاج على ضوء الاكتشافات الغازية المعلن عنها رسمياً؟
وهل صحيح بعد ذلك أن المشكلة تكمن في نقص كميات الغاز اللازم لإنتاج الكهرباء؟

لماذا.. ولمصلحة مَن؟

لا مبررات لتصوير الوضع الكهربائي المتردي، والذي يزداد سوءاً، على أنه عجز حكومي، فالحد الأدنى من التوليد المفترض يجب أن يكون بحدود 4,700 ميغا وفق الإمكانات المتاحة للتوليد في المحطات قيد الخدمة بوضعها الراهن، والذي من المفترض أن يتحسن من خلال عمليات الصيانة والإصلاح الجارية على بعضها، أما الوصول إلى 1,900 ميغا فقط فهو خارج كل المبررات، وخاصة مبررات نقص كميات الغاز!
فهل العجز في إنتاج الكهرباء الذي وصلنا إليه اليوم حقيقي أم مصطنع؟!
وهل ذلك نتيجة لسياسة تخفيض وإنهاء الدعم عن قطاع الكهرباء، بالتوازي مع سياسات تخفيض الإنفاق، وبالتالي تقليص الاستثمار في قطاع الكهرباء، كما غيره من القطاعات العامة الأخرى أيضاً؟
أم إن غياب موارد الطاقة الكافية لتوليد الكهرباء، عصب الإنتاج الوطني، يصب بمصلحة كبار حيتان الاستيراد، الذين من مصلحتهم وقف وإنهاء كل ما هو إنتاج في البلد، صناعي أو زراعي أو حرفي؟
أم لمصلحة استكمال خصخصة هذا القطاع الإستراتيجي الهام، بشكل مباشر أو غير مباشر، بل وبشكل مشوه كحال نموذج الأمبيرات، بوصفه المخرج المتاح من مستنقع العجز الكهربائي الرسمي؟
أم هناك أسباب ومصالح إضافية أخرى، اقتصادية وسياسية، غير كل ما ورد أعلاه؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1067