الجوع والبرد سبب إضافي لتراجع أعداد قطعان الثروة الحيوانية
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

الجوع والبرد سبب إضافي لتراجع أعداد قطعان الثروة الحيوانية

فقد قطاع الثروة الحيوانية جزءاً هاماً من القطعان خلال السنوات الماضية، قدرها البعض بما يتجاوز 50% منه، وهذا القطاع الهام بالإضافة إلى كونه يشكل مصدر رزق للكثير من الأسر العاملة فيه، فهو من القطاعات الهامة على مستوى الأمن الغذائي للمواطنين.

مؤخراً جرى الحديث عن نفوق أعداد كبيرة من الأغنام في محافظة القنيطرة، تجاوزت المعدلات الطبيعية، وذلك بسبب النقص الغذائي وبعض الأمراض، وكذلك جرى الحديث عن نفوق بعض الأعداد من الماعز في محافظة طرطوس بسبب البرد.
وخلال السنوات الماضية وحتى الآن يعاني هذا القطاع من النزيف والاستنزاف، والسبب الرئيسي هو تعرض المربين لخسائر متتالية، التي مصدرها تكاليف مستلزمات التربية المرتفعة بتزايد، وأهمها الأعلاف، بالتوازي مع ضعف القدرة الشرائية لعموم المواطنين، أي تراجع معدلات الاستهلاك في السوق المحلية.

بعض التفاصيل

في تصريح لوكالة سبوتنيك بتاريخ 29/1/2021 قال وزير الزراعة والإصلاح الزراعي: «إن سورية فقدت 50 في المئة من ثروتها الحيوانية»، وأوضح: «هناك مؤشرات أننا خسرنا ما بين 40 إلى 50 في المئة من الدواجن ترتبط بنسب الاستثمار للمنشآت»، مؤكداً أن: «الحكومة اتخذت إجراءات لدعم القطاع الحيواني، حيث إن الدعم يساعد المربين للمحافظة على قطيعهم».
بتاريخ 13/3/2022 نقلت صحيفة الوطن أن التقرير الصحي حول وفيات الأغنام في قطاع «وحدة الكوم الإرشادية» في القنيطرة يُظهر أن: «عدد الأغنام النافقة منذ بداية العام وحتى 13 من شباط الماضي، وصل إلى نحو 200 رأس، وهو أعلى من المعدل الطبيعي»، وتبيَّن: «وجود إصابات فردية وهي أمراض مستوطنة وموجودة في الحالات الطبيعية، وهي أعراض الإصابة بالباستوريلا والإصابة بالإنتروتوكسيبيا والإصابة بالايكولاي، هذا إضافة إلى وجود أعراض نقص غذائي كماً ونوعاً عند معظم القطعان في المنطقة بسبب نقص الأعلاف وتأخر الأمطار».
وقد أوضح نقيب الأطباء البيطريين بالقنيطرة أن: «الوضع الاقتصادي السيئ انعكس سلباً على قطاع الثروة الحيوانية من حيث غلاء الأعلاف بشكل كبير ومتسارع وارتفاع أسعار الأدوية البيطرية ومستلزمات الإنتاج من محروقات ونقل، ما أدى إلى إحجام المربين عن التغذية الصحيحة والعناية بالماشية، مبيناً ظهور أمراض (انتهازية) وانخفاض المناعة ما انعكس سلباً على صحة القطعان وإنتاجيتها».
وفي منتصف الشهر الحالي تداولت بعض وسائل الإعلام خبر نفوق 150 رأس ماعز من أصل 260 رأساً، في قرية عين جوبية في ريف طرطوس بسبب البرد، وقد توقع صاحب القطيع أن: «الرؤوس المتبقية ستموت أيضاً لأنها بحالة مزرية لإصابتها بالضعف والمرض، مشيراً بالوقت نفسه إلى معاناته مع تأمين العلف للقطيع ناهيك عن ارتفاع الأسعار».
وبحسب رئيس اتحاد فلاحي طرطوس، وبعد الكشف على رؤوس الماعز النافقة، تبين عن الكشف على الماعز والتشريح: «عدم إصابة الماعز بأي مرض، عازياً النفوق إلى البرد وترافقه مع الضعف العام الذي أصاب الماعز، وذلك بسبب عدم وجود علف يكفي لجميع القطيع المؤلف من نحو 260 رأساً».
الحديث الرسمي في واد والواقع في واد آخر
الاعتراف الرسمي أعلاه عن لسان وزير الزراعة بحجم الكارثة التي أصابت القطعان والثروة الحيوانية عموماً، وعن الدور الحكومي في الدعم الذي يساعد المربين للمحافظة على قطيعهم، يتناقض مع الواقع الذي يدفع ضريبته المربون على حساب فقدانهم لقطعانهم تباعاً، أي على حساب مصدر أرزاقهم، والأمثلة أعلاه تعبّر عن ذلك، مع عدم إغفال الآثار والنتائج السلبية الكبيرة على مستوى الأمن الغذائي للمواطنين بالمحصلة.
فالمشكلة الأهم التي يعاني منها قطاع الثروة الحيوانية مرتبطة بالأعلاف، ومدى توفرها كماً وسعراً ونوعاً، وبما يتناسب مع قدرة المربين فعلاً للحفاظ على قطعانهم، وهذا الأمر متحكم به من قبل قلة من الحيتان، وكذلك الحال مع الأدوية البيطرية.
وطالما بقي الأمر على ما هو عليه فإن أعداد القطعان ستستمر بالتراجع، جوعا ونقصاً غذائياً، يؤدي إلى تناقص مناعتها ومرضها، وبالتالي إلى نفوقها.

المطلوب عاجلاً وليس آجلاً

لا شك أنّ أية خطة إنقاذية لقطعان الثروة الحيوانية ستتعارض مع مصالح حيتان السوق والسوء، الذين يسعون إلى ضرب كل القطاعات الإنتاجية، كي يتسنى لهم المزيد من التحكم والسيطرة على السوق، وعلى مجمل الواقع الاقتصادي في البلاد، أي المزيد من فرص الربح الاحتكاري والنهبوي، وربما يبدو الرهان على دور حكومي بهذا الصدد، وبما يتعارض مع مصالح هؤلاء هو ضرب من الوهم، فالسياسات الحكومية سلفاً محابية لهم ولمصالحهم.. ولو كان ذلك على حساب مصالح البلاد والعباد!
ومع ذلك نقول إن الحفاظ على ما تبقى من قطعان الثروة الحيوانية، والحد من تراجعها، وصولاً إلى زيادتها، يتطلب خطة إنقاذيه جادة، مع التركيز على النقاط التالية:
الاهتمام الجدّي بالمراعي والمناطق الرعوية، وبالغطاء النباتي عموماً، وزيادة مساحاته.
الاهتمام الحكومي الجدي بزراعة المحاصيل العلفية، وبصناعة الأعلاف محلياً، بمختلف أنواعه ومواصفاته.
توفير نوعيات جيدة وكافية من المواد العلفية للقطعان، وبالسعر المدعوم، من خلال وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، بعيداً عن أوجه المحسوبية والفساد.
تثبيت ومراقبة نوعية ومواصفة وأسعار الأعلاف المستوردة من قبل القطاع الخاص.
تأمين الأدوية البيطرية، نوعاً وكماً وسعراً، وفي الوقت المناسب، سواء من الإنتاج المحلي أو المستوردة، مع تشديد الرقابة عليها.
منع تهريب قطعان الأغنام والماعز والأبقار، والرقابة الجدية والفاعلة على معابر ومنافذ التهريب.
تعزيز سوق الاستهلاك المحلي، فضعف القدرة الشرائية، وبالتالي ضعف وتراجع الطلب، تعتبر من أحد أسباب تراجع واستنزاف الثروة الحيوانية، والإنتاج عموماً.
وهناك الكثير من الإجراءات الضرورية الأخرى طبعاً، والتي من المفترض أن تؤخذ بعين الاعتبار، لتوضع جميعها بالتنفيذ.
فهل ذلك ممكن؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1062