الجولة الثانية لاستراتيجية النّيل من المواطن
عبير حداد عبير حداد

الجولة الثانية لاستراتيجية النّيل من المواطن

تلوح في الأفق القريب بوادر العمل على إنجاز المرحلة الثانية من استبعاد شرائح جديدة من الدعم الحكومي!

فوفقاً لتعميم صدر عن وزير الإدارة المحلية والبيئة يوم 23 شباط الجاري، ينص على مطالبة الجهات المختصة بجمع البيانات الخاصة بالشرائح الجديدة المطلوب استبعادها من الدعم الحكومي، مع التأكيد على مسؤولية الجهة المختصة لصحة ودقة البيانات التي سيتم جميعها.
وتضم الشرائح الجاري تدقيق بياناتها كل من: (أصحاب المقاهي و«الكافيتريات»، ومراكز التجميل، والمكاتب العقارية، وأصحاب محال الصاغة، وأصحاب مكاتب وشركات بيع وتأجير السيارات).

القديم بنكهة الجديد

لا جديد طرأ على سياسة العمل الحكومي، فتخفيض الدعم نهجاً تبنته على المستوى التنفيذي منذ ما قبل انفجار الأزمة في عام 2011، وما تزال تسير وفقاً لذلك النهج، وبشكل متسارع مؤخراً، حتى إنهائه بشكل كامل، وقد أشرنا خلال فترات سابقة أنها مسألة وقت لا أكثر حتى استكماله!
فما نراه اليوم ما هو إلا خطوات حكومية متسارعة نحو استكمال سياسة إنهاء الدعم، مع كل ما تحمله من نتائج سلبية وكارثية، وخاصة على مستوى الزيادة في سوء وتردي الأوضاع المعيشية للمواطنين.
ويأتي التبرير بحجج ما أنزل الله بها من سلطان، كعجز الموازنة، وظروف الأزمة والحصار، وغيرها من المبررات والذرائع الممجوجة، التي من المفترض أن تكون معها الممارسات والتوجهات الحكومية على العكس من هذا النهج التدميري للمواطن، فهذه الذرائع نفسها تعتبر مسوغات ضرورية لتقديم المزيد من الدعم للمواطنين لا حجبه!

أخطاء المرحلة الأولى

نتج عن المرحلة الأولى لقرار الاستبعاد من الدعم، استبعاد ما يقارب ٦٠٠ ألف أسرة، أي ما يعادل ٣ ملايين مواطن، بحال اعتبرنا أن وسطي عدد أفراد الأسرة ٥ أشخاص.
ولن ندخل بتفاصيل المعايير التي تم اعتمادها كتصنيف للشرائح المستبعدة من الدعم كمرحلة أولى، وتناقضها الصارخ، فما جرى خطوة إضافية نحو استكمال إنهاء الدعم كما أشرنا، وكما هو واضح.
أما الملفت، أنه وصل عدد طلبات الاعتراض المقدمة من قبل المواطنين الذين أُدخلوا ضمن دائرة الاستبعاد الأولى إلى نحو 381,159 طلباً حتى تاريخ يوم ١٥ شباط الجاري، وفقاً لتصريح معاونة وزير الاتصالات، ما يعني أن المواطن تحمل تبعات أخطاء الجهات المختصة بعملية فرز البيانات، ومدى صحة ودقة المعلومات المقدمة، وبدل أن تعالج تلك الأخطاء التقنية من قبل الجهات ذاتها، تم اعتماد الطريق الأصعب على المواطن كالعادة!
فعلى من أخطأت الحكومة بحقه واستبعدته من الدعم، أن يثبت عكس ذلك، مع كل ما ينتج عن ذلك من ازدحام في مؤسسات الدولة!
والأهم من كل ذلك، أن تداعيات أخطاء الجولة الأولى من تخفيض الدعم عبر الاستبعاد، وكم الاعتراضات المذكور أعلاه وتبعات ذلك، والتي لم تنته معالجتها بعد، ومع ذلك يتم وضع المرحلة الثانية من خطة الاستبعاد من الدعم لشرائح جديدة قيد التدقيق، استعداداً لتنفيذها، وبسرعة!

مصالح الحيتان فوق كل شيء

من المؤكد، أن مراحل الجولة الثانية من خطة استبعاد الدعم، وغيرها من الجولات المتتالية لاحقاً حتى استكمال إنهائه، ستتكرر بألياتها وأخطائها!
فالمهم من كل ذلك على ما يبدو، تحقيق الرغبة الشديدة لدى قوى النهب والفساد بإنهاء الدعم بالسرعة القصوى، بغض النظر عن كم الأخطاء الناتجة، وعن واقعية معايير التصنيف بين من يستحق ولا يستحق الدعم، وبغض النظر عن الإحصاءات الأممية التي تشير إلى انعدام الأمن الغذائي لدى 60% من المواطنين السوريين، وانحدار نحو 90% منهم تحت خط الفقر.
والأهم، أن إجراءات إنهاء الدعم تجري مع الحفاظ على اختلال التوازن بين معادلة الأجور والأسعار، وبين الأجور والأرباح، وعلى حساب المزيد من التدهور على المستوى المعيشي للغالبية المفقرة!
فما وصلنا إليه اليوم من مستويات كارثية تتمثل بانهيار قطاعات الإنتاج الوطني كافة، وإلى الانخفاض المهول بقيمة العملة السورية، مع الاستمرار بمسيرة تخفيض الدعم حتى إنهائه، بالتوازي مع التوجه نحو استكمال تحرير الأسعار، ما هو إلا نتاج السياسات الاقتصادية الكارثية التي يعمل وفقها الفريق الحكومي، منذ عدة عقود وحتى الآن، والتي يدفع ضريبتها عموم المفقرين، من جيوبهم وعلى حساب عداد عمرهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1059