قانون جديد لزيادة الجباية من جيوب المفقرين
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

قانون جديد لزيادة الجباية من جيوب المفقرين

صدر القانون المالي الجديد للوحدات الإدارية، وذلك بتاريخ 27/12/2021، ومن الواضح أن الغاية هي زيادة الإيرادات المالية للوحدات الإدارية، وأن الكتلة الأهم من هذه الإيرادات ستُجبى مباشرة من جيوب الغالبية المفقرة، وحتى تلك التي لا تجبى منهم مباشرة سيتم تعويضها لاحقاً منهم.

أما الأكثر وضوحاً فهو أن تمويل ما يسمى «مشاريع تنموية» و«تحسينات» سيتم عبر الرسوم والضرائب المجباة من المواطنين من قبل الوحدات الإدارية، ولا ندري أين أصبح الدور الحكومي والواجبات المفترضة على هذا المستوى؟

التبريرات الرسمية

بحسب وكالة سانا بتاريخ 27/12/2021: «انطلاقاً من أهداف قانون الإدارة المحلية الصادر عام 2011 والذي نص على توسيع سلطات وصلاحيات مجالس الوحدات الإدارية لتمكينها من تأدية اختصاصاتها ومهامها في تطوير الوحدة الإدارية خدميّاً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعمرانياً، وجعل الوحدات الإدارية مسؤولة مباشرة عن الخدمات والاقتصاد والثقافة وكل الشؤون التي تهم المواطنين في هذه الوحدات.. صدر القانون المالي الجديد للوحدات الإدارية والذي يوحد جميع القوانين المالية المتعلقة بإيرادات الوحدات الإدارية بقانون واحد، ويتيح لهذه الوحدات رفد موازناتها بإيرادات جديدة بما يساعدها على تحسين وضعها المالي ويمكّنها من القيام بمسؤولياتها والدور التنموي والخدمي المنوط بها في المجتمعات المحلية».
وقد أوضح وزير الإدارة المحلية والبيئة ما يلي: «تم تعزيز الإيرادات المالية للوحدات الإدارية ما يمكنها من تنفيذ مشاريعها وتقديم خدماتها للمواطنين بشكل أفضل وبأقل نسبة من الرفع».
وفي حديث منقول عن لسان وزير الإدارة المحلية خلال اجتماع في اللاذقية مع أعضاء المكتب التنفيذي للمحافظة ورؤساء الوحدات الإدارية فيها، بتاريخ 31/12/2021، أن: «القانون المالي للوحدات الإدارية خطوة نحو تعزيز اللامركزية الإدارية وتحسين الخدمات في كل وحدة».

كل شيء خاضع للضريبة والرسوم

نظرة سريعة على مواد القانون يتبين أن غالبية المطارح الضريبية تم زيادة الرسوم والضرائب فيها، مع بعض الاستثناءات في بعض المطارح الضريبية التي تم التركيز عليها رسمياً للتغطية على الرفع الضريبي في مطارح أخرى، بالإضافة إلى رفد موازنات الوحدات الإدارية بإيرادات جديدة من مطارح مجددة.
فعلى سبيل المثال تم «فرض نسبة 5% من قيمة فاتورة استهلاك المياه»، وكذلك «فرض نسبة 11% من قيمة القدرة الكهربائية المستهلكة»، و«نسبة 20% على قيمة مبيعات المؤسسة العامة للتبغ والتنباك»، لصالح الوحدات الإدارية.
مثال آخر حول الرسوم التي تستوفيها الوحدات الإدارية لقاء الرخص الممنوحة لإنشاء أي بناء أو لإجراء إصلاح أو تعديلات في حالة البناء: «رسم وقدره (1%) من القيمة الرائجة للمتر المربع من الأرض التي أعطيت رخصة البناء عليها عن كل متر مربع من البناء باعتبار المساحة الطابقية وفق قانون البيوع العقارية النافذ».
ولكم مثلاً أن تتخيلوا النسبة «المحدودة» أعلاه، والمحددة بـ1%، بموجب قانون البيوع العقارية النافذ، خاصة مع عدم اكتفائها بالأبنية التي ستتم إشادتها، بل شملت أيضاً «إجراء إصلاح أو تعديلات في حالة البناء»، أي كل البيوت المدمرة، كلّاً أو جزءاً، في الكثير من المدن والبلدات والقرى بنتيجة المعارك على امتداد الخارطة السورية!
فأين «تخفيف الأعباء على المواطن» بحسب تصريح وزير الإدارة المحلية لوكالة سانا؟!
بالمجمل يتبين أنه لم يبق شيء بمعزل عن الضريبة والرسوم لصالح الوحدات الإدارية، اعتباراً من رسوم الاستهلاك على المياه والكهرباء، مروراً برسوم التزفيت والتعبيد والأرصفة والأسيقة، وليس انتهاءً بالرسوم الشهرية على المحال والفعاليات الاقتصادية والتجارية والمهنية، ورسوم الإعلانات المعروضة على أنظار الجمهور في الأماكن والمحلات، وطبعاً كل ذلك بالنتيجة سيكون من جيوب الغالبية المفقرة من المواطنين، إن كان بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر.
ومن باب التهكم قال أحدهم «لم يبق إلا فرض ضريبة على الشهيق والزفير، أو على اللوحة الإسمية الموضوعة على أبواب البيوت»!

الطامّة في رسم مقابل التحسين!

أفرد القانون مواد مطولة حول الرسم مقابل التحسين، فقد ورد في المادة 23 منه ما يلي:
‌أ- يفرض رسم مقابل التحسين على مالكي العقارات المبنية وغير المبنية والسطوح والأراضي التي يطرأ عليها تحسين بسبب أعمال المنفعة العامة، وتتولى كل وحدة إدارية تحصيل هذا الرسم ضمن حدودها الإدارية.
‌ب- يعد من أعمال المنفعة العامة كل ما تنفذه الجهات العامة والخاصة من الأعمال الآتية: فتح الطرق أو توسيعها وإنشاء الجدران الاستنادية والأسواق والمولات والساحات والحدائق العامة أو توسيعها أو تعديلها- إنشاء الجسور ومجاري المياه والسيول وتغطية الأنهار- تطبيق القوانين الخاصة بتنظيم وعمران المدن- مشاريع السياحة والاصطياف والإشتاء- تعديل أوجه الانتفاع والاستعمال للعقارات الواقعة سواءً داخل المخطط التنظيمي أو خارجه أو الواقعة ضمن مناطق التوسع، أو تعديل الوجائب والقيود المفروضة عليها أو تعديل نظام ضابطة البناء- مناطق التطوير العقاري.
إن المروحة الواسعة من «أعمال المنفعة العامة» والتي تشمل «كل ما تنفذه الجهات العامة والخاصة» بحسب ما ذكر أعلاه، سيُفرض لقاءها «رسم مقابل التحسين» على مالكي العقارات المبنية وغير المبنية والسطوح والأراضي، ووفق نسب تقررها اللجان المشكلة لهذه الغاية، استناداً إلى: «تقدير قيمة العقارات المبنية وغير المبنية والسطوح والأراضي التي يطرأ عليها تحسين نتيجة الأعمال المنصوص عليها بالمادة /23/ من هذا القانون، وتقدير قيمة تلك العقارات والسطوح والأراضي بعد تنفيذ أعمال المنفعة العامة»، وذلك بحسب المادة 27 من القانون.
وبحسب المادة /32/ من القانون: «يكون رسم مقابل التحسين مساوياً لنصف التحسين المقدر».
ولكم أن تتخيلوا مثلاً أن تمنح محافظة ما رخصة لاستثمار مول تجاري أو لمشروع سياحي، سينتفع منه المستثمر المحظي من كل بد، كما ستنتفع منه المحافظة أو الوحدة الإدارية المعنية، لكنه بالمقابل سيفرض رسم مقابل التحسين على مالكي العقارات المبنية وغير المبنية والسطوح والأراضي في منطقة المشروع المستثمر، ووفق نسب تقدرها اللجان المعنية لتفرض رسماً يساوي نصف التحسين المقدر.. وهكذا ربما لقاء مشاريع التعدي على الحدائق والوجائب، وغيرها مما يمكن إدراجه ضمن المروحة الواسعة والمفتوحة أعلاه تحت عبارة «المنفعة العامة»، مع تقديرات اللجان لمقدار الرسم النهائي بحسب نص القانون!
فكل ما ستقوم به الوحدات الإدارية، أو الجهات الخاصة في مكان عمل هذه الوحدات، من الآن فصاعداً يمكن إدراجه ضمن مفردة «التحسين»، حتى وإن كان من ضمن مهامها وواجباتها المفترضة، وحتى لو كان فيه تعدٍّ على الملكيات ذات النفع العام، ليفرض بموجبه الرسم المطلوب والمنصوص عنه قانوناً، كمصدر تمويل دائم ومستمر ومطاط من جيوب العباد!

المركزية واللامركزية في الجباية والتوزيع فقط

من الواضح أن ترجمة الحديث عن «توسيع سلطات وصلاحيات مجالس الوحدات الإدارية» كان بالنتيجة عبر «تعزيز الإيرادات المالية» لهذه الوحدات فقط لا غير، من خلال زيادة الرسوم والضرائب على المواطنين والفعاليات الاقتصادية، أما الحديث عن المركزية واللامركزية بهذا الصدد فقد تبين أنه مرتبط فقط بعمليات الجباية وبتوزيع الإيرادات!
فالمشاريع التنموية ومهام تطوير الوحدات الإدارية على المستوى الخدمي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعمراني بات رهناً بما يتم جبايته من ضرائب ورسوم من قبل كل وحدة إدارية، بمعزل عن مهامها وواجباتها المفترضة، وعن الدور الحكومي على هذا المستوى.
فقد تحللت الحكومة من مسؤولياتها على هذا الجانب على ما يبدو، وبشكل نهائي!
أما عن اللامركزية بما يخص المسؤولية الشعبية مثلاً على عمليات الرقابة والمتابعة لعمل الوحدات الإدارية، والمحاسبة على الفساد والتقصير، إن لزم الأمر، بما يخص التطوير والمشاريع التنموية، فقد كانت غائبة، ليس من متن القانون، بل من أسبابه الموجبة، والتصريحات التي سبقت صدوره أو أعقبته!
وللحديث تتمة، فالقانون كبير وواسع، ونتائجه وانعكاساته السلبية على جيوب ومعيشة الغالبية المفقرة أكبر وأوسع وأعمق!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1051
آخر تعديل على الأحد, 02 كانون2/يناير 2022 23:13