سوق العقارات.. برغم الكساد فرصة تربح واستغلال
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

سوق العقارات.. برغم الكساد فرصة تربح واستغلال

أصاب سوق العقارات (بيعاً وإيجاراً) مزيدٌ من حال الكساد مؤخراً، ليس بسبب ارتفاع أسعارها فقط، بل بسبب قانون البيوع العقارية، الذي فرض تحصيل الضرائب المالية على عقود البيع والإيجار استناداً للقيمة الرائجة التي تحددها لجان الدوائر المالية، بالإضافة إلى الرسوم المقتطعة لمصلحة الدوائر العقارية، وكذلك بسبب الشروط الإضافية المفروضة حول فتح حسابات مصرفية للبائع والشاري، من أجل تسديد مبلغ مالي من قبل الشاري يودع في حساب البائع.

لا شك أن القانون زاد من حجم الإيرادات الضريبية لمصلحة الخزينة العامة، وزاد كذلك من إيرادات دوائر المصالح العقارية، لكنه من الناحية العملية لم يحد من عمليات المضاربة والاستغلال في سوق العقارات، ولم يقلل من آليات الاستغلال في بدلات الإيجار، برغم حال الركود الذي أصاب هذه السوق.

تباهٍ مشروع

تتباهى الدوائر المالية والعقارية بحجم الإيرادات المجبية كضرائب ورسوم جراء توثيق عقود البيع والإيجار لديها، بعد تطبيق قانون البيوع العقارية، الذي صوَّب عمليات وآليات التحصيل الضريبي لمصلحة الخزينة العامة بشكل نسبي، برغم ما يمكن أن يوضع عليه من ملاحظات.
فبين الحين والآخر تطالعنا وزارة المالية ومديرية المصالح العقارية بأرقام توثيقية تشير إلى ما حققته من زيادات على إيراداتها إثر تطبيق قانون البيوع العقارية.
فقد كشف مدير المديرية العامة للمصالح العقارية، بتاريخ 19/12/2021، عن تسجيل 330 ألف عقد أول عشرة أشهر من عام 2021، بعائدات بلغت 11 مليار ليرة، وبالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي فقد تم توثيق 300 ألف عقد بعائدات 5 مليار ليرة، أي إن الزيادة كانت 6 مليارات ليرة.
وكذلك فقد أصدرت وزارة المالية تقريرها الأسبوعي لبيانات البيوع العقارية في جميع المحافظات السورية، حتى ١٦ كانون الأول الجاري، حيث ارتفع متوسط عقود البيع يومياً إلى 1978 عقداً، ووسطي القيمة الرائجة للعقود المنفذة يومياً ارتفع إلى 55,6 مليار ليرة سورية، بينما انخفض عدد عقود الإيجار المنفذة يومياً إلى 853 عقد وسطياً، وقد بلغ العدد الإجمالي لعقود البيع المنفذة /168,3/ ألف عقد، وذلك من 3 أيار لغاية 16 كانون الأول من العام الحالي، أي 137 يوم عمل فعلي بعد خصم العطل.

300 ألف ليرة الحد الوسطي لرسوم البيع

بناء على القيمة الرائجة المعلنة أعلاه، وبحال كانت نسبة الاقتطاع الضريبي 1% بحسب القانون، فإن المبلغ المحصل ضريبياً خلال يوم واحد يكون بحدود 556 مليون ليرة، وبوسطي عن كل عقد بيع موثق ما يعادل 280 ألف ليرة تقريباً.
وبناء على بيانات المصالح العقارية أعلاه، فإن كل عقد تم توثيقه حقق عائداً وسطياً وقدره 33 ألف ليرة.
أي إن التكلفة التقريبية لتسجيل كل عقد بيع لدى كل من الدوائر المالية والعقارية يقدر بحدود 313 ألف ليرة.
إن الرقم أعلاه هو ما يسعى تجار العقارات وسماسرتها للتهرب منه بعد تطبيق قانون البيوع العقارية، فواقع الحال يقول: إن المضطرين للبيع أو الشراء هم من يتحملون هذه الرسوم، وبأحسن الحالات يتم تقاسمها بين البائع والشاري.

ملاحظات لا بد منها

في البداية، تجدر الإشارة إلى أن الضرائب المجبية لقاء تسجيل عقود الإيجار ما زال يتحملها المستأجر وليس المالك، إكراهاً تحت ضغط استغلال الحاجة.
أما الضرائب المجبية لقاء تسجيل وتوثيق عقود البيع فغالباً ما يتم تقاسمها بين البائع والشاري، اتفاقاً بينهما وفقاً لنسب متفق عليها، وحسب درجة الاضطرار للعملية.
كذلك تجدر الإشارة إلى أن العدد الموثق لعقود البيع لدى الدوائر المالية والعقارية كما ورد أعلاه يعتبر منخفضاً نسبياً، ما يؤكد حال الكساد في سوق العقارات.
فالرقم الموثق يتضمن عمليات المتاجرة والمضاربة في سوق العقارات، وربما جزء محدود منه يعبر عن امتلاك بيت العمر من قبل البعض، ومن استطاع إليه سبيلاً، بظل ارتفاعات الأسعار المخيفة في هذه السوق.
الملاحظة الأخرى، أن عدد عقود الإيجار الموثقة يعتبر قليلاً، فرقم 853 عقد على مستوى القطر يومياً يعتبر محدوداً أيضاً، فهذا الرقم يندرج ضمنه العقود الجديدة والمجددة معاً، ومع ذلك فإن هذا الرقم يشير إلى حجم الطلب على الإيجار وإن بشكل نسبي.
فالرقم ضمناً يعبر عن عدد الأسر الباحثة عن مأوى يومياً، والتي وجدت ضالتها بالإيجار، وربما هناك غيرها الكثير لم تجد تلك الضالة بعد، وتسكن بالشراكة مع غيرها من الأسر، وبذلك يبدو الرقم على محدوديته مؤشراً على حجم الحاجة الماسة لمشاريع سكنية كبيرة، الأمر الغائب حتى الآن، برغم كل الحديث عن مشاريع المؤسسة العامة للإسكان بمختلف مسمياتها!

من يبيع ويشتري

واقع الحال يقول: إنه بظل حال الكساد الذي أصاب سوق العقارات حالياً، فإن عمليات البيع والشراء تتم غالباً تحت ضغط الحاجة، وهذه تعتبر فرصة بالنسبة لتجار العقارات وسماسرتها.
فإذا كانت العقارات تعتبر أحد أشكال الملاذات الآمنة للادخار بظل التذبذب السعري العام، وعدم استقرار القيمة الشرائية لليرة، وعدم وجود فرص استثمارية حقيقية في البلد للعديد من الأسباب التي لسنا بصددها الآن، بالإضافة لكونها فرصة تربح واستثمار بالنسبة لتجار العقارات، فإن حال الكساد الحالي أصبح متحكماً به أيضاً من قبل هؤلاء الحيتان، ولدى هؤلاء طرق التفاف كثيرة وواسعة تجنبهم الخضوع للضريبة، وتفسح المجال أمامهم للمزيد من استغلال الفرص للتكسب.
وما تجدر الإشارة إليه بهذا الصدد أيضاً، أن سوق العقارات أصبح الفرصة الوحيدة المتاحة وبسهولة أمام البعض لتبييض الأموال المنهوبة، أو المشكوك بمصدرها، وخاصة من التجارات المشبوهة والتهريب، والتي تزايدت معدلاتها خلال سني الحرب والأزمة، وربما ساهم هؤلاء برفع أسعار العقارات بشكل أو بآخر، لكن ذلك لم يضعهم في خانة المنافس لحيتان تجار العقارات من كل بد، بل يلجؤون إليهم من أجل إتمام عمليات البيع والشراء بسلاسة، وكلاهما يستغلان المضطرين لعمليات البيع عملياً.
فمن يبيع عقاره الآن هو المضطر، وغالباً من المفقرين تحت ضغط الحاجة، إما لتسديد الديون المتراكمة عليهم بسبب تردي الأوضاع المعيشية، أو تمهيداً للسفر والمغادرة خارج القطر، لتغطية نفقات السفر، بالإضافة طبعاً لحالات البيع المتكاثرة التي تتم في الكثير من المناطق التي تعرضت عقاراتها للدمار الجزئي أو الكلي، والتي تعتبر فرصة مُثلى للاستغلال والتكسب من قبل سماسرة العقارات، وهذا ما جرى ويجري، وهو ما يتم السعي إليه من قبل سماسرة العقارات الذين يتحينون الفرصة للانقضاض على المضطرين للبيع، للتبخيس في سعر عقاراتهم أولاً، ولتحميلهم الرسوم والضرائب ثانياً.
فعلى الرغم من حال الكساد الحالي في سوق العقارات إلا أن المتحكمين الكبار به ما زالوا على حالهم من التحكم، بل ربما تزايد هذا التحكم وتمركز أكثر مما سبق، بسبب ارتفاع الأسعار الكبير الذي طرأ على العقارات.
لا حل لمشكلة السكن إلا بتدخل الدولة
إذا كان من نتائج لقانون البيوع العقارية أنه حقق ريعاً إضافياً لخزينة الدولة، فإنه من دون شك لم يحدّ من المضاربة في سوق العقارات، ولم يحدّ من عوامل الاستغلال فيه، بل تزايدت معدلات الاستغلال بشكل أكبر، وتمركزت السوق بأيدي كبار الحيتان أكثر، فالحاجة للسكن في تزايد مطرد، وتزايدت أكثر بسبب الحرب والدمار والتشرد.
بالمقابل، فقد أصبح امتلاك منزل بالنسبة للغالبية الساحقة من السوريين من المستحيلات، بظل واقع الأسعار المخيف والمنفلت في هذه السوق، وأساليب استغلال المتحكمين فيه.
وبكل اختصار، يمكن القول: إنه لا حل لمشكلة السكن في البلد إلا من خلال تدخل الدولة المباشر فيه، عبر مشاريع كبيرة وواسعة ومديدة وممتدة على رقعة البلد، أي بوضع سياسات سكن وإسكان حقيقية خاصة بمحدودي الدخل والمفقرين، فكل ما عدا ذلك ضرب من الوهم، لن يستفيد منه إلا كبار الحيتان، كما هو عليه الحال!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1050