خسارة تخفيض الدعم للعام ٢٠٢١ على الأُسر
عام آخر من المأساة قد عبر تاركاً في ثنايا الذاكرة السورية الكثير من الصور المؤلمة، عام آخر ما زال يحمل صورةً لامتداد الأزمة، يحمل معها رائحة الحرب بحلة جديدة!
العام ٢٠٢١ كغيره من أعوام امتداد الأزمة، ازدادت خلاله وحشية القرارات الليبرالية الأكثر حدة على الإطلاق، رسمت على وجوه المواطنين المزيد من الأسى والقسوة، والكثير من الانتظار الإلكتروني الذي اعتاد عليه السوريون مكرهين، ومن ساعات طوال يقضونها بانتظار بضع دقائق وصل كهربائي ليتراكضوا بسباق مع الزمن لقضاء أهم حوائجهم قدر المستطاع، إلى صفعات القرارات الرسمية المتتالية، التي سقطت كوابل من الحجارة واحدة تلو الأخرى على رؤوس المواطنين، وقد تجاوزت معه الخطوط الحمراء نحو المزيد من تخفيض الدعم، الذي كان كفيلاً بزيادة انحدار الوضع المعيشي والخدمي الكارثي درجات عدة نحو المزيد من تعمق الفقر في الجيوب الفارغة، والجوع للأمعاء الخاوية.
سنستعرض فيما يلي القرارات الصادرة للعام ٢٠٢١ بما يخص تخفيض الدعم الذي طال أهم المواد الأساسية «المدعومة»، من خبز، ومواد تموينية سكر ورز، بالإضافة إلى مازوت التدفئة والغاز المنزلي، وانعكاسها الكارثي المهول على الواقع المعيشي للمواطن، والمضافة غصباً عنه إلى تكاليف معيشته المتردية، من خلال حسبة سنجريها على أسرة مكونة من 5 أشخاص.
الخبز خط الدفاع الأول المسلوب
دخل الذكاء على المواد المدعومة واحدة تلو الأخرى منذ مطلع عام ٢٠٢٠، ولم يقتصر على ذلك فحسب، بل يكاد لا يخلو شهر إلا ويطرأ تعديل ما نحو المزيد من تخفيض الدعم عن أحد تلك المواد.
الخبز كان واحداً منها، فبعد تطبيق نظام الشرائح خلال شهر أيلول من العام ٢٠٢٠، ورفع سعر الربطة الواحدة من ٥٠ إلى ال ١٠٠ ليرة خلال شهر تشرين الأول من السنة ذاتها، انخفضت حصة العائلة المكونة من ٥ أشخاص بعدما كانت تحصل على ٤ ربطات- كما كان سائداً قبل تطبيق نظام الشرائح- إلى ٣ ربطات يومية، لم تنته سياسة تخفيض الدعم عند ذلك الحد بل استمرت مع العام ٢٠٢١، وكان أولها يوم ١٠ تموز حيث تم رفع سعر ربطة الخبز من ١٠٠ إلى ٢٠٠ ليرة مبيعاً من الأفران، و٢٥٠ سعر مبيعها عبر المعتمدين، وخلال ذات الشهر، من اليوم ٢٥، تم تعديل نظام الشرائح من ٤ إلى ٨ شرائح، حمل في طياته تخفيض دعم مبطن آخر، ولتنخفض حصة العائلة من ٥ أشخاص إلى ربطتين يومياً، ليعاد إصدار قرار يوم ١١ آب، يقضي بتعطيل جميع الأفران في دمشق يوم الجمعة، ثم آخرها جدول التوزيع الجديد الذي صدر يوم ١٧ كانون الأول، على أن يتم تطبيقه بتاريخ 25/12/2021.
خلال هذه الجولة السريعة نلمس نتائج تلك القرارات التي أدت إلى تخفيض الدعم، الكمي من جهة، ورفع سعري من جهة أخرى، وإن أسقطنا انعكاس تأثيره السلبي على عائلة مكونة من ٥ أشخاص طيلة العام ٢٠٢١ نجد ذلك وفقاً للجدول التالي:
مع التأكيد أن الحصة اليومية المخصصة من الخبز لا تكفي الأسرة، مما يضطرها إلى اللجوء لشبكات الاستغلال في السوق السوداء، وشراء الربطة الواحدة بـ 1000 ليرة سورية بالحد الأدنى، بالإضافة إلى أن وزن الربطة قد انخفض قبل بداية العام 2021 من 1300 غرام إلى 1100 غرام.
وإذا كانت الأسرة ستعوض النقص الذي طال حصتها بواقع 38 ربطة خبز شهرياً عبر السوق السوداء، فسيكون لديها شهرياً ما يقارب 38,000 ل.س، وعلى اعتبار أن التخفيض بدأ مع شهر تموز، نجد أن التكلفة منذ ذلك الحين حتى نهاية السنة تقارب 228 ألف ل.س، كقيمة فقط دون فارق نقص الوزن بواقع 200 غرام بكل ربطة، أي 7,600 غرام، بواقع 7 ربطات خبز إضافية تم تخفيضها من إجمالي المستحقات، بقيمة 7000 ليرة بالحد الأدنى من بدائل السوق السوداء، ليصبح المبلغ الإجمالي الذي خسرته الأسرة لقاء تخفيض الدعم على مادة الخبز بحدود 235 ألف ليرة سورية.
الغاز المنزلي فوق الموتة عصة قبر
لم تكن أسطوانة الغاز المنزلي لهذا العام بمنأى عن سياسة تخفيض الدعم، وكغيرها من المواد المدعومة طرأ عليها تخفيض متكرر، سواء عبر رفع السعر المباشر أو زيادة مدة استلام أسطوانات الغاز لمستحقيها، بمدة ذات مجال متغير، مثلاً خلال الربع الأول من العام تجاوز سقف مدة الاستلام 60 يوماً، ليعود بزيادة أخرى خلال الربع الثاني من العام لتصبح بسقف 70 يومـاً، ثم وصلت خلال الربع الثالث إلى 90 يوماً، وأما نهاية العام فقد استقر عند مدة الانتظار تصل إلى 60-70 يوماً، علماً أن المدة المعلنة للاستبدال رسمياً ما زالت بواقع 23 يوماً، وبناءً عليه يحق لكل أسرة أن تقوم بـ 15 عملية استبدال خلال السنة حسب المدة الرسمية، وإذا اعتبرنا أن المدة الوسطية للاستبدال هي 70 يوماً، فسيكون عدد مرات الاستبدال خلال السنة لكل أسرة بحدود 5 أسطوانات فقط لا غير، بمعنى أن كل أسرة قد خسرت 10 أسطوانات من الغاز خلال العام، كما طرأ على سعر مبيع الأسطوانة خلال العام ٢٠٢١ تغيراً سعرياً، الأول كان يوم 15 آذار حيث أرتفع سعر مبيع الأسطوانة إلى 3850 ل.س والذي وصل مبيعها عبر المعتمدين بين ٤٠٠٠ وال ٤٥٠٠ ل.س، ثم ليعاد رفع سعرها يوم 2 تشرين الثاني إلى 9700 ل.س وبعد إضافة أجور النقل تصبح 10450 ل.س، طبعاً ناهيك عن تخفيض كمية الغاز في الأسطوانة الذي وصل رسمياً لوزن 10 كغ، بالإضافة إلى حجم الغاز المسروق من كل أسطوانة، الذي وصل إلى نصف كيلو من وزنها، عبر شبكات الفساد السوداء، أما أرباحه في جيوب هؤلاء فتعادل مئات المليارات سنوياً، ومن المؤكد أن النقص الحاصل تداركه رب الأسرة عبر السوق السوداء لسد حاجته، ووفقاً لذلك تكون خسارة الأسرة خلال السنة كقيمة لعدد أسطوانات الغاز فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار فوارق الوزن، كما يلي:
أي إن الأسرة تكبدت خسارة لقاء 10 أسطوانات غاز اضطرت إلى تأمينها عبر السوق السوداء بما يقارب 760 ألف ليرة.
المواد التموينية تخفيض بأساليب ملتوية
خسارة العائلة السورية لم تقتصر عند ذاك الحد بل طالت المواد التموينية أيضاً، حيث اقتصر عدد دورات التوزيع خلال العام 2021 إلى 3 دورات توزيع كانت الأولى منتصف شباط والثانية يوم 4 تموز ومع بداية هذه الدورة تم رفع السعر الرسمي للسكر والرز إلى 1000 ل.س بعدما كان كيلو السكر بـ500 ل.س والرز بـ 600 ل.س، أما الدورة الأخيرة فقد بدأت يوم 4 كانون الأول، هذا التقصير الحاصل برّرته وزارة التجارة وحماية المستهلك بحجج وأساليب ملتوية، تارةً بسبب نقص التوريدات وتارةً أخرى بسبب توفّر السكر وعدم توفر الرز، بالإضافة إلى إصابة مادة الرز بالتسوس، وأحياناً أخرى لعدم استلام كافة المواطنين مستحقاتهم من المادتين مما ألزمهم بتمديد دورات التوزيع أشهر عدة... وغيرها الكثير من الحجج التي تندرج جميعها تحت بند سياسة تخفيض الدعم التي عقدت العزم عليها الحكومة حتى إنهائه، خصوصاً أن السورية لتجارة قد طرحت مادة السكر والشاي والزيت عبر صالاتها تحت مسمى «التدخل الإيجابي»، وبسعره الحر، فمثلاً السكر يباع في صالات السورية لتجارة بـ 2200 ل.س وبواقع 4 كيلو شهرياً لكل أسرة عبر البطاقة الذكية.
ألم يكن أولى على وزارة التجارة الداخلية أن تعوض النقص الذي حمّل الأسر السورية خسارة مخصصاتهم عن أربعة أشهر من السنة؟ ما يعني أن 4 ملايين أسرة لم تحصل على مستحقاتها الكاملة من السكر والرز، فخسارة الأسرة المكونة من 5 أشخاص لأربعة أشهر هي 20 كيلو من سكر و20 كيلو من الرز، مع العلم أن كمية المخصصات من المادتين لا تسد الحاجة، مما فرض على المواطن شراء السكر والرز بسعره الحر من الأسواق وبتكلفة زائدة بعد تقليص عدد دورات التوزيع، أما بعد رفع السكر بنسبة 100% والرز بنسبة 66% نجد أن الخسارة التي لحقت الأسرة من 5 أشخاص خلال الدورتين الأخيرتين، هي 20 كيلو سكر ، فالتكلفة على السعر السابق بحدود 10 آلاف ليرة، أما التكلفة على السعر الجديد بحدود 20 ألفاً، أي بحجم خسارة مضافة على تكاليف الأسرة بواقع 10 آلاف ل.س، وتكلفة 20 كيلو رز أيضاً على السعر السابق 12 ألفاً، أما على السعر الجديد 20 ألفاً بواقع خسارة 8 آلاف.
أما خسارة الأسرة المكونة من 5 أشخاص لمخصصاتها خلال الأشهر الأربعة التي لم تعوض بسبب تقليص عدد الدورات، والتي تم تعويضها عبر السوق الحرة فنجد ما يلي:
مازوت التدفئة ماذا بعد الـ ٥٠ لتراً
مازوت التدفئة مرَّ بتعديلات عدة خلال العام 2021، حاله كحال أية مادة مدعومة ولصالح تخفيض الدعم كما جرت العادة، سواء عبر تخفيض الكميات الموزعة والمشروطة بتوفر التوريدات، أو عبر رفع السعر المباشر.
تعرضت مستحقات الأسرة لتخفيضات كميّة عدة أدت لخسارة مازوت التدفئة بكل معنى الكلمة، بداية العام كان مخصصات البطاقة الواحدة 200 لتراً، وقد كان قبلها 400 ليتر، ليجري تخفيضها منتصف العام لـ 100 لتراً، وأخيراً التخفيض الأخير وصل إلى الـ50 لتراً! مع الأخذ بعين الاعتبار عدم توزيع تلك المخصصات لجميع المستحقين، لا عندما كانت 400 ليتر ولا عندما أصبحت 200 ليتر، ولا حتى بواقعها الراهن 50 ليتراً.
السؤال المشروع هنا هل فعلاً تلك الكمية التي قضم منها 150 لتراً من بداية العام يحق تسميتها بـ «المدعوم»، فالكمية لا تكفي أسبوعاً واحداً من أسابيع الشتاء، ومع كل ذلك الخنق بالكميات، رُفِعَ سعر مادة المازوت المدعوم من 180 ل.س إلى 500 ل.س، يعني فوق الموتة عصة قبر، من خلال الجدول التالي نوضح حجم الخسارة كقيمة لكمية 150 ليتراً تم تخفيضها بالسعر الحر:
مع التنويه أن الحاجة الحقيقية التي تستهلكها العائلة في فصل الشتاء لا تقل عن 500 لتر، أي بكلفة تتجاوز المليون والنصف ل.س، فهل يوجد عائلة من ذوي الدخل المحدود تقوى على سد تكاليف التدفئة المهولة تلك؟!
إجمالي الخسارات بالملايين
في النهاية نجد أن أعباء التكاليف الإضافية الناجمة عن تخفيض الدعم، والقضم الذي جرى خلال العام 2021 وحده، والذي أُجبر المواطن على تعويضه عبر شبكات السوق السوداء، كانت على الشكل التالي:
لا شك ان المبلغ الإجمالي السنوي أعلاه كخسارة كبير جداً على الأسر المفقرة سلفاً، طبعاً يضاف إليه فروق الأسعار الرسمية جرّاء تخفيض الدعم على الكميات المخصصة المسلمة من هذه المواد، وزناً وسعراً، والتي تصل بمجموعها تقريباً إلى مليوني ليرة سورية من كل حامل بطاقة ذكية من المستحقين.
فإذا كان وسطي الأجور بحدود 100 ألف ليرة، فإن مليوني ليرة يتجاوز وسطي الأجر السنوي، أي إن الأسرة المفقرة بالكاد ستستطيع تأمين حاجاتها من المواد الأساسية الخمسة أعلاه فقط!
الحفاظ على التشوه
مع كل سياسات تخفيض الدعم المتّبعة، حتى إزاحته بشكل كامل، يتغنى أحد المتنفذين بأنه لا توجد دولة تقدم الدعم كما تقدمه الحكومة اليوم!
وربما وجب التذكير أن سياسة الدعم بحد ذاتها هي تعبير عن التشوه الحاصل في توزيع الثروة بين الأجور والأرباح، ولصالح الأرباح، وأن الأجور لا تغطي الحد الأدنى لتكاليف المعيشة، فهل تصلح المقارنة مع دول أخرى لا يوجد لديها ذلك الفارق الكبير بين الأجور وتكاليف المعيشة؟!
فمع السير قدماً بسياسات تخفيض الدعم نحو إنهائه، وفي ظل عدم وجود سياسة بديلة تصحح ذاك التشوه العميق في توزيع الثروة، يبدو أن ما يجري هو مزيد من التعميق له، نحو المزيد من التشوه والحفاظ عليه، وطبعاً المزيد من الجوع والفقر والتهميش والإذلال لكرامة المواطن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1050