الأدوية ومسلسل الابتزاز وليّ الذراع
عادت مطالب المجلس العلمي للصناعات الدوائية برفع سعر الأدوية مرة أخرى إلى الواجهة، بعد أشهر قليلة على رضوخ وزارة الصحة لمطالبه، لترفع أسعار الأدوية بما يتجاوز الـ 30%.
الزيادة السعرية الماضية رغم أنها وجهت ضربة للمواطن، لكنها لم ترضِ سقف تطلعات أصحاب المعامل الذين طالبوا بزيادة 100%، لتعود مطالبهم اليوم بزيادة 70%، طبعاً بنفس الذرائع الابتزازية الجاهزة لمحتكري قطاع الصناعات الدوائية ومستوردي مستلزماتها وموادها الأولية، وأدويتها الجاهزة، عبر لي ذراع وزارة الصحة والمواطن بعدم توفر الدواء بحال عدم الرضوخ لهذه المطالب.
التحكم والاستغلال والمصير المجهول
بات المواطن السوري يعاني من آفة السياسات الليبرالية بنتائجها الكارثية على حياته ومعاشه وخدماته، التي اتسعت وتعمقت بل وتجذرت أكثر فأكثر، عبر جملة من القرارات المدمرة على مدى عقد ونيّف، والتي تظهر آثارها على السطح بشكل سافر، فقد طالت آثارها التدميرية القطاعات الإنتاجية والحيوية والإستراتيجية، وانعكاسها المباشر كان على الوضع المعيشي للمواطن وصحته.
فالقدرة الشرائية للمواطن متدنية جداً، والسبب الهوة الكبيرة بين الأجور وتكاليف المعيشة، في الوقت الذي سحبت الحكومة يدها عن دعمه بشكل شبه كامل، مما أجبر المواطن على تقليص سلته الغذائية لما دون القدرة على تجديد قوة عمله للحفاظ على صحة متوازنة لجهازه المناعي تقيه من الأمراض، ورغم أن العالم اليوم يواجه جائحة تحصد الأرواح بالجملة، ماتزال الحكومة تواكب سياسات الإفقار والتجويع الأكثر توحشاً عبر دراستها الجدية لرفع الدعم الكامل دونما تقديم حلول جدية لتغطية عجز المواطن الواضح الذي أوصلته إليه عمداً وما تزال مستمرة.
وإن كان المواطن اليوم لا يملك خياراً آخر لمواجهة الأمراض سوى ببعض العقاقير الطبية «بعدما أجهزت الحكومات المتعاقبة بسياساتها التجويعية على سلامة جهازه المناعي»، فقد أغلق هذا الباب بوجهه أيضاً، بعد أن بات المتحكّم بالقطاع الدوائي أصحاب المعامل والقائمين على عمليات استيراد المواد الأولية الداخلة في صناعة الأدوية وتجار الأدوية والمواد الطبية، ومهربيها، مستغلين حاجة وضرورات المواطن المريض لدرجة التوحش، فمن يملك سعر الدواء المتحكم به قد يشفى، بينما من لا يملك أصبح مصيره مجهولاً!
مطالب وذرائع وابتزاز
الثابت لدى أصحاب الأرباح هو تقديم الذرائع على طول الخط، فهذه المرة لم توضع ضمن إطار العقوبات أو الحصار التي كانوا يتغنون بها.... بل ركبوا موجة ارتفاع الأسعار والتكاليف عالمياً، إضافة للصعوبات المحلية.
فالذرائع التي تتوجب إعادة النظر بأسعار الأدوية أرجعها أصحاب المعامل بحسب صحيفة تشرين إلى الارتفاع العالمي غير المسبوق في المواد الأولية الداخلة في إنتاج الأدوية، مؤكدين أن كيلو البارسيتامول ارتفع سعره من 1500 دولار وحتى 12 ألف دولار، وأما سعر ظرف البارسيتامول المباع محلياً لا يتجاوز 300 ليرة في حين أن سعره يجب ألّا يقل عن 1000 ليرة، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن وتأخّره، معززين الحجج بالصعوبات المحلية التي تواجه الإنتاج من ارتفاع تكاليف الكهرباء وصعوبة تأمين المشتقات النفطية.
وبحسب رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية أنه «إذا لم يتم اتخاذ إجراءات مناسبة فسيكون هناك انقطاعات أكثر في الأدوية، معللاً ذلك بأنه لن يشتري أي معمل دواء بسعر 3500 ليرة سورية، ثم يبيعه بسعر 1600 ليرة، مؤكداً أن هذا الانقطاع ليس بمصلحة المواطن الذي يدفع تكاليف إضافية للحصول على الدواء».
ويكمل رئيس مجلس الصناعات الدوائية ليقارن بين قيمة المواد الأولية التي تستورد سنوياً بتكلفة تصل إلى حدود 100 مليون دولار، وبين تكلفة استيراد الأدوية الجاهزة التي ستصل قيمته إلى حدود 500 مليون دولار!
بالمقابل يجدر القول عن أسعار الأدوية أنه لا يوجد التزام بتسعيرة محددة لها، فمثلا سعر ظرف الباراسيتامول لا يباع بسعر 300 كما تحدث أصحاب المعامل، فسعره يبدأ بـ800 ليرة سورية، كما أنه عند شراء دواء ما تجد أن سعره على العبوة قد شُطب لتدون عليه تسعيرة بديلة يضعها أصحاب الصيدليات أيضاً، فالرقابة أصبحت من المنسيات، على السعر كما على المصدر والمواصفة.
الأدوية كغيرها محتكرة وتجد طريقها للسوق السوداء
قالت الصيدلانية هلا شاهين إن هناك الكثير من الأصناف الدوائية مقطوعة كالصادات الحيوية وخاصة شراب التهاب الأطفال وأدوية البواسير والأدوية التي تحوي بتركيبها السيتامول بالإضافة إلى شحّ كبير بالمراهم والكريمات والتحاميل النسائية. وحسب قول الصيدلانية، فإن المعامل لا تقوم بإرسال الأدوية للمستودعات، وهناك احتكار لبعض الأدوية من قبل بعض المعامل من أجل الضغط لرفع الأسعار. وذلك بحسب موقع «هاشتاغ».
وقد نُقل عن نقيب صيادلة حمص عبر «شام إف إم» ما يلي: «طرح الأدوية في السوق الدوائية من قبل المعامل بسعر أعلى من السعر المحدد من قبل وزارة الصحة وضع الصيادلة عرضة للهجوم علماً أن الوزارة هي الجهة المسؤولة عن تسعير الأدوية، الصيدلاني كان أمام خيارين إما أن يمتنع عن شراء الدواء بسعر أعلى أو أن يستكين لهذه الظاهرة ويعمل على تأمين الأدوية بالسعر الذي يعرض عليه خوفاً من الدخول بأزمة انقطاع دوائي حادة».
من المفروغ منه أن المعامل لن توقف إنتاجها من الأدوية، بل ستحتكرها حتى تحقيق مطالبها برفع الأسعار، والأخطر من ذلك أن بعضها يقوم بطرحها عبر السوق السوداء بالأسعار التي ترضي سقف جشع ربحها، ناهيك عن باب تهريب الأدوية لخارج القطر والمستمر على مدار السنوات الماضية وحتى اليوم والذي يحقق باب رزق إضافي لأصحاب المعامل والمهرّبين.
على حساب صحة المواطن وجيبه
المتوقَّع أن وزارة الصحة سترضخ، كما رضخت سابقاً، وسيتم رفع أسعار الأصناف الدوائية بما يرضي مشيئة أصحاب المعامل والمستوردين، والمواطن المفقر عليه أن يتحمل كل التكاليف والأرباح الرسمية والاستغلالية والاحتكارية على حساب صحته ووضعه السيء الذي لا يمكن أن يغطي تكاليف إضافية، سواء كانت لتوفير الأدوية المقطوعة عبر السوق السوداء أو حتى عبر السوق المحلية بعد تتالي رفع الأسعار.
فالمواطن هنا يدفع ضريبة تخلي الدولة المستمر عن قطاعاتها الإنتاجية والحيوية والإستراتيجية لشركائها المستثمرين، الذين باتوا المسيطرين على كامل العملية من الاستيراد والإنتاج وحتى التسويق والتسعير.
مع الإشارة إلى أن المقارنة مستمرة لأصحاب الأرباح بين الأسعار المحلية والأسعار العالمية المرتفعة، والتي تؤخذ بعين الاعتبار من قبل الرسميين.
فماذا عن المقارنة مع دخل المواطن السوري المتدني، هل يمكن مقارنته مع دخل الفرد عالمياً؟!
فالتشوه واضح بلا جدال، ومع ذلك لا تجد الحكومة حلولاً إسعافية تنتشل المواطن من مستنقع فقره المدقع، بل تراها تحابي أصحاب الأرباح نحو المزيد منها عبر قراراتها التي تزيد من طحن المواطن أكثر فأكثر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1048