انحسار الفرات أكبر من جريمة وأعمق من كارثة
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

انحسار الفرات أكبر من جريمة وأعمق من كارثة

تداولت بعض وسائل الإعلام المحلية والدولية الحديث عن تراجع تدفق نهر الفرات بسبب حجب تركيا لمياهه، وعن تراجع منسوب المياه على ضفتيه مع انحسارها في سريره، وعن انخفاض مستويات المياه في بحيرات السدود المقامة عليه في الداخل السوري (الفرات- تشرين- البعث)، مرفقة ببعض الصور المأساوية التي تعكس جزءاً من الآثار الكارثية عما آلت إليه حال النهر.

على الطرف المقابل فإن الواقع بالنسبة للسوريين المتضررين بشكل مباشر أو غير مباشر من حجب مياه الفرات أسوأ بكثير من كل توصيف إعلامي، ومن كل ما تعكسه الصور المنقولة من بؤس.
فالآثار الكارثية لحجب مياه النهر كثيرة ومتعددة، وتنعكس بشكل مباشر على أوجه وأشكال النشاط الاقتصادي الاجتماعي في الداخل السوري عموماً، ابتداءً من مياه الشرب والري، مروراً بالطاقة الكهربائية المولدة من السدود المشادة عليه، وليس انتهاء بالأمن الغذائي والتوازن البيئي.

بعض النتائج الكارثية

تراجع كميات المياه المتدفقة في نهر الفرات يعني خروج آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية عن الخدمة، سواء تلك المروية على ضفتي سرير النهر وأقنيته المائية، أو التي يتم ريها من خلال مياه بحيرات السدود المشادة عليه، أي: مزيد من التدهور المعيشي لعشرات آلاف الأسر التي تعيش على الإنتاج الزراعي والحيواني على طول مجرى النهر وأقنيته المائية، من جرابلس إلى البوكمال.
أما الأهم على هذا الجانب فهو الانعكاس السلبي على مستوى الأمن الغذائي في سورية، فتراجع الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني يهدد الأمن الغذائي لعموم السوريين.
كذلك فإن تراجع منسوب مياه بحيرات السدود يعني تراجع كميات الطاقة الكهربائية المولدة من العنفات وصولاً إلى توقفها، مع نتائجها السلبية على الحياة اليومية للسوريين، وعلى دورة الحياة الاقتصادية عموماً.
الأخطر أن انحسار المياه وانكشاف سرير النهر سيؤدي بحسب بعض الأخصائيين إلى نتائج كارثية، قريبة وبعيدة المدى، على مستوى التوازن البيئي على طول مجرى النهر ومحيطه الحيوي، ولا أحد يعلم ما ستسفر عنه من نتائج سلبية على هذا المستوى حتى الآن.

مخاطر على بنى السدود

تجدر الإشارة أيضاً إلى أن بعض الفنيين نبهوا من بعض المخاطر التي قد تلحق ببنية السدود نفسها المشادة على نهر الفرات بحال استمر انخفاض منسوب المياه فيها (الفرات- البعث- تشرين)، وطالت مدة انحسار المياه فيها.
فقد تتأثر بنية هذه السدود بفعل عدم توازن قوى الجذب والنبذ المؤثرة فيها نتيجة انخفاض منسوب المياه في البحيرات خلفها، ويؤخذ عامل الزمن في حساب هذه المخاطر ودرجتها، بالتوازي مع عمر السد نفسه (الفعلي والافتراضي).
فالعمر الافتراضي للسدود الكبيرة تتراوح بين 50- 100 عام بحسب طبيعة وبنية ومكان هذه السدود، قد يزيد منها عمليات الصيانة الدورية المفترضة، وتتأثر بحجم المياه المحتجزة خلفها، زيادة ونقصاناً.

اعتداء وابتزاز سياسي

ليست المرة الأولى التي تعتدي فيها تركيا على حقوق دول الجوار (سورية- العراق) بما يخص الحصص المائية من نهري الفرات ودجلة، فقد تكررت هذه الحوادث خلال العقود الماضية بسبب زيادة أعداد السدود المشادة على هذه الانهار من قبلها، المقدرة بالآلاف، وتحديداً الكبيرة منها التي تحتجز خلفها كميات مهولة من المياه على حساب حصص كل من البلدين.
فحجب مياه نهري دجلة والفرات من قبل تركيا سبق أن مورس عدة مرات وبدرجات ونسب متفاوتة، وتزداد الآثار السلبية لهذا الحجب عندما تترافق مع زيادة حدة الجفاف الذي يصيب المنطقة، كما هو الحال هذه الفترة.
وكذلك يجب ألا يغيب عن الأذهان أنها ليست المرة الأولى أيضاً التي تمارس فيها تركيا الابتزاز السياسي بعلاقاتها الإقليمية والدولية من خلال استغلال بعض ما تمتلكه من أوراق ضغط لتستثمرها تحت عناوين عسكرية وأمنية، أو إنسانية أو اقتصادية، مباشرة وغير مباشرة.
فعمليات الابتزاز السياسي من قبل تركيا أصبحت مكررة ومستمرة، وتجاوزت حدود الدول المجاورة إلى الإقليمية، بل والقارية البعيدة عنها أيضاً.

جريمة مكررة

لن نخوض بالجانب القانوني حول الاتفاقات بين كل من تركيا وسورية والعراق بما يخص الحصص المائية من نهر الفرات، أو ما ينص عليه القانون الدولي بهذا الشأن بما يحفظ حقوق الدول الأطراف (سورية- العراق)، وكيف تتعامل تركيا مع هذه الاتفاقات ومع القانون الدولي بالكثير من الاستهتار واللامبالاة تعدياً على حقوق سورية والعراق، فقد قيل الكثير بهذا الشأن.
لكن ما يجب التركيز عليه هو أن تكرار الاعتداء التركي على حقوق الدول والشعوب، وزيادة جرعات الابتزاز على كافة المستويات، لا يمكن أن يصنف إلا ضمن التوصيف الجنائي والجرمي، وخاصة مع رصد الآثار والنتائج الكارثية لهذه الممارسات العدائية على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والبيئية والأمنية، وخاصة الأمن الغذائي.
فما تمارسه تركيا بما يخص مياه الفرات يعتبر جريمة مكررة ومستمرة بآثارها وتداعياتها الكارثية التي تحصد نتائجها سورية أرضاً وشعباً.

موقف رسمي أقل من خجول

المؤسف أنه وبمقابل هذه الجريمة التركية المكررة، مع حجم تداعياها ونتائجها الكارثية، لم يصدر عن الحكومة أي موقف جدي حتى الآن يوازي حجم الكارثة.
فجل ما صدر بشكل رسمي عن الموضوع هو تصريح منقول عن لسان محافظ الرقة نهاية شهر نيسان الماضي قال فيه: «انعكاسات أزمة نهر الفرات بسبب ممارسات النظام التركي ستؤثر على الموسم الزراعي في أرياف الرقة وحلب ودير الزور.. ننسق مع رئاسة الحكومة ووزارة الموارد المائية لتلافي الأضرار الناتجة عن أزمة نهر الفرات، وهناك إجراءات ستتخذها الحكومة للضغط على الجانب التركي».
وقد نقلت وكالة سانا بتاريخ 6/5/2021 عن وزير الموارد المائية خلال جولة له في دير الزور ما يلي: «انخفاض تصريف مياه نهر الفرات إلى ما دون الـ 50% من الوارد اعتباراً من نقطة دخول النهر في الأراضي السورية انعكس على انخفاض التصريف في مجرى النهر بمستويات ومواقع مختلفة لمحطات مياه الشرب والري.. سبب الانخفاض هو انقطاع المياه من الجانب التركي الذي نطالبه بإطلاق المياه وفق الحصة العادلة المقررة لكل من سورية والعراق.. نطالب المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بالتدخل في هذا الموضوع لإعادة جريان نهر الفرات إلى ما كان عليه».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1017
آخر تعديل على الإثنين, 10 أيار 2021 11:05