«الحياة لا تتبدل من تلقاء نفسها، نحن الذين نبدّلها»
حمزة طحّان حمزة طحّان

«الحياة لا تتبدل من تلقاء نفسها، نحن الذين نبدّلها»

«الشمس تشرق وتغرب كل يوم. دولاب الزمن شغّال. كل شيء يتبدّل. الحياة نفسها ستتبدل، لكنها لا تتبدّل هكذا، من تلقاء نفسها، نحن الذين نبدّلها» - حنا مينة

نحن الناجون من الحرب، نعم، جميعنا بلا استثناءٍ، ناجون من حربٍ عشوائيةٍ لم تعرف حدوداً لإجرامها، كان يمكن لأيّ منا أن يكون بموقع أيّ من شهدائنا وقتلانا ومفقودينا من السوريين جميعاً على كامل رقعة البلاد، بطولها وعرضها، أولئك الذين قضوا تحت وطأة مطامع ومصالح أعدائنا أياً كانوا، داخلاً، وخارجاً.
نحن الناجون، من تنقلنا من محافظةٍ لأخرى، ومن قريةٍ لأخرى، ومن موقعٍ لآخر، تحت تهديد السلاح العشوائيّ، نحن المحاربون الذين كنا نذهب إلى مشاغلنا بلا انقطاعٍ مُهددين على مدار اليوم والساعة، مجازفين بحياتنا، مُرغمين، ومُكرهين، بمقابل ضرب الجوع، وإرهابه، بمقابل ما كان يعبّر عنه السوريون «إذا ما متنا قتل رح نموت جوع»، لا أوسمة لنا، ولا مراسم، ولا احتفاء، ولا شيء، فلا يزال العدوّ: موجوداً، بمختلف أشكاله ومسمياته، ولا يزال إرهاب الجوع يضرب عبر أيديه، وأصبحت: «يبدو ما متنا قتل بس رح يقتلونا جوع».
لسنا ناجين، بعد؟ فالمعركة هنا ومستمرة، حربنا اتخذت أشكالاً أخرى، ولايزال يسقط من السوريين الضحايا كل يومٍ، ولا تزال تنزف البلاد من «شرايينها المفتوحة» هجرةً نحو الخارج، ولا يزال أعداؤنا، يمزقون جسد البلاد، يقسمونها ويتقاسمونها... نزيفنا مستمرٌ، ولحمنا مرّ، نحن «الشعب العنيد» بمواجهة «زمنٍ شديد».
نحن المقاتلين، الآن، السوريين بأيّة بقعة كنّا في البلاد، أو خارجها، كلٌّ بموقعه، كلٌ بعمله، وكلٌ بحياته المحاصرة، نمضي معركتنا كل يوم في وجه خصومنا وأعدائنا، نشدّ كتف الآخر لملاصقة كتفنا: «مشكلتنا وحدة» و «عدونا واحد بهالطرف أو هداك»، ويعود السوريون إحياء ما حاول خصومهم نسفه، وسخطه، والتسخيف به خدمةً لمصالحهم بضربنا بمواجهة بعضنا البعض، همساً: «الشعب السوري واحد».
تبدو الحياة جامدة، وتبدو الأيام رتيبةً، قاسيةً، ككل ما اعتدنا عليه من هذه البلاد، ويبدو الأفق ضيقاً ومغلقاً، ويبدو ككل ما يريده لنا أعداؤنا أن يبدو لنا...
إلا أن سيدةً مثلاً، من على جسر الرئيس في منطقة البرامكة بدمشق تصرخ بشرطيّ لا يؤدي أكثر من وظيفته بحدودها وشروطها المفروضة عليه، دفاعاً عن سائق سيارة أجرة يعيش يومه: «تركت كل شي واجيت تخالف هي التكسي؟» وتدير وجهها مخاطبةً البعض حولها: «كل هالفساد والمشاكل بالبلد، ضاقت عند تكسي؟» ويجيبها أحدهم: «طولي بالك، كمان هالشرطي مو طالع بإيده شي»..
إنه موقفٌ صغير، بسيط، وعابر، لم يرصده شيء، لا كاميرات ولا تسجيلات، لا شيء سوى آذان وعيون المارة العابرين بدورهم، موقف يتكرر شبيهه كل يومٍ، وفي كل جانب غير وسائل النقل: على الخبز، على البنزين، على المازوت، على الغاز، على المدرسة، على العمل، على كلّ الحياة بكلّ تفاصيلها، إنه شدّ الاكتاف، وتعبير رفضٍ وتمرد، إنه تحديد العدوّ: «هدول الكبار، هدول يلي فوق، هدول يلي بكل مكان وطرف» وليس «الشرطي» بعينه أو «سائق التكسي».. ليس أنا أو أنت، نحن المٌستهدفون، والضحايا.
«نحن الذين نبدّلها»
لم تدرك السيدة السابقة ولا من ردّ عليها، ولا كل من يشبههم، وهم كل السوريون، أن ما قالته يعبر عن: موقف سياسيّ. ولم يدركوا أيضاً أن الفعل نفسه، بالحديث: يعزز التكاتف و«التنظيم» بالمعنى السياسي...
تخيّلوا الآن، لو يدركون إذاً، تخيّلوا لحظة الإدراك هذه، حينما نعي أنفسنا فاعلين، ومؤثرين، ومحركين، و «نبدل الحياة»، وندفع بها لمصلحتنا نحن، بسياستنا نحن، بأيدينا، نحو انتصارنا، ويأتي غدٌ نقول به: نحن الناجين، حررنا البلاد بعد حربٍ وأزمةٍ عنيدة، لم تكن أعند منّا، لم تكسرنا، وكُسر أعداؤنا وصانعوها.. ويفخر السوريون، بصوت عال: «الشعب السوري واحد».
وبكلامٍ سياسيٍّ جافّ، مختصر، ومباشر: سلاح تأمين هذا الغد بانتصاره، اليوم، هو تطبيق 2254، وإن لم يكن، فهو الضغط نحو تطبيق 2254، وإن لم يكن، فهو فرض 2254 في نهاية المطاف، ولا شيء آخر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1015