ضيق وجرائم وحلول!
سوسن عجيب سوسن عجيب

ضيق وجرائم وحلول!

إن درت بين منازل السوريين جميعاً، واستطلعت أحوالهم، لن تجد منهم أحداً لا يعاني من أزمة «ضيق»، عدا تلك القلة التي «تعاني» من نعمة «انفراج» تُكسب بالدم.

ضيقٌ في كل مكان، ضيقٌ في الأجر، ضيقٌ في الغذاء والسكن، وحتى ضيقٌ في الملابس، في الكهرباء بـ «خفّتها» والمياه بـ «عكرها»، وضيقٌ في النَفس، حرفياً، فلا أوكسجين يكفي مرضى الجائحة الفيروسية، ولا رغبة للمعنيين بحل هذا الأمر طالما لا يدر المزيد من «الانفراج» عليهم، عبر الربح، والنهب، والسرقة، على حسابنا وحساب بلادنا، ضيقٌ في شرايين القلب أيضاً، وقلّة في الموسعات والشبكات والبوالين اللازمة، ضيقٌ في الوقت، بين طوابير المازوت والبنزين والغاز والرز والسكر والخبز، ضيقٌ في الماضي، في التاريخ، تجد الناس محتقنين حد الانفجار، بيد أنه لا مكان- بعد- يسعه، ومن كل ذلك، ضيقٌ في النظر، يسبب تأخر وصول ومعرفة مسارات الحل والتغيير وأدواته للسوريين، لكن وفي الوقت نفسه فإن كل ذلك يسبب تأجيجاً وتحريضاً لإرادتنا في الحياة، بالتخلص من كل هذا «الضيق»، عبر التخلص من صانعيه.
وإثر كل هذه الحال، تتشوه بوصلة البعض نحو سبل الخلاص، لتتزايد معدلات السرقة والجرائم، ومعدلات الانتحار، من مختلف الأعمار، وتبقى دون ردعٍ أو مكافحة حقيقية من قبل المعنيين بمعالجة هذه المظاهر، وكأنهم راضون عنها، وعليها، مقابل سبيل الخلاص الآخر المطروح، المتمثل بالتغيير.

عِقدٌ هو عمر انفجار أزماتٍ اعتملت وتراكمت في عقود سابقة أطول منه، قد كان هذا الضيق مصاحباً لها على طول الوقت، فالحديث هنا يسبقنا عليه المسرحي السوري المعروف فواز الساجر منذ عقود، وربما لم يُخيل له في حينه بأن ضيق هذا العصر سيتطور إلى هذه الحدّة... وقد خضنا بالعقد الأخير كسوريين تجربةً مريرة دفعنا بها ضريبة نصف قرنٍ من التأخر والتخلف المتعمّد، حاول أعداؤنا عبرها كسرنا بصفوفٍ متواجهة، بثنائياتٍ مزيفة لا تعبر عن مصلحة أيّ منّا، بأيّ مكانٍ كنا.

ومع انتهاء الحرب والاقتتال المسلح، تبيّن وضوحاً أن الأخير لم يكن سوى شيء مؤقت وعابر، وأن العدوّ أولاً: متواجدٌ معنا على هذه الأرض، يمتص في دمائنا، نحن المنهوبين والمُفقرين والمٌعطلين عن العمل والحياة، عدو لا راية له سوى المال والأرباح، يتلطى نفسه، واحد، خلف كل الأعلام، والمسميات بتنوعها، عدوُ واحد بألف وجه بات واضحاً حين يقول السوريون بحياتهم اليومية «كلهم متل بعض» و«كلهم حرامية» و«كلهم تجار حرب» و«العترة علينا»، وتجد آمالهم تعبيراً بأقوال، مثل: «لازم يصير شي يغيّر هالحال» و«شو ناطرين بعد؟» و«شو الحل؟».
حتى أنك تجد تفهماً لمسببات الجريمة والانتحار بالقول: «شوف وين وصلونا» و«يا حرام وين صرنا».
على أيّة حال، ورغم التخوفات المحقة من هذه المظاهر التي تشير إلى تفسخ المجتمع، إلا أنه وبالمقابل، في الميزان، ترجح كفة التعقّل والوعي السياسي، بتطوره لدى السوريين، وبشكل لا يمكن إنكاره، متحينين فقط اللحظة المناسبة للتعبير عنه ونقله إلى قوّة عملية تفرض حلولاً حقيقية بأيديهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1011
آخر تعديل على الإثنين, 29 آذار/مارس 2021 14:32