تريليونات مخصصة للكهرباء.. والنتيجة!!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

تريليونات مخصصة للكهرباء.. والنتيجة!!

«الدولة تقدم ترليوني ليرة كل عام إلى وزارة الكهرباء لإيصال التيار الكهربائي إلى المواطنين»، هذا ما صرح به وزير الكهرباء خلال ورشة العمل التي أقامتها غرفة تجارة وصناعة طرطوس الأسبوع الماضي، بحسب ما نقلته بعض وسائل الإعلام.

وقد استعرض الوزير خلال الورشة أيضاً بعض الأرقام الإضافية عن واقع توليد الطاقة الكهربائية، وكذلك عن الطاقات المتجددة والاستثمار فيها.

تكلفة مرتفعة وقلة إمداد الوقود تزيدها

لا شك أن الرقم أعلاه يتضمن كلفة التوليد الكهربائي، بالإضافة إلى تكلفة خطوط نقل الطاقة، وتكلفة الصيانة، وإعادة التأهيل لمنشآت التوليد ولخطوط وشبكة النقل، مع بعض كلف التشغيل والاستثمار الأخرى، بما في ذلك أجور العاملين في الوزارة وشركات الكهرباء التابعة لها في المحافظات، مع عدم إغفال حصة هوامش النهب والفساد من مجمل هذا الرقم طبعاً.
وتجدر الإشارة إلى أن الوزير قال خلال الورشة ما يلي: «أدت قلة إمدادات محطات التوليد بالغاز الطبيعي المستخدم لتوليد الكهرباء بتخفيض قدرات المنظومة الكهربائية السورية لنحو 2500 ميغاوات».
أي: إن تريليوني الليرة المقدمة للوزارة سنوياً هي التكلفة التقريبية لتوليد ونقل وتوزيع 2500 ميغاواط فقط، وذلك يعني: أن كلفة إنتاج ونقل الكيلواط الساعي الإجمالية تقدر بحدود 91 ليرة، وهي تكلفة مرتفعة بمقاييس الاستثمار في الطاقة الكهربائية المعتمدة على المشتقات النفطية، وليس على الطاقات المتجددة، والتي تقدر بحدود 0,03 دولار لكل كيلو واط ساعي وسطياً، بحسب بعض الدراسات التخصصية عالمياً، أي: ما يعادل 37,5 ليرة بحال الحساب على سعر الصرف الرسمي للدولار مقابل الليرة، والبالغ 1250 ليرة، و67,5 ليرة بحال الحساب على سعر الصرف 2250 ليرة، وهي أسعار الصرف المعتمدة من المصرف المركزي، والداخلة في حسابات الموازنة العامة للدولة.
وبالواقع العملي، إن هذه التكلفة تكافئ 8 ساعات وصل وسطياً خلال الـ 24 ساعة، والتكلفة الإجمالية بحال تغطية الحاجة الدائمة والمستمرة من الطاقة الكهربائية خلال ساعات اليوم الكاملة قد تصل إلى 6 تريليونات ليرة سنوياً كحدٍّ أدنى، وفقاً للأرقام أعلاه!
بالمقابل، فإن حديث الوزير يشير إلى أن عدم استثمار قدرات المنظومة الكهربائية أحد أسبابه هو قلة الإمداد بالوقود، ما يعني: أن إمكانية تخفيض التكلفة متاحة نسبياً، في حال توفرت هذه الإمدادات، وكذلك إمكانية سد جزء إضافي من الحاجة للطاقة الكهربائية.
وهذه التكلفة يمكن تخفيضها أيضاً في حال سد ثغرات النهب والفساد، والعمل على تخفيض الفاقد الكهربائي في الشبكة الذي يصل نحو 25/30% بحسب ما صرح به الوزير خلال الورشة أيضاً.
ومن المفترض ألّا يغيب عن الأذهان ما يتكبده المواطنون من تكاليف إضافية على البدائل الكهربائية، استغلالاً وفساداً ونهباً، والتي تقدر بمئات المليارات من الليرات السورية سنوياً أيضاً، وهي حسابات مغيبة طبعاً عن أرقام وزارة الكهرباء والحكومة، لكنها تدخل في حسابات التكاليف الإجمالية على التزود بالطاقة الكهربائية من قبل المواطنين عملياً، وهي بالواقع العملي تبتلع كل مبالغ الدعم المقدمة من الدولة على التزود بالطاقة الكهربائية سنوياً، وتزيد!

مَنْ يدعم مَنْ؟!

يبتلع الفاقد الكهربائي بحدود 25% من إجمالي المبلغ الذي تقدمه الدولة لوزارة الكهرباء، أي: ما يعادل 500 مليار ليرة تقريباً من إجمالي الـ 2 تريليون ليرة سنوياً، بحسب تفسيرات تصريح الوزير.
فيما تبتلع قنوات النهب والفساد ما يعادل 25- 50% من المبلغ المقدم أيضاً، أي: بحدود 500 مليار إلى 1 تريليون ليرة سنوياً، بحسب الفارق بين التكلفة المحسوبة لكل كيلواط ساعي والبالغة 91 ليرة، والتكلفة المحسوبة وسطياً بحسب تكلفة الكيلواط الساعي المتعارف عليها بالحسابات العلمية والدولية والبالغة 0,03 دولار، والبالغة إما 37,5 ليرة أو 67,5 ليرة، حسب سعر الصرف الرسمي.
وبحساب التداخل الموضوعي في الأرقام والقيم أعلاه، بين الفاقد والمنهوب، لتعذر إجراء الحسابات الدقيقة بها، ربما نستنتج أن الحد الأدنى الذي يتم ابتلاعه من إجمالي ما يتم تقديمه لوزارة الكهرباء «لإيصال التيار الكهربائي إلى المواطنين» يصل إلى 1 تريليون ليرة سنوياً بالحد الأدنى!

فمَن يدعم مَن بهذه الأرقام؟!
مقدمات تخفيض الدّعم

المرعب بالنسبة للمواطنين في حديث الوزير المنقول إعلامياً خلال الورشة كان بقوله: إن «الوزارة أنهت مؤخراً مشروع قانون صندوق دعم الطاقات المتجددة، وتعمل على تطوير قرار تعرفة التغذية الكهربائية المعمول به حالياً، بحيث يصبح أكثر جذباً للاستثمار، وتدرس جميع المشكلات التي تعيق المستثمرين، وتتعاون على إيجاد الحلول لها».. «الوزارة تعمل لمعالجة كل ما يعيق الاستثمار بالطاقات المتجددة، ومنها: الفاقد الكبير في الشبكة الذي يصل حالياً نحو 25 إلى 30‎%‎ وموضوع الأسعار».
فالترجمة العملية لحديث الوزير أعلاه عن «تعرفة التغذية الكهربائية» وعن «موضوع الأسعار»، وبغض النظر عن سياقها في معرض الحديث عن الاستثمار في الطاقات المتجددة، والمشجعات المطروحة لمصلحة المستثمرين فيها من القطاع الخاص على حساب المواطنين بالنتيجة، اعتبرها بعض المواطنين مقدمة لزيادة أسعار التزود بالطاقة الكهربائية خلال الفترة القادمة، أي: تخفيض الدعم عنها، ما يشكل عبئاً إضافياً على المواطنين الذين يعانون من مشكلة التزود بالطاقة الكهربائية، ومن أسعار بدائلها، ومن الواقع المعيشي والخدمي المتردي سلفاً.

حسابات المواطنين

بعض المواطنين أجروا حساباتهم الخاصة على المعطى الرقمي الذي قدمه الوزير.
حيث قال أحدهم: إن حصة المواطن من هذا الرقم، تريليونان، تقدر بحدود 100 ألف ليرة سنوياً، بحال كان تعداد المواطنين هو 20 مليون مواطن، أي: إن حصة الأسرة المؤلفة من خمسة أفراد تصل إلى 500 ألف سنوياً، ولمدة 10 سنوات تجميعية وفق منطق الاستثمار الفعال، فإن هذه الحصة تصل إلى 5 ملايين ليرة، وهي توازي تقريباً تكلفة إنشاء مصدر طاقة دائم ومستمر من الشمس، كمصدر متجدد للطاقة وصديق للبيئة، يكفي الاحتياجات المنزلية من الطاقة الكهربائية بمختلف استعمالاتها، دون تقطع أو تقنين، ودون الحاجة للمزيد من التكاليف على البدائل الكهربائية، ودون تكرار الحديث عن الدّعم الحكومي المقدم للتزود بالطاقة الكهربائية.
ربما تكون حسابات المواطن أعلاه غير دقيقة تماماً، لكنها قد تكون جدية بما يكفي لإعادة النظر بالأرقام المعلنة أعلاه من قبل الوزير، ووفقاً لحسابات التكلفة التشغيلية والاستثمارية الحالية، وخاصة بما يتعلق بحصة هوامش النهب والفساد، وقيمة الفاقد الكهربائي من هذه التكلفة، بالمقارنة مع حسابات التكلفة الاستثمارية والتشغيلية بحسب الأرقام والحسابات التقريبية أعلاه.

ردود وتعليقات المواطنين

الرقم الترليوني أعلاه لم يمر مرور الكرام على المواطنين المكتوين من تردي وسوء الخدمة الكهربائية، ومن طول ساعات التقنين، حيث تناول بعض المواطنين الرقم أعلاه ببعض الجدية، فيما غلب طابع التهكم من قبل البعض.
وفيما يلي بعض تعليقات المواطنين التي وردت على بعض صفحات التواصل الاجتماعي، الخاصة والعامة:
«لو يوزعوا هال2 تريليون ليرة ع الناس وكل واحد ينور حياتو بكيفو من حصتو».
«أنا لحالي صرت مستهلك 12 بطارية و3 شواحن والليدات غيرتهم 3 مرات».
«والله ما بتستاهل عم تدفعوا كل هالشي كرمال هالساعة يلي عم تجي الكهربا فيها».
«بس هالأرقام الفلكية غير المنطقية من وين جبتا إذا ميزانية 2020 كلها 4 ترليونات وميزانية 2021 أقرت 8,5 ترليونات ليرة.. فكيف زبطت معك؟».
«إذا ما في كهربا وكل هالمبلغ كيف لو في كهربا.. يتساءل مواطن ما بتجي عندو الكهربا إلا بالمناسبات».
«خلينا نقول كلامك صح وعم تدفعو2 ترليون ليرة، ليش ما حكيت عن الفواتير اللي عم يدفعها المواطن، اجمعهن وشوف كام ترليون بيطلعلو، نحنا عم نشوف الكهربا 4 ساعات من أصل 24 ساعة وعم تجينا فواتير بأرقام خيالية».
«مقدمة لرفع أسعار الكهربا الي ما عم تجي أساساً».
«والشعب عم يدفع إذا في كهربا أو ما في إذا في انترنت أو ما في إذا في ماء أو ما في».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1007
آخر تعديل على الإثنين, 01 آذار/مارس 2021 02:22