هل تتجه مشكلة الخبز إلى تأزم جديد؟
سمير علي سمير علي

هل تتجه مشكلة الخبز إلى تأزم جديد؟

ما زالت مشكلة الخبز عويصة وبلا حلول نهائية على ما يبدو، وفي كل مرة تثار فيها هذه المشكلة على أحد المستويات الرسمية تتكاثر الاقتراحات بشأنها، مؤدية للمزيد من المشاكل فيها بدلاً من حلها.

فخلال اجتماع بين محافظي دمشق وريف دمشق، جرى نهاية الأسبوع الماضي في مبنى محافظة الريف، تم التطرق لموضوع الخبز، حيث كان النقاش حول: «آلية بيع الخبز وإمكانية أن يحصل المستهلك على خبزه من مخبز محدد إضافة إلى الكيفية التي يمكن بها تطبيق (جي بي أس) على عمل المعتمدين للتفريق بين المعتمد والتاجر»، وذلك بحسب ما رشح عبر وسائل الإعلام.

هل هي ميزة حقاً؟

طرح مشكلة الخبز خلال اجتماع المحافظين أعلاه، ربما كان على إثر توصية محافظة دمشق خلال اجتماع مجلسها بدورته العادية الأولى لهذا العام، والذي تضمن بحسب بعض وسائل الإعلام: «فصل بطاقات الريف عن المدينة، وإعطاء المواطنين ميزة اختيار من أي أفران يريدون استجرار ماد الخبز (مدينة أو ريفاً)، وتزويد كافة أفران دمشق الخاصة بجهاز pos إضافي لتسريع وتسهيل عملية البيع».

التوصية أعلاه، والتي وضعت على طاولة النقاش بين محافظي دمشق وريف دمشق وكأنها «ميزة» ستُمنح للمواطنين من أجل اختيار الأفران التي يريدون الاستجرار منها (ريفاً أو مدينة)، بواقع الحال لن تكون ميزة، بل ربما تكون عبئاً إضافياً على بعض المواطنين، وبالتالي قد تعقد المشكلة بدلاً من حلها، ولا أحد يعلم ما هي الجدوى من فصل مدينة دمشق عن ريفها بهذا المجال.

جوهر موضوع الفصل المزمع يبدو أنه مرتبط بالكميات من الدقيق التمويني المخصصة لتصنيع رغيف الخبز بين مدينة دمشق وريف دمشق عبر مخابز وأفران كل منها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المخصصات من الدقيق التمويني الموزعة على المخابز (العامة والخاصة) كي يتم تصنيعها كخبز «مدعوم»، من المفترض أنها محسوبة ككتلة بحسب وسطي معدلات الاستهلاك «المسقوفة مؤخراً» في كل منطقة وحي، سواء في الريف أو في المدينة، وهي بعهدة كل من السورية للحبوب والسورية للمخابز واللجان الخاصة بهذا الشأن في كل محافظة، وكذلك فإن عمليات البيع للمخصصات من الخبز للمواطنين أصبحت مراقبة ومتابعة عبر البطاقة الذكية، سواء من قبل المخابز مباشرة أو من خلال المعتمدين.

فالبعض من سكان ريف دمشق يستجرون مخصصاتهم من الخبز عبر البطاقة الذكية من مخابز المدينة، بحكم التداخل الجغرافي بين الريف والمدينة، وبسبب مكان وظروف العمل وشروطه وساعاته، وقد يشكل الاقتراح أعلاه بحال تنفيذه مشكلة إضافية بالنسبة لهؤلاء.

كذلك فإن الكثيرين من سكان المدينة يلجؤون لاستجرار مخصصاتهم من الخبز التمويني من المخابز التي تقل فيها نسبة الازدحام بحسب ظروف كل منهم والوقت المتاح لهم، وكل مرة من مخبز، وربما من الصعوبة بالنسبة للبعض من هؤلاء أن يتم تقييد استجرارهم بمخبز معين.

فالميزة التي يجري الحديث عنها بهذا الصدد ستنعكس سلباً على الغالبية من سكان المدينة والريف، أي: مزيداً من المشاكل والزمن المهدور بالنسبة لهؤلاء كنتيجة.

السورية للمخابز تنأى بنفسها

مدير عام السورية للمخابز، وفي تعقيب حول الموضوع، نأى بنفسه عن الملابسات التي قد تنشأ بحال تنفيذ مثل هذه التوصية، فقد نقل عنه عبر إحدى الصحف المحلية حول تأثير تحديد المخبز الذي يمكن للمستهلك شراء خبزه منه بأنه: «لا علاقة للمخابز بهذا الموضوع العائدة صلاحياته واتخاذ القرار فيه إلى وزارة الإدارة المحلية والمحافظين». 

وتأكيداً على التداخل في عمل السورية المخابز على مستوى مهامها العامة بإنتاج الخبز التمويني، قال: «في حال حصول أي نقص في أية منطقة يتم تزويد المنطقة من مخابز المناطق المجاورة». أي: إنه لا مشكلة تواجه السوية للمخابز بحال الضغط على مخبز دون الآخر في بعض الأحيان، سواء كان ذلك في دمشق أو في ريفها، أو في غيرها من المحافظات.

في حلب المشكلة أشد

مشكلة الخبز التمويني في حلب تبدو أشد وطأة على المواطنين في ظل ما تتفتق عليه عقول الرسميين من حلول لها هناك.

فبعد أن تم تطبيق العمل بموجب البطاقة الذكية على توزيع المخصصات اليومية للأسر في المدينة، صدر تعميم من مدير فرع حلب للسورية للمخابز مؤخراً بالطلب من كافة المخابز «إعطاء كل شخص ببطاقته أو بطاقة والده أو بطاقة ابنه فقط، وكل مخالفة تستوجب المسؤولية».

وبموجب هذا التعميم لم تعد مشكلة تأمين رغيف الخبز مقتصرة على الازدحام أمام الأفران والمخابز فقط، بل تعدتها إلى تقييد إضافي على المواطنين من أجل الحصول على مخصصاتهم.

فالزوجة مستثناة من مضمون التعميم مثلاً، وكذلك بحال الاضطرار للجوء المواطنين إلى بعضهم البعض بهذا المجال، فلا الجار ولا الصديق ولا القريب يمكن الاستعانة بهم من أجل الوقوف على طوابير الخبز للحصول على المخصصات الأسرية، فأي ذكاء وأية جدوى منه!

المشكلة في مكان آخر

التخبط والارتجالية بالحلول الرسمية المقترحة من أجل حل مشكلة رغيف الخبز المزمنة ما زالت بعيدة كل البعد عن جوهرها، فجميعها ما زالت تُجير المشكلة على المواطنين وكأنهم سببها، علماً أن الدعم جرى تخفيضه أكثر من مرة حتى الآن، والكمية المخصصة لكل أسرة بحسب تعداد أفرادها أصبحت دون مستويات الحاجات الاستهلاكية الفعلية لهذه الأسر، وهو تخفيض إضافي للدعم من الناحية العملية، بالإضافة إلى كل التطبيل والتزمير حول البطاقة الذكية وجدواها، ومع ذلك تستمر عقلية التجيير بحل جوهر المشكلة على المواطنين، والتعمية عن سببها الرئيسي المتمثل بشبكات الفساد العاملة والمستفيدة من الرغيف المدعوم، والتي زكمت رائحتها الأنفاس، عبر خلق مشاكل إضافية للمواطنين باسم هذا الدعم، وكل ذلك لإبعاد الشبهات عن تلك الشبكات التي تعيث فساداً ونهباً بعمق هذا الرغيف، على حساب المواطنين، كما على حساب الخزينة العامة والاقتصاد الوطني.

وبهذا السياق تجدر الإشارة إلى أننا لم ننس بعد ما رشح عن ملفات الفساد في محافظة الحسكة بما يخص القمح ومستودعاته وأماكن تخزينه وصفقاته المشبوهة، والتي أوردتها محافظة الحسكة عبر صفحتها الرسمية خلال العام الماضي بالإضافة إلى التغطية الإعلامية لها، وكذلك ما رشح عن كميات النقص في القمح خلال عمليات الاستلام والتسليم في المرفأ لإحدى السفن، وما رافقها من ملابسات وحيثيات، مع غيرها من ملفات الفساد التي تمت تغطيتها إعلامياً خلال السنين الماضية، وما يتم ضبطه من دقيق تمويني مهرب وبكميات كبيرة بين الحين والآخر، والتي تشير بمجملها، بشكل أو بآخر، إلى آلية عمل الفساد المزمنة والمعممة بعمق إنتاج وصناعة الرغيف المدعوم، اعتباراً من مكونه الأساس المتمثل بالقمح، وصولاً إلى سوق السوداء على الرغيف أمام المخابز والأفران.

فإلى متى ستستمر عقلية تجيير المشكلة على المواطنين، بدلاً من التوقف عند جوهرها المتمثل بالفساد وشبكاته لحلها بشكل نهائي؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1001