قطاع الدواجن وسلة الاستهلاك وحيتان الاستيراد
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

قطاع الدواجن وسلة الاستهلاك وحيتان الاستيراد

ارتفعت أسعار الفروج والبيض بشكل كبير خلال الأيام القليلة الماضية، فقد تجاوز سعر كيلو الفروج مبلغ 5000 ليرة، كما تجاوز سعر طبق البيض مبلغ 6000 ليرة، وذلك بحسب الأسواق، ووفقاً لمستويات العرض والطلب فيها، برغم كل الحديث الرسمي عن دعم قطاع الدواجن، وما قيل عن الأسعار المدعومة للمقنن العلفي المخصص، وعن زيادة الكميات المخصصة لكل منشأة بحسب أعداد الطيور فيها.

ارتفاعات الأسعار الأخيرة كانت سبباً إضافياً لتخفيض معدلات الاستهلاك الأسري من لحوم الدجاج ومن البيض، حيث تقلصت سلة الاستهلاك الأسري من هذه الغذائيات أكثر مما هي متقلصة، ولم تعد من ضمن سلة الاستهلاك اليومي للغالبية من الأسر المفقرة، بل أصبحت نوعاً من الترف الغذائي الذي يحسب ضمن حدود الاستهلاك الشهري، بحال توفرت الإمكانية لذلك.

أين المفاجأة؟

في تصريح لمدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتاريخ 5/1/2021 عبر إحدى الإذاعات المحلية، قال: «إن ارتفاع أسعار الفروج والبيض شبه طارئ ومفاجئ»، متابعاً: «ترافق ارتفاع أسعار الفروج والبيض بشكل مباشر مع ارتفاع أسعار المواد العلفية، ونحن حالياً في ذروة الطلب على المواد العلفية التي تشكل 65 في المئة من تكلفة الفروج»، مضيفاً: «إننا في مرحلة سبر للأسواق لمعرفة الأسباب الفعلية للارتفاع نتيجة الطلب الزائد على الأعلاف هذه الفترة، بالإضافة إلى أن عدداً كبيراً من المزارع الأساسية المنتجة كانت خارج الخدمة خلال الفترات الماضية أي: كمية العرض منخفضة، مع الطلب الزائد في موسم الأعياد والعطل وهذا انعكس على ارتفاع الأسعار».

فأين المفاجأة في الأمر بالنسبة لمدير الأسعار، طالما الموضوع واضح بالنسبة إليه، وأنه مرتبط بارتفاع أسعار المواد العلفية؟!

وأين دور الوزارة على مستوى ضبط ومراقبة أسعار الأعلاف في ذروة الطلب عليها؟

مخصصات علفية غير كافية

سبق أن تم الإعلان عن زيادة المخصصات العلفية للدواجن اعتباراً من نهاية العام الماضي، حيث أصبح لطير الفروج الواحد في الدورة العلفية الواحدة 2 كغ، ولكل واحد من الطيور البياضة والأمات (فروج وبياض) والجدات 1,5 كغ، وذلك استناداً إلى بعض المستندات والوثائق التي تثبت عمل كل منشأة من المنشآت.

لا شك أن زيادة المخصصات العلفية تعتبر عاملاً مساعداً بالنسبة للمربين، ومن المفترض أن تنعكس إيجاباً على السعر (انخفاضاً) بالنسبة للمستهلكين، لكن بالمقابل، وبحسب بعض المربين، وبعيداً عمّا يقال عن العرض والطلب، فإن الاحتياجات الفعلية من الأعلاف لا تغطيها الكميات المخصصة منها بشكل رسمي، بحسب ما ورد أعلاه، فهي بالكاد تغطي نصف هذا الاحتياج، والنصف المتبقي من الأعلاف يتم تأمينه من خلال السوق التي يتحكم بأسعارها بعض المستوردين، والفارق السعري بين أسعار مؤسسة الأعلاف، وبين أسعار السوق هو الضعف تقريباً، وهو متغير بحسب سعر الاستيراد وزمنه، وهو ما يؤدي عملياً إلى تذبذب الأسعار وعدم استقرارها بالنتيجة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الجزء الذي تؤمنه مؤسسة الأعلاف لمنشآت الدواجن مستورد من قبل هؤلاء المستوردين لصالح المؤسسة.

السعر المتحكم به والرهان على المستوردين

آخر ما حرر بشأن الأعلاف على المستوى الرسمي، هو ما تناقلته بعض وسائل الإعلام خلال اليومين الماضيين بأن: «رئاسة مجلس الوزراء رفضت تشميل صناعة الأعلاف ضمن برنامج إحلال بدائل المستوردات، كون هذه الصناعة لا تعتمد على المادة الأولية المنتجة محلياً، وذلك بناءً على مقترح اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، التي دعت إلى إيلاء الاهتمام اللازم لزراعة مدخلات هذه الصناعة، بما يمكن من الاستغناء عن الكميات المستوردة منها».

ومن الناحية العملية لا خطط واضحة تم تبنيها بشأن زراعة بعض المحاصيل العلفية التي تدخل في عملية تصنيع الأعلاف، حتى تاريخه، بل هناك بعض الدراسات السابقة التي تقول بعدم الجدوى الاقتصادية من زراعة بعضها، لسنا بصدد تفنيدها الآن.

لنصل إلى نتيجة مفادها: أن التكلفة على المربين، وبالتالي، الأسعار النهائية في السوق لمنتجات قطاع الدواجن بالنسبة للمستهلكين، مُتحكم بها سلفاً، وهي بأيدي بعض مستوردي الأعلاف في البداية والنهاية، سواء استلم المربون مخصصاتهم من المؤسسة، أو اضطروا لشرائها من السوق، وسيستمر الأمر كذلك طالما لا توجد لدينا صناعة محلية لهذه الأعلاف، ولا تتوفر لدينا مدخلات إنتاجها كمواد أولية زراعية، وربما لا غرابة بعد ذلك أن تستمر سلة الاستهلاك الغذائي من هذه المنتجات بالنسبة للمواطنين بالتقلص، وكذلك في استمرار تدهور قطاع الدواجن، وخروج بعض منشآته عن العمل.

فهل ستسقط أوهام الرهان على مستوردي الأعلاف من أجل إبعاد الخطر عن قطاع الدواجن، ولمصلحة المستهلكين فعلاً؟

وهل ستستعيد مؤسسة الأعلاف دورها المناط على هذا المستوى، أم إن مصلحة حيتان الاستيراد ستبقى لها الأولوية؟

الضغط نحو استيراد الفروج المجمد

الضغط على قطاع الدواجن لم يقف عند حدود التحكم بالأعلاف، سعراً ومواصفة، من قبل بعض المستوردين، بل هناك ضغوطاً إضافية تمارس عليه بذريعة مصلحة المواطنين وباسمهم من خلال طرح إمكانية استيراد الفروج المجمد لبيعه للمستهلكين في الأسواق، والذي قد يكون الضربة الأخيرة والقاصمة الموجهة لهذا القطاع في حال تنفيذه، وطبعاً كل ذلك يصب بمصلحة حيتان الاستيراد الذين سيستكملون استحواذهم على أسواق منتجات هذا القطاع (الفروج- البيض)، بعد توقف منشآته وخروجها عن العمل.

فقد تبنت محافظة دمشق بنتائج أعمال اجتماع مجلسها الدوري الأول لهذا العام- الذي انتهت أعماله نهاية الأسبوع الماضي- توصيات لجنتها الاقتصادية بما يخص الوضع المعيشي والغلاء، ومنها: السماح للقطاع الخاص باستيراد مادة الفروج المبرد واللحوم المبردة وفق شروط وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي من ناحية عملية الذبح والشروط الفنية.

لا شك أن اقتراحات وتوصيات محافظة دمشق بهذا الشأن تُرفع للحكومة، وهي بحاجة لموافقتها لوضعها بالتنفيذ، لكنها مع ذلك ما زالت تمارس ضغوطها بهذا المجال. 

فقد سبق لمحافظة دمشق أن اقترحت السماح باستيراد الفروج المبرد تحت العنوان نفسه «الوضع المعيشي والغلاء» خلال اجتماعات سابقة لمجلسها العام الماضي، لكنها لم تتطرق لواقع ارتفاعات أسعار الأعلاف المتحكم بها من قبل بعض المستوردين، والتي تعتبر السبب الرئيس في ارتفاع أسعار الفروج والبيض.

مبدئياً جرى نفي تبني مقترح السماح للقطاع الخاص باستيراد مادة الفروج المبرد واللحوم المبردة من قبل وزارة الزراعة، وهذا ما نتمنى استمرار التمسك به، لكن ذلك لا يمنع من التساؤل:

هل محافظة دمشق بتبنيها لهذه التوصية، ورفعها للحكومة بشكل متكرر، تتكلم بلسان حال المواطنين ولمصلحتهم، أم بلسان حال المستوردين ولمصلحتهم؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1001