مغضوب لكنه محبوب!
دارين السكري دارين السكري

مغضوب لكنه محبوب!

يحق لجميع الجهات الرسمية والخاصة أن تُسعر تكاليفها وبضائعها وخدماتها بالدولار، وبما يعادله بالليرات السورية، لكن من الممنوع على المواطن المسحوق أن ينبس بمفردة «الدولار» المشؤوم على لسانه، فكيف أن يقوم بتقريش راتبه وفقاً لسعر هذا المغضوب، أو حساب مصروفه الشهري بما يوازيه ويعادله!؟.

فقد أعلنت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد في سورية مؤخراً، عن تعديل أجور التصريح الإفرادي عن الأجهزة الخلوية غير المصرح عنها، والتي عملت على الشبكة، وذلك ضماناً لاستمرار ورود أجهزة الخلوي عبر المنافذ النظامية «المديرية العامة للجمارك» والتي ترتبط رسوم إدخالها بسعر الصرف الرسمي للدولار المحددة من قِبل مصرف سورية المركزي.
وبناءً على طلب مديرية الجمارك العامة صدر قرار من وزارة المالية «المديرية العامة للجمارك» ووزارة الاتصالات والتقانة «الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد» يتضمن تعديل أجور التصريح الإفرادي عن الأجهزة الخلوية غير المصرح عنها، والتي عملت على الشبكة، لترتفع مثلاً كالشريحة الأولى من الـ20000 ليرة لـ 65000 ليرة، وكمثلها الشريحة الرابعة من الـ 100000 ليرة لـ 250000 ليرة.

يحق لهم ما لا يحق لغيرهم

«ضماناً لاستمرار ورود الأجهزة الخلوية عبر المنافذ النظامية، والتي ترتبط رسوم إدخالها بسعر الصرف الرسمي للدولار»...
ضمن هذا التصريح ذُكر اسم «الملعون» دون أي خوف من المسؤولية لذكر اسمه والتحدث به والـ«تقريش» بسعر صرفه حتى، علماً أنه من المحرمات ومن الكبائر في سورية اليوم- التي يُحاسب عليها المواطن السوري «الدرويش» هي الحديث عنه، حتى بينه وبين نفسه!.
ولكن، ضمن السياسات «القمعية» يحق للاتصالات كما للجهات العامة والحكومية والخاصة، وطبعاً ضمناً شريحة كبار تجار الحرب والأزمة والحيتان والفاسدين- التحدث باسمه، والتسعير به، دون رقيب أو حسيب، ودون تأنيب ضمير حتى!.

ماذا عن التهريب؟

القرار أعلاه يُعتبر تجديداً لقرارات سابقة تصب في الاتجاه والغاية نفسها، وهي جيب المواطن، فعبارة «التصريح الإفرادي عن الأجهزة الخلوية غير المصرح عنها» تحمل ضمناً ما يدخل القطر من أجهزة خليوية بأسلوب التهريب بغاية الاتجار والربح، وتباع للمواطنين، وما يمكن أن يدخله البعض من المواطنين معهم كأجهزة للاستعمال الشخصي، وليست للمتاجرة.
وبدلاً من تكثيف العمل على المنافذ الحدودية لضبط عمليات التهريب، تم اللجوء لهذا الأسلوب التقني الأسهل، لكن الفارق أن المواطن كان هو الضحية، سواء من أدخل جهازه للاستخدام الشخصي، أو المغرر به الذي اقتنى هذه الجهاز من المحلات، المعلومة والمكشوفة، والتي تعمل على مرأى وبعلم كافة الجهات المعنية.
اما النتيجة العملية، فهي أن هذا الإجراء ليس له أي تأثير على مستوى الحد من التهريب، فمن تهرب من المسؤولية عملياً هي شريحة المهربين، التي حصلت على مرابحها وانتهت، بعيداً عن المحاسبة والمساءلة، وما زالت تعمل على قدم وساق.
ليس ذلك فقط، بل إن المبالغ المترتبة على التصريح، والتي سيتم جبايتها من جيوب المواطنين بحسب شرائح القرار، تعتبر مرتفعة بشكل كبير، وقد وردت الكثير من التعليقات التهكمية على هذا المستوى، ولعل أكثرها انتشاراً أن الهيئة الناظمة للاتصالات والجمارك تتقاضى نسبة أرباح صافية أعلى من شركات تصنيع الأجهزة الخليوية الذكية نفسها!.

المغضوب سبب الفلتان

سعر الصرف المتذبذب كان وما زال أحد مبررات حال الفلتان في السوق على مستوى أسعار السلع والخدمات، سواء العامة أو الخاصة، بالإضافة للضرائب والرسوم التي تتزايد هي الأخرى، والتي تترجم جميعها من الناحية العملية كضغوط يومية على حياة ومعيشة المواطنين، الذين يتقاضون أجورهم المجمدة بما يوازي سعر الصرف الثابت القديم، بينما يتعاملون في السوق وفقاً للسعر المتذبذب للصرف وبأعلى سعر حالي!.
والقرار الأخير، بغض النظر عن دوره على مستوى التغطية على ضعف أداء الجمارك لمهامها، أو التغطية على كبار المهربين والمتهربين، لم يخرج عن هذه القاعدة العامة، كإضافة جديدة تطبق على أنفاس ومعيشة المواطنين، لكن وفقاً لاستخدامات الذكاء وتقنياته حكومياً، وطبعاً وفقاً لمقتضيات سعر المغضوب.
وكما قال أحد المواطنين تعقيباً على التبريرات الحكومية في هذا السياق: «لم يبقَ سوى الهواء حتى تطالبنا الحكومة بدفع ثمنه وفقاً لسعر الصرف».
والسؤال الذي يفرض نفسه: متى سنتخلص من المغضوب وسعره طالما أنه سبب المصائب على البلاد والعباد، أم أن محبيه الرسميين أكثر من مُبغضيه؟!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
982
آخر تعديل على الإثنين, 07 أيلول/سبتمبر 2020 13:11