مزارعو التبغ.. شغيلة ببلاش..
التبغ محصول جديد يدخل بوابات الاستنزاف، وصولاً لتكريس تراجع زراعته واستبدالها بزراعات أخرى ذات جدوى اقتصادية وعائدية أفضل للمزارعين، برغم كل الحديث عن الدعم لهذا المحصول، وبرغم اعتباره من الزراعات المخططة والمحصورة والمقيدة.
المزارعون العاملون على زراعة هذا المحصول بالكاد يغطون تكاليف إنتاجهم، التي ارتفعت بشكل مطرد خلال السنين الماضية، وتزايدت بشكل كبير خلال الموسم الحالي، فعلى الرغم من الزيادة المقرة رسمياً على أسعار أصناف هذا الموسم، إلا أنها لم تكن كافية لتغطي التكاليف بحسب بعض المزارعين.
الأسعار المشجعة غير مشجعة
الموسم يبدأ تسليمه للمؤسسة العامة للتبغ عادة مطلع شهر أيلول من كل عام، وقد صدرت توصية اللجنة الاقتصادية بالموافقة على الأسعار الجديدة لهذا الموسم نهاية الأسبوع الماضي.
وبحسب صفحة الحكومة: «أوصت اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء بالموافقة على تحديد سعر شراء مادة التبغ من الفلاحين لصالح المؤسسة العامة للتبغ لموسم هذا العام لكل صنف على حدة، بهدف تشجيع المزارعين على الاستمرار بزراعة هذا المحصول. وذلك بناء على الأسعار المقترحة من وزارة الصناعة لسعر الكيلو غرام الواحد من كل صنف، وفي ضوء ما تم الاتفاق عليه بين المؤسسة العامة للتبغ والاتحاد العام للفلاحين».
إن الأسعار المعتمدة لهذا الموسم ارتفعت عن أسعار الموسم الماضي، لكن بحسب المزارعين فإن الأسعار المقررة غير مشجعة على الاستمرار بزراعة هذا المحصول بحسب التصريح الرسمي، فتكاليفهم بالكاد تغطيها هذه الأسعار، بدون هوامش الربح التي من المفترض أن تغطي تكاليف معيشتهم، والنتيجة بحسب قول أحدهم: «نحن وأفراد أسرنا أصبحنا نعمل بهذا المحصول ببلاش».
في المقابل، لا يخفي هؤلاء المزارعين ما يتم عرضه عليهم من مغريات ومشجعات على مستوى الأسعار من قبل بعض التجار، بغاية شراء جزء من محاصيلهم المحصورة افتراضاً، كمنافسين لمؤسسة التبغ، وبعلمها أحياناً.
مطالب مكررة والخسائر مستمرة
تراكمت مشاكل وصعوبات العمل بزراعة هذا المحصول خلال السنين الماضية، وتراجع الإنتاج الزراعي عموماً لم يستثنِ هذا المحصول المخطط والمقيد افتراضاً، مع العلم أن التبغ كمحصول زراعي لا يقل أهمية عن باقي المحاصيل الزراعية الأخرى في تكوين الناتج المحلي الزراعي.
لقد بدأت زراعة هذا المحصول تسجل تراجعاً على مستوى العاملين فيه والمساحات المزروعة تباعاً، حيث تحول هؤلاء لزراعات أخرى، أو استبدلوها بالبيوت البلاستيكية، بغاية الحصول على مردود أفضل يغطي تكاليف معيشتهم.
وعلى الرغم من المطالبات السنوية المكررة للمزارعين العاملين بهذا المحصول بحثاً عن الإنصاف إلّا أن الواقع يقول إن الواقع المعيشي لهؤلاء يزداد تردياً عاماً بعد آخر، ويسجل محصولهم السنوي المزيد من الخسائر، وبالحد الأدنى يخسرون جهدهم المبذول فيه.
يضاف إلى ما سبق دور لجان الاستلام المعتمدة، التي لا يخلو عمل بعضها من أوجه المحسوبية والفساد، وذلك من خلال تحديد المواصفة المرتبطة بالسعر عملياً أثناء عمليات الاستلام.
تكاليف وجهد
بعض الفلاحين أشاروا إلى أن مؤسسة التبغ عندما تقوم بحسابات التكلفة كي تسعر قيمة المحصول تأخذ بعين الاعتبار تكاليف (البذار والشتول والأدوية والأسمدة) ووفقاً لأسعارها التقديرية المعتمدة، وليس وفقاً لأسعار السوق الفعلية التي يتكبدوها، وتغض الطرف عن غالبية التكاليف الأخرى المتعلقة باليد العاملة والرعاية الدائمة، ذات الجهد العضلي المضني طيلة الموسم.
فالتكاليف الرئيسة يمكن حصرها بالتالي: ثمن البذار والشتول والأدوية والأسمدة، وهذه المستلزمات مرتفعة السعر ومتحكم بها، وخاصة الأسمدة والأدوية والمبيدات التي يتحكم بسعرها ومواصفتها بضعة تجار ومستوردين، يضاف إليها أجور اليد العاملة والجهد المبذول طيلة الموسم على زراعة ورعاية المحصول، اعتباراً من عمليات التسوية للمساكب مروراً بتعزيلها من الحجارة ومن الأعشاب، وصولاً لتغطيتها بالنايلون، وبعد البذر لا بد من الكشف الصباحي عليها يومياً قبل شروق الشمس لتعاد تغطيتها مع غيابها، طبعاً يتخلل ذلك عمليات الرش بالمياه بالإضافة لرش الأدوية بشكل دوري، حيث تتعرض النبتة لأمراض عديدة، مع عدم إغفال عملية الحراثة الأولية والفلاحة لأكثر من مرة.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأراضي التي تزرع فيها هذه النبتة- في المرتفعات غالباً- التي لا تصلها آلات الحراثة، والعملية بمجملها يدوية، مع ما يعنيه ذلك من تكلفة مرتفعة كأجور لليد العاملة، بالإضافة للتعب والجهد المضني طبعاً طيلة الموسم، ليضاف إلى كل ذلك ما يمكن أن يتعرض له الموسم جراء العوامل الطبيعية، وخاصة المطر وحبات البرد، التي تؤثر على الموسم بالنتيجة، مع العلم أن غالبية العاملين في زراعة هذا المحصول هم من الأسر الريفية التي تعتمد على هذا المحصول كمصدر أساس للدخل.
المصير المحتوم في ظل السياسات
المؤشرات تقول إن مصير هذا المحصول الإستراتيجي لن يكون أفضل من غيره من المحاصيل الزراعية الإستراتيجية الأخرى، والإنتاج الزراعي والصناعي عموماً، الذي توجه إليه سهام التقويض، بشكل مباشر وغير مباشر، بغاية وقف الإنتاج بكل أنواعه وأشكاله، للاعتماد على بدائله عبر الاستيراد لتغطية الاحتياجات المحلية، بما يحقق مصالح حفنة من حيتان المال والثراء والفساد، المستفيدين من جملة السياسات الليبرالية التي تخدم مصالحهم، دوناً عن مصالح بقية الشرائح الاجتماعية، والمصلحة الاقتصادية، بل ودوناً عن المصلحة الوطنية العامة.
فمشكلة تأمين مستلزمات الإنتاج والعملية الإنتاجية، وصولاً لمشاكل التسويق والتوزيع، قديمة مستجدة تنطبق على كل الإنتاج المحلي وحلقاته، سواء كان زراعياً أو صناعياً، ولا يمكن فصل هذه المشاكل عن السياسات الحكومية المتبعة، ومن خلفها من المستفيدين طبعاً، التي لا يمكن تجاوز نتائجها السلبية المتراكمة إلا عبر تجاوزها وتغييرها جملة وتفصيلاً، بما يحقق المصلحة الوطنية أولاً، ومصلحة غالبية الشرائح الاجتماعية ثانياً.
دراسات علمية نظرية فقط
بحسب إحدى الدراسات المقدمة إلى كلية الاقتصاد- جامعة تشرين في عام 2015: «تتركز زراعة التبغ في سورية بشكل أساس في الساحل السوري، فبلغت نسبة مساحة الأراضي المزروعة بالتبغ في الساحل السوري من المساحة الإجمالية المزروعة بالتبغ في سورية حوالي 63% خلال عام 2011».
ومن دراسة منشورة في مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية عام 2015، نقتطع التالي:
في عام 2011 كان عدد العاملين في تصنيع التبغ بحدود 11800 شخص، ويعمل في زراعته أكثر من 37000 أسرة.
يساهم التبغ السوري من خلال زراعته وصناعته وتسويقه في تحقيق ايرادات متميزة لخزينة الدولة، ثم تحقيق أرباح وعائدات مالية كبيرة.
خلال السنوات الماضية تناقصت مساحة زراعات بعض الأصناف، حيث توجه بعض المزارعين نحو زراعات بديلة أكثر جدوى اقتصادية (حمضيات- بيوت بلاستيكية)، بمقابل زيادة مساحة زراعات أصناف أخرى تحقق مردوداً اقتصادياً أفضل.
أكثر الأصناف المنتجة في الساحل السوري مساهمة في الناتج المحلي الزراعي، وبالتالي دفع عجلة التنمية الزراعية نحو الأمام، هو «شك البنت» والذي يمكن اعتباره من أهم أصناف التبغ على الإطلاق، يليه «الفيرجينيا والتنباك».
مع العلم أن هناك الكثير من الدراسات التخصصية بمحصول التبغ، وخاصة في المنطقة الساحلية، سواء من قبل بعض الطلاب من أجل الحصول على درجات الماجستير والدكتوراه في الجامعات السورية، أو من قبل بعض الجهات العلمية ومراكز الأبحاث، والتي تتضمن الكثير من الملاحظات والمقترحات، لكن مع الأسف، فإن مصير هذه الدراسات أن تبقى ذات طابع نظري غالباً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 981